الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف نتعامل مع أبي الذي نجهل حالته المرضية؟

السؤال

السلام عليكم.

الدكتور الفاضل/ محمد عبد العليم -حفظه الله-.
اليوم استشارتي بشأن أبي -58 سنة- حيث يتصرف بغرابة شديدة كالآتي: هو مفعم جدا بالطاقة، ويتحدث في أكثر من موضوع في وقت واحد، ولديه ثقة زائدة ليس لها رصيد في الواقع، ويتصرف كما لو أنه لا يبالي بالعواقب، تأتيه حالة من الهياج يكون فيها متحفزا لأن يتكلم ويفعل شيئا، ويقوم بالتصرف بما يتنافى مع اللباقة الاجتماعية، مزاجه عموما يتململ بين السعادة والنشوة والانشراح، وبين الحزن واليأس ورثاء النفس والسوداوية، في حين أنه لا يوجد سبب في الواقع لأي من الحالتين، كما أن آراءه متقلبة في الأمور نفسها، فما يرضيه اليوم يسخطه غدا وهكذا، فلا نعرف كيف يمكننا إرضاؤه؟

في فترات الكآبة يكون فاقدا للتلذذ بأي شيء، ولكن طاقته تظل عالية ولا تخمدها الكآبة، وفترة الانشراح يكون إدراكه للأمور خاطئا جدا ومشوها، ويدرك ذاته بتعظيم مبالغ فيه، وليس فاقدا للاستبصار.

حالته تؤثر علينا بالإجهاد المزمن، صعوبة التعامل والتواصل معه، وصعوبة إرضائه، أشك أنه مصاب بثنائي القطب، فهل يمكن إعطاؤه السيروكويل والليثيوم؟ وهو يرفض العلاج، فكيف نتعامل معه؟

وأحسن الله إليكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الرحمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأشكرك على اهتمامك بأمر والدك الذي أسأل الله تعالى له العافية والشفاء.

وصفك دقيق جدًّا حقيقة لحالة الوالد، وبالكيفية التي وصفتها والدقة المتناهية في تحديد معالم الحالة - وأنا أثق فيما ذكرتَه - أقول لك: بالفعل الوالد لديه حالة تقع في طيف الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية، وبالنسبة لمن هم فوق الخمسين: حالات الانشراح لا تأتي كانشراح وفرح وبهجة، قد يكون فيها شيء من الاندفاع والانفعال وسرعة الاستثارة، لكن زيادة النشاط الجسدي وتطاير الأفكار وتداخلها أعتقد أنها مؤشرات تشخيصية مهمَّة جدًّا، وهي متوفرة في حالة الوالد -عافاه الله وشفاه-.

أنا أعتقد أنه لا بد من السعي الحثيث لنقنع هذا الوالد - حفظه الله - بالذهاب إلى مقابلة الطبيب، نحن حين نتحدث عن العلاج لا نتحدث فقط عن دواء يُعطى للإنسان، نتحدّث عن أن يُشرح له، أن يُعامل معاملة محترمة، أن نجعله يُشارك في قرار علاجه، ولا نفرض عليه شيئًا، والطبيب الحاذق والمقتدر والذي يهتم بشأن الناس يستطيع أن يبني هذه العلاقة العلاجية الإيجابية جدًّا.

فيا أيها الفاضل الكريم: حاولوا مع الوالد بلطف شديد، أنه سيكون من الجيد أن يذهب معكم للطبيب، ليتمّ فحص حالته، وربما يكون يُعاني من إجهاد نفسي أو شيء من هذا القبيل، ويُذكر له هذا الأمر بهذه الكيفية، وليس من الضروري أن نلحَّ عليه مرات ومرات، إذا رفض من الوهلة الأولى نتركه، ومرة أخرى حين يكون في مزاج أفضل نتحدث معه، ودائمًا نجعل الشخص الذي له تأثير مباشر على الوالد أن يتحدَّث معه، الأمر يجب ألَّا يكون مشاركًا بين كثير من الناس، هذا يُزعج المرضى تمامًا، خاصَّة مريض الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية، وإن كان له صديق أو زميل عملٍ أو إمام مسجدٍ، أي شخص نعرف أنه سوف يؤثّر عليه، وهذا نسمّيه بـ (الشخص المفتاح) مثل المفتاح، يفتح الأمور ويغلقها.

بهذه الكيفية - أخي الكريم - يمكن أن يبدأ هذا الوالد في العلاج، والأدوية كثيرة جدًّا، وكلها جيدة وممتازة، مثبتات المزاج ذات فائدة عظيمة، مضادات الذُّهان التي تتميز بسمة التحكُّم في الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية أيضًا موجودة.

أخي الكريم: نترك أمر اختيار الدواء بالنسبة للطبيب، لكن أتفق معك تمامًا أن هذا الأخ - عافاه الله وشفاه - لا بد أن نُدخله في آليات علاجية تفيده كثيرًا، وهذه الحالات يمكن علاجها كما تعلم، وتُعالج بصورة فاعلة جدًّا الآن.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً