الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خسرت في تجارتي ودراستي، أفيدوني بنصحكم.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

يسرني بشدة مراسلة موقعكم الجميل، فدائما ما أجد فيه الجواب على أسئلتي، ودائما أجد به ضالتي، أريد منكم توجيها ونصيحة.

أنا شاب في 21 من عمري، طالب جامعي، أدرس في السنة الثانية، مررت بعدة مشاكل منذ أن كنت في عمر 15 سنة، وأكثر شيء عانيت منه هو العادة السرية والإدمان عليها، حتى تدمر جسدي تماما، وأصبحت ضعيفا، أعاني دائما من الاكتئاب الشديد.

في السنتين الأخيرتين قررت أن أغير من نفسي وأتحسن للأفضل، فبدأت في المواظبة على الصلاة والاجتهاد في الدراسة، وكذلك طلب العلم الشرعي.

كما اقترضت أموالا وبدأت في مجال تجارة الهواتف والسماعات، إلى جانب الجامعة بشكل منفرد، وكان كل شيء يسير على ما يرام لمدة 9 أشهر، وحققت أرباحا لا بأس بها بالنسبة لطالب في الكلية، وبعدها حاولت أن أطور مجال عملي لأزيد من أرباحي.

لكن حصل ما لم أكن أتوقعه، اشتركت في مجال البورصة والعملات الإلكترونية بقصد تحقيق ربح أكبر، وكنت قد درست المجال بعناية وقسمت أموالي لجزأين، جزء اشتركت فيه مع أحد الشركات، وجزء عملت فيه بنفسي مع بعض المساعدات والإرشادات من المختصين.

ولكن لم يمض فترة طويلة حتى أفلست الشركة تماما، وأرسلت تقارير لعملائها بالإغلاق الكلي، وفي نفس الوقت خسرت الجزء الآخر من المال الذي عملت عليه بنفسي، يعني مصيبة بعد مصيبة وفوق هذا أصبحت مديونا.

شعرت بحزن شديد، ولكنني حمدت الله وقلت لعله خير، وبعدها اقترضت المال مجددا وبدأت في نوع آخر من التجارة، وهي تجارة الخضار والفواكه، وكان هذا في فترة الصيف خارج فترة الدراسة، ولكنني فشلت من البداية.

استرجعت ما يقارب سدس رأس المال أو أقل، وخسرت كل ما تبقى، وحاليا أنا مديون بشدة، وفوق هذا أخفقت في دراستي أيضا، وأعيد نفس السنة بالكلية.

الصراحة لا أعرف ماذا أفعل، وكل شيء ضاق بي حاليا، أصبت باليأس، وأحس بأنني عاجز ولا أقدر على الاستمرار أكثر، فدائما أحاول ولكن بدون جدوى.

فوق هذا أعيش في فتنة دائمة في ديني من ممارسة العادة السرية وترك الصلاة، وكلما أتوب أعاني من وسوسة في الدين، رغم أنني أطلب العلم الشرعي دائما، ولدي رصيد لا بأس به -والحمد لله-.

أصبحت حياتي ضنكا من كل الجوانب، وأحس كأنني أعيش ميتا، وكلما أحاول إصلاح جانب يفسد جانب آخر، مع العلم أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية في البلاد صعبة جدا، وحتى التخرج من الجامعة لا يعود بأي نفع مع أغلب التخصصات.

باختصار لم أعد قادرا على تحمل الفتنة التي أعيشها من كل الجوانب، وليس بيدي أي حيلة، أصبحت أفكر في هجرة غير شرعية لأوروبا، لكنني أدركت من الأخبار أن الفتنة هناك أكبر وأشد، خصوصا من ناحية الدين.

لا أعرف ماذا أفعل؟ أتمنى منكم توجيهي للطريق الصحيح.

وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك -أخي الكريم- وردا على استشارتك أقول:

لعلك تدرك الآثار السلبية لإدمان العادة السرية المحرمة شرعا، ولعلك قد عانيت من تلك الآثار في الحال، كما أن لها آثار سلبية في المستقبل، فعلاوة على الإنهاك والضعف الذي تعاني منه، فإنها تتسبب في التهابات مزمنة لغدة البروستات والتي تسبب ضعف الانتصاب، وسرعة القذف وعدم الاستمتاع بالعلاقة الحميمية مع الزوجة، بسبب الاعتياد على طريقة مخالفة للطريقة الشرعية في إفراغ الشهوة.

ممارسة العادة السرية من المعاصي، والمعاصي تسبب في حرمان الرزق في هذه الدنيا، كما ورد في الحديث: (وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه)، وكذلك جميع الذنوب التي يرتكبها العبد من غيبة ونميمة وعقوق الوالدين وأذية الجار وهكذا.

التجارة لا تصلح لكل أحد، فكل ميسر لما خلق له، والإصرار على طريقة معينة يعد من العبث، خاصة إن أخفق الشخص في مجال معين، ودراسة الجدوى مهم في أي مشروع قبل أن يدخل فيه الإنسان، كما أن تشتيت الجهد والوقت يحرم الإنسان من التركيز في الأمر المهم، وكان المهم في حياتك التركيز على التحصيل العلمي.

ليس جميع مخرجات الجامعات يجد عملا في السوق، والسبب في ذلك تكدس الطلبة في المجالات السهلة اليسيرة، ولو أن الطالب أحسن اختيار القسم الذي سيدرس فيه، بعد دراسة احتياج سوق العمل لتسابق أصحاب الأعمال على استقطاب ذلك المتخرج، مع الإيمان بأن الرزق بيد الله تعالى، لكن العمل بالسبب مهم للغاية فمثلا التخصص في العلوم الشرعية كثير للغاية، ولذلك فمخرجات الجامعات لا يجدون الوظائف التي تتسعهم جميعا، أما الجانب الاقتصادي، وتقنية المعلومات بمختلف تخصصاتها، فلا يزال السوق بحاجة للمختصين وهذا على سبيل المثال.

كثير من الشركات تستقطب أموال الناس من أجل استثمارها في الظاهر، لكنها سرعان ما تسلب تلك الأموال بحجة الإفلاس، ولا يكون المشاركون قد أخذوا احتياطاتهم، وليس هنالك من يحاسب تلك الشركات كونها لم تنشأ بطريقة صحيحة.

خسارة المال أهون من خسارة الدين؛ لأن المال سيعوض -بإذن الله تعالى- أما الدين فلا يعوض.

مهما كانت الظروف التي مررت وتمر بها فهذا لا يدعوك للتشاؤم، بل يجب أن تكون متفائلا فالتفاؤل يفتح لك الآفاق ويجعل صدرك منشرحا، ولقد كان من أخلاق نبينا -عليه الصلاة والسلام- التفاؤل وكان يكره التشاؤم.

يجب أن تكون ثابتا صابرا مصرا على النجاح، مستعينا بالله تعالى ومتوكلا عليه، وعليك أن تكمل دراستك الجامعية، وأن تعيد النظر في التخصص إن أمكن، أو تعدل من ذلك في مرحلة الماجستير.

يجب أن تحافظ على الصلاة مهما ارتكبت من ذنوب، فإن إقامة الصلاة من أسباب غفران الذنوب كما قال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ).

اجتهد في الإقلاع عن العادة السرية المدمرة وإن ضعفت نفسك فوقعت مرة أخرى فعاود التوبة مرة أخرى، وعليك بالصوم فإنه علاج نبوي للحد من قوة الشهوة يقول -عليه الصلاة والسلام-: (يا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَن استطاعَ مِنكُمُ الباءةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ ومَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ).

بعض الناس لا يكون رزقه في المدينة التي يعيش فيها وهو مصر على البقاء فيها متناسيا أن الله تعالى أمر بالسعي في مناكب الأرض فقال: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) فانتقل إلى مدينة أخرى في بلدك، وإن اقتضى الأمر فقدم وثائقك في مجال تخصصك في بلد عربي آخر فلعلك توفق.

لا تفكر في الانتقال إلى بلاد الكفر ففيها من الفتن ما يخشى المرء على دينه، وقد قال -عليه الصلاة والسلام-: (أنا بريء ممن أقام بين ظهراني المشركين).

اعلم أن الحياة الطيبة لا توهب للعبد إلا بشرطين الأول الإيمان، والثاني العمل الصالح كما قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

الزم الاستغفار وأكثر من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب ففي الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

اقرع باب الله تعالى بالتضرع بالدعاء وأنت ساجد، وتحين أوقات الإجابة وسل ربك أن يفرج عنك ما أنت فيه، وأن يشرح صدرك، واطلب ما تريد من خيري الدنيا والآخرة وأكثر من دعاء ذي النون: (لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَاْنَكَ إِنِّيْ كُنْتُ مِنَ الْظَّاْلِمِيْنَ)، فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ)، وادع الله وأنت موقن بالإجابة فإن الله لما أمر عباده بالدعاء وعدهم بالإجابة فقال: (وَقَالَ رَبُّكُم ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ).

اطلب الدعاء من والديك، فدعاء الوالدين لولدهما مستجابة كما ورد في الأحاديث الصحيحة.

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات