الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أمي تعتبرني عاقة وتحرض إخوتي عليّ، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم

أمي طيبة وحنونة، ولا تبخل علينا بشيء، وأنا أعرف عظيم حقها علينا، ولكن حدثت في فترة انتقالي من مرحلة الطفولة إلى سن البلوغ عدة مشاكل، وكنت أتمرد عليها، وترسخ في عقل والدتي بأنني عاصية، الآن مهما بذلت معها من جهد، وقدمت لها، في حال حصول أي خطأ مني -ولو كان بسيطاً- لا تحتمل مني أي شيء، وتدعو علي وتعتبرني عاقة، علماً بأن أمي تحب إخوتي الصغار وأختي الكبيرة أكثر مني، مثلاً لو عمل أحدهم خطأً يكون تعاملها معهم بسهولة ويسر، أما أنا فتتصيد لي الأخطاء لتدعو علي، أو لتضربني أو تحرمني من الهاتف، وتقول لإخوتي: لا أحد يجالس فلانة (تقصدني) حتى لا تصبحوا عاقين مثلها!

أنا أعلم بأن رضا الله من رضا الوالدين، وسخط الله من سخطهم، وعادة أحاول الابتعاد عنها وقت المشاكل، ولكنها تفسر ذلك بأن أتجاهلها ولا ألقي لها بالاً.

تعبت جداً، وفي البداية كنت أبررها بدعوى الدفاع عن نفسي، وقد كنت في مرحلة ضياع وطيش، لكن بعد أن كبرت عودت نفسي على الصبر، وغالباً تشتمني وتسبني وتدعو علي، وأتمالك نفسي بقوة، وأحاول أن أتميز بالحلم عند الغضب، حالياً أنا أبذل جهدي لنيل رضاها، لكنها دائماً تسيء الظن بي، وإخوتي عندما رأوا معاملتها معي، أصبحوا إذا فعلتُ أبسط خطأً يذهبون لأمي ويخبرونها، لتغضب علي ويتقربون لها بغضبها علي.

منزلنا بالرغم من أن الكل حافظ لكتاب الله، إلا أن الأخ لا يعامل أخاه بالإحسان، ولا يوجد في بيتنا شفقة ولا رحمة، كل شخص يتمنى الشر لإخوته، وأن يكون هو الأحسن، فبماذا تنصحونني، لأصلح علاقة منزلنا وأصلح نفسي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ أميرة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك ابنتنا العزيزة في استشارات إسلام ويب.

لقد أحسنت حين أنصفت في تقييمك لنفسك ومعرفة مصدر الخلل الذي حصل في العلاقة بينك وبين أمك، ونحن نحب أن نبشرك أولًا -ابنتنا العزيزة- بأن أسهل قلب يمكن أن تكسبي حبه وتعززي علاقتك معه هو قلب أمك، فليس أحد من الناس في هذا الوجود يحبك كحب أمك لك، ولا يرحمك كرحمتها لك، وهذا أمر فطري فطر الله تعالى عليه الخلق.

فرحمة الوالدة لولدها مضرب المثل في الرحمة، ربما تكون الأم قد تصورت سلوكًا منك بسبب مواقفك السابقة، ولكن ليس من العسير أبدًا أن تصححي هذا الفهم لدى أمك، وأن تحظي بأعلى منزلة وبأحسن مكانة، الأمر يتطلب منك فقط قليلاً من الصبر، وقليلًا من الفهم في كيفية التعامل مع أمك، ولا تنسي أبدًا أن الكلمة الطيبة تؤثر في النفس بما لا يخطر على بال أحد، وقد بين الله تعالى لنا في كتابه الكريم أثر الكلمة الطيبة في العدو اللدود، فقال سبحانه: (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) هذا الدفع بالتي هي أحسن قد يكون بالكلمة الطيبة، وقد يكون إحسانًا من نوع آخر، ولكنه كفيل بأن يقلب العدو صديقًا، فكيف لا يزيد في حب الأم لولدها؟ لا شك ولا ريب، أنك لو سلكت هذا الطريق فإنك ستنالين في قلب أمك أعلى المنازل، لهذا ننصحك بأن تصارحي أمك بالاعتذار عما كان من مواقف سابقة، وأن تبيني لها بأنك فعلًا الآن تدركين خطأ تلك المواقف، ولكنه تاريخ مضى وذهب.

وحينها ستدرك أمك بأنك قد أحسنت الوعي بالأمور، وأدركت مواقف ومواطن الصواب والخطأ، وستركن إلى حسن تصرفاتك وحسن قراراتك فيما يستقبل من الوقت، كذلك اجتهدي بقدر استطاعتك في تجنب إثارة أمك وإغضابها، والعلماء يقولون: لا يجوز للابن أن يغضب والده وهو ينهاه عن المنكر، فكيف فيما هو أخف من ذلك، فلا يجوز لك أن تغضبي أمك بحال من الأحوال.

وإذا أساءت إليك فالواجب عليك أن تصبري، كما قال الله تعالى: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً). فأمر بمصاحبتهما بالمعروف مهما بلغت إساءتهما إلى الولد، وكذلك -ابنتنا العزيزة- إذا استطعت أن تهدي أمك هدايا ولو في مناسبات متباعدة، فإن هذا من شأنه أن يعزز هذه المحبة ويقويها، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (تهادوا تحابوا).

فمبالغتك في بر أمك والإحسان إليها وإعانتها في أمورها، والمبالغة في خدمتها والسعي الجاد في إراحتها، كل هذا لن يخفى على أمك، وستدرك من خلاله أنك جادة وصادقة في استجلاب رضاها، وهذا الجهد الذي تبذلينه ينبغي أن تدركي تمام الإدراك أنه عبادة لله سبحانه وتعالى، وأنه مدخر لك في صحائف أعمالك، فكل جهد تبذلينه في سبيل إدخال السرور إلى قلب أمك وكسب قلبها والإحسان إليها، هو في حد ذاته من أجل العبادات التي تنفعك في آخرتك وفي دنياك، وهذا يكفي أن يكون حافزًا لك نحو المزيد من هذا النوع من التصرفات.

أما ما ذكرته عن إخوانك، فربما يكون الجو الذي تعيشون فيه قد غلبت فيه مظاهر الأنانية، والأثرة، ولكن هذا السلوك يمكن أن يغير، والإيثار وحب الخير للآخر من أهم الأسباب في تغيير هذه النفسيات، وهذا النوع من السلوك، فحاولي أن تناصحي إخوانك وأخواتك في هدوء ولين ورحمة، وأن تذكري لهم مواقف الإيثار ومحبة الخير للناس، وأثره على دين الإنسان وعلى دنياه، فإنه قد وردت النصوص الكثيرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيان أهمية أن يحب الإنسان الخير لأخيه المسلم.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقك لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً