الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أبي يسب العلماء ويطعن فيهم... كيف نتعامل معه؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

عمري 40 سنة، متزوج، ولدي 3 أطفال، أعاني من أبي، فهو صوفي، ويسب الشيخ الألباني وشيخ الإسلام ابن تيمية، ويرى نفسه على حق، ولا أحد من العائلة يستطيع أن يتكلم أو يرد عليه؛ لأنه يقوم بطردنا من البيت، ويصفنا بالضلال.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمود حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نسأل الله تعالى أن يهدي والدك إلى الحق، وأن يهدينا جميعًا إليه، ويردنا جميعًا إلى الحق ردًّا جميلًا.

ونصيحتنا لك - أيها الأخ الكريم -: أن تكون رفيقًا بوالدك، وأن تصبر عليه، فإن الموقف الذي يقفه والدُك من هؤلاء العلماء الأعلام إنما هو نتيجة لما تلقّاه في بيئته وتعلّمه، فهو يعتقد أنهما على ضلال، ومن ثمّ قد يقع فيهما.

فلو سلكت طريق الرفق والأناة والهدوء في التعامل مع والدك فربما أجرى الله تعالى على يدك خيرًا كثيرًا له، فلا ينبغي أن تُجاهروه بمطلق المخالفة، وأنكم تخالفونه في كل ما هو عليه، فمنهج التصوّف فيه شيءٌ كثير من الخير.

والتصوّف الأخير هو الذي وقعت فيه أنواع من الانحرافات، ولا ندري ما هو واقع والدك بالضبط، ولكن ينبغي أن تبدؤوا أولًا بتثبيت الأمور المتفق عليها، وتذكروا لوالدكم ما في الصوفية من الخير الكثير، ولا سيما أئمة الصوفية، فإن شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - له مجلّدان خاصَّان بالكلام عن التصوف، وهو لا يَذُمُّ التصوّف مطلقًا، ولكنه يتكلّم عن بعض البدع التي أُحدثت في التصوّف، وهي ليست منه في حقيقة الأمر.

فإذا سلكتم طريق الهدوء أولًا والتركيز على الأمور المتفق عليها، وأن كلَّ أحدٍ من الناس يُؤخذ من قوله ويُترك إلَّا رسول الله (ﷺ) فهنا ربما يهدأ أبوكم وتهدأ نفسيته، ويُصبح في حالة يتقبّل فيها الكلام من غير مَن اعتاد أخذ كلامهم؛ وعلى كل حال فواجبكم الصبر على أبيكم، وألَّا تُغضبوه، فإذا أردتم أن تعلّموه شيئًا فعلِّموه بأسلوب حسنٍ مؤدّبٍ رفيق، فإذا غضب فاتركوه وشأنه.

ولا يخفى عليكم ما في النماذج القرآنية ممَّا حكاه الله تعالى لنا من التعامل مع الوالد، ومن ذلك قصة إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - مع والده وهو على الكفر، فاقرؤوا عباراته اللطيفة في سورة مريم وهو يحاور والده، ويتودّد إليه، ويقول: {يا أبتِ لِمَ تعبدُ ما لا يسمع ولا يُبصر ولا يُغني عنك شيئًا * يا أبتِ إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني ...* يا أبتِ لا تعبد الشيطان ... * يا أبتِ إني أخاف أن يمسّك عذابٌ من الرحمن ...} فهو يُكرّر هذا الخطاب اللين الرفيق الذي يحمل الشيء الكثير من التودُّد والتقرُّب إلى الوالد لعلَّه يقبل النُّصح، ومع كل هذا لم يستجب له الوالد، وهدّده بالقتل، وبعد هذا التهديد والوعيد والسبِّ قال: {سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيًّا}.

فهذا النموذج القرآني يُبيّن لكم كيفية التعامل مع الوالد، ونحن على ثقة من أن حُسن أدبكم مع والدكم، والرفق به سيُؤثّر في نفسه بلا شك، وسيدعوه إلى أن يُجاملكم على الأقل، وأن يتودد إليكم بمحاولة الاستماع لما يُقرّره هؤلاء العلماء.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقكم لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات