الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خطيب وأعاني من الرهاب..فما العلاج المناسب؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أشكركم أولا على هذا الموقع الجبار، والشكر موصول لكل من ساعد في نشر هذا الخير، أو الجواب عن سؤال ينتفع به في الدنيا أو الدين.

سؤالي للدكتور/ محمد عبد العليم، وأرجو أن يفيدني إفادة تامة:

أنا إمام مسجد وواعظ -والحمد لله على نعمه-، وكل الأمور طيبة في هذا المجال، ولكن من فترة قيل لي بأن أخطب الجمعة في أحد المساجد، ولما جاءت الجمعة شعرت ببعض الخوف؛ لأنها أول مرة، ولكني صعدت المنبر وحينما بدأت الخطبة شعرت بغثيان شديد ودوار بعد دقائق من الخطبة، فنزلت من المنبر ولم أكمل الخطبة.

في الجمعة التى بعدها ذهبت من جديد وحصل نفس الأمر، وفي الجمعة الثالثة أيضا لم أستطع إكمال الخطبة، فتوقفت عن الخطابة لفترة، ثم رجعت للخطابة، وحصل لي خوف كبير، خوف من تكرر ما سبق، وبالفعل تكرر ذلك معي ولا أستطيع إكمال دقيقتين في الخطبة، حتى أشعر بالدوار وأصاب بالغثيان.

أجريت الفحوصات والبحث، ومع كثرة القراءة قيل لي إنه رهاب، ولدي أعراض جسدية، فأخذت من تلقاء نفسي دواء كونكور 5 مليجرام، تناولته قبل الخطبة بساعات وصعدت المنبر وخطبت ومشت الأمور على ما يرام، ولكن أصبح في عقلي أني لا أستطيع الخطبة إلا بعد أخذ هذا الدواء قبل موعد الخطبة.

صحتي جيدة، وأكملت سنة وأنا خطيب، وكل جمعة قبل الخطبة أتناول حبة من كونكور، والأمور 100‎%‎، وقررت تجربة إلقاء الخطبة بدون أخذ كونكور، ولكنني حينما صعدت المنبر حصل لي ما يحصل من قبل دوار ودوخة وغثيان!

وسؤالي - دكتورنا الحبيب -: هل هناك علاج لحالتي هذه؟ وما هو العلاج؟ وهل أخذي للكونكور مرة في الأسبوع لأجل الخطبة يسبب ضررا؟ أو ماذا تقترحون علي من بديل؟ علما أنني لا زلت واعظا.

شكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ طيب حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

جزاك الله خيرًا – يا أخي – على كلماتك الطيبة، وأسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

أخي الفاضل: هذا الذي تعاني منه نسميه بـ (رهاب الأداء)، وهو نوع من الرهاب الاجتماعي البسيط، لكن طبعًا تبعاته كبيرة جدًّا كما حدث في حالتك، فأن تنزل من المنبر ولا تستطيع مواصلة الخطبة؛ قطعًا هذا فيه الكثير من الحرج بالنسبة لك.

أيها الفاضل الكريم: الإنسان يحتاج لشيء من القلق حتى يُنجز أداءه على أفضل كيفية وصورة، لكن هذا القلق إذا زاد – وذلك من خلال إفراز مادة الأدرينالين، والتي هي تحت هيمنة وسيطرة الجهاز العصبي اللاإرادي، ففي حالات الخوف والتوتر التوقعي؛ ينشط الجهاز العصبي اللاإرادي ويحصل إفراز للأدرينالين يؤدي إلى الغثيان، وتسارع في ضربات القلب، والشعور بالدوار، وكل ما جرّبته وحدث لك هو نتيجة لهذا التغيُّر الفسيولوجي.

طبعًا – يا أخي – أنا كنت أتمنَّى ألَّا تترك الخطبة، لأن هذه اللحظات – لحظات الغثيان والدوار – نعم هي صعبة، لكن لن يحدث لك أي شيء، لن تسقط، ولن يحصل لك ترجيع للطعام، هذا لن يحدث، هو مجرد شعور وليس أكثر من ذلك.

أنت تناولت الـ (كونكور) والكونكور هو أحد كوابح البيتا، ويُعرف عن هذه الأدوية أنها بالفعل تُخفض من ضربات القلب، ممَّا يجعل الإنسان يتحكّم بصورة فسيولوجية جسديّة في مخاوفه ورهاب الأداء.

طبعًا – أخي الكريم – هذا الدواء دواء سليم وجيد جدًّا، وربما تكون 2,5 مليجرام كافية بالنسبة لك، لكن أنا أريدك أن تُعالج هذا الموضوع علاجًا جذريًّا، وذلك بأن تحقّر فكرة الخوف، وأن تعرف أن الله تعالى قد اصطفاك وخصّك بأن تكون إمامًا وتخطب في الناس، لابد – يا أخي – أن يكون لك الإدراك الكامل في هذا الأمر.

والأمر الثاني: أن تعرف أن الذين يجلسون يستمعون إليك هم بشر، بل يكونون متشوقين للاستماع إليك – أخي الكريم -.

الأمر الآخر هو: أن تعرِّض نفسك كثيرًا لهذه المواقف، التعريض في الخيال دائمًا هو بداية طيبة جدًّا، تجلس في مكان هادئ وتتصور نفسك أنك تخطب في مسجد أكبر من مسجدك، وكان موضوع الخطبة موضوعا مُعيَّنا، أو تتصور أنك تخطب في العيد، أو في تجمُّعٍ كبير من الناس، هذا نسميه بالتعريض في الخيال، ويجب أن تستمر فيه بصفة يوميًا لمدة أسبوعين.

والأمر الآخر أيضًا: حاول أن تمارس رياضة المشي، وتُطبق بعض التمارين الاسترخائية، تمارين التنفس التدرُّجي من أفضل أنواع العلاجات التي تفيد في هذا الموضوع، وإسلام ويب أعدت استشارة رقمها (2136015) أوضحنا فيها كيفية ممارسة هذه التمارين بصورة جيدة وعملية وعلمية في ذات الوقت، وتوجد أيضًا برامج كثيرة على اليوتيوب توضح كيفية ممارسة هذه التمارين.

بالنسبة للعلاج الدوائي: حقيقة أنا أريد أن أصف لك أحد الأدوية التي تُعالج المخاوف في أصلها وتُساعدك كثيرًا، الكونكور يُعالج الأعراض الفسيولوجية الجسدية فقط، لكنّه لا يُعالج الأعراض النفسية الداخلية، وتوجد عدة أدوية، منها عقار (سيرترالين) والذي يُسمَّى تجاريًا (زولفت)، من الأدوية الممتازة، وربما تجده في بلادكم تحت مسمّى تجاري آخر.

أنا أعتقد أنه سيكون من الأفضل لك أن تجرِّب هذا الدواء، وإن أردتَّ أن تستمر فقط على الكونكور فلا بأس في ذلك، وجرعة الكونكور يمكن أن تكون 2,5 مليجرام، يعني: تناول نصف حبة من جرعة الخمسة مليجرام، لأن الخمسة مليجرام هي الجرعة التي نعطيها لخفض ضغط الدم المرتفع، أمَّا 2,5 مليجرام فهي كافية جدًّا للتحكم في الجهاز العصبي السمبثاوي وإيقاف ضربات القلب الزائدة، حين يكون الإنسان في وضع يتطلب المواجهة.

أمَّا إذا اقتنعت بتناول السيرترالين فجرعته هي أن تبدأ بنصف حبة - أي خمسة وعشرين مليجرامًا - يوميًا لمدة عشرة أيام، ثم اجعلها حبة واحدة - أي خمسين مليجرامًا - يوميًا لمدة أربعة أشهر، ثم اجعل الجرعة نصف حبة يوميًا لمدة أسبوعين، ثم نصف حبة يومًا بعد يومٍ لمدة أسبوعين آخرين، ثم تتوقف عن تناول السيرترالين.

وبالطبع لا يوجد أي تناقض بين الدواءين، على العكس تمامًا السيرترالين سوف ينزع المخاوف، والكونكور سوف يتحكم في الجهاز العصبي اللاإرادي، ليزيل الأعراض الجسدية للقلق المخاوف عند المواجهات، بمعنى آخر: وأنت تتناول السيرترالين يمكنك أن تتناول أيضًا الكونكور قبل خطبة الجمعة مثلاً، وبعد شهرٍ توقف عنه تمامًا، لأن السيرترالين سوف يكون أدى فعاليته كاملة، ومع التطبيقات السلوكية لن تكون محتاجًا للكونكور.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً