الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بعد وفاة والدي تعرضنا للأذى من عائلة والدتي!

السؤال

السلام عليكم

أعاني من مشكلات عجزت عن حلها، وأنا أسكن مع عائلة والدتي، وهذا من بعد وفاة والدي، وأجبرتُ على السكن معهم بعد وفاة الوالد، وأصبت بالاكتئاب مما أثر على دراستي ونفسيتي.

أنا وإخوتي صرنا حساسين جداً لأي كلمة أو فعل بعد وفاته رحمة الله عليه، ولكن عائلة أمي لا يفهمون، ويقومون بالأذى طول الوقت، ومنذ ٧ سنوات وأنا أعاني منهم، وأكرههم، ولم أكره في حياتي أحداً، وزاد علي مرضي واكتئابي.

أنا حالياً أسكن معهم، وتشاجرت خالتي مع أمي، وبعدها تشاجرت معنا كلنا، حتى إنها أمرت بناتها الصغيرات أن لا يتكلمن مع أختي الصغيرة، مع أنها يتيمة الأب، وخالتي الأخرى كانت تشتري لولدها الألعاب أمام أختي الصغيرة، ولا يهمها.

أنا توقفت عن الكلام معهم، ولكن ما زلت أتعرض للأذى منهم، وهم يقللون دائماً من قيمة الشخص، ويهتمون فقط بأنفسهم، سواء أكلت أو لم تأكل لا يهمهم، وإذا قلت كلمة يفهمونها بشكل خاطئ، ويلوموننا على أي تصرف، وأنا مريضة ولا أستطيع التحمل.

أتمنى النظر بوضعي أيضاً شرعاً، هل يجوز أن أقاطعهم حتى وأنا أسكن معهم؟ علماً أن أذاهم متواصل منذ سنين، ولا أستطيع مسامحتهم.

بالنسبة لاكتئابي كنت آخذ أدوية وتوقفت، ولكن ما زالت لدي رغبة بالموت، واليأس، وكلما تشاجرت مع أحد أتمنى الموت أكثر، وأكره نفسي، وما زال لدي خمول في الدراسة، فهل يوجد دواء يمكنه إعطائي سواء كان نشاطاً أو حلاً آخر؟ وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ وعد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك – أختنا الفاضلة – في إسلام ويب.

لديك استشارة سابقة أجبتُ عليها قبل ثلاث سنوات تقريبًا، وأرجو أن تكوني استفدت من الإرشادات التي ذكرناها لك في ذاك الوقت.

بجانب ذلك أيضًا لديك استشارة أخرى أجبنا عليها في نفس العام، ومن الاستشارات الثلاث أستطيع أن أقول لك –أيتها الفاضلة الكريمة– إن لديك شيئاً من قلق الشخصية، ولديك أيضًا ما يمكن أن نعتبره قلّة في التحمُّل، التحمّل من الناحية النفسية، ومن الناحية الاجتماعية، وربما يكون هذا أيضًا من الناحية الجسدية.

نحن نتفهم شكواك تمامًا، ونقدّرها، وسيقوم أيضًا الشيخ الدكتور أحمد الفرجابي بتوجيه النصح السلوكي والشرعي والاجتماعي لك، فأرجو أن تستفيدي ممَّا سيذكره لك، وأنا من جانبي أقول لك:

بعد وفاة والدك –عليه رحمة الله– انتقلت الأسرة لتعيش في منزل أهل الوالدة، وهذا شيءٌ طبيعي يحدث في مثل هذه المواقف، ومن الواضح أنه حدث لك على وجه الخصوص نوع من عدم التواؤم أو عدم التوافق مع ظرفك الحياتي الجديد.

أنا لا أريد أن أقول لك إن موقفك ضعيف، ويجب أن تتعايشي مع أسرة أهل والدتك، بل أقول لك: يجب أن تحاولي التكيُّف معه، وليس هذا بالأمر الصعب.

أولًا: إذا كان لديهم أي إيجابيات مهما كانت صغيرة أرجو ألَّا تتجاهليها، بل خذيها كنقطة ارتكاز إيجابية لتنطلقي إلى فكر جديد يقوم على مبدأ القبول البيئي - السكن مع أسرة الوالدة-، لا ينبغي أن نتذكّر السلبيات فقط ونحاول أن نضخمها؛ ففي ذلك مشكلة كبيرة، وأنا متأكد أن خالاتك وغيرهم من الأهل لا بد أن يكون لديهم أيضًا بعض الإيجابيات، فخالتكم أم، وهي شقيقة والدتك، ولا شك أنها حتى وإن ظهرت بشيءٍ لا أقول القسوة والفظاظة في التعامل معك؛ إلَّا أن هناك وداً فطرياً وجبلياً موجود.

أنا أقول أريدك: أن تجلسي وتناقشي مع والدتك هذا الأمر، أمر عدم قدرتك على التواؤم والتوافق مع أهل والدتك، وكوني دقيقة جدًّا فيما تناقشينه مع والدتك، وكوني منصفة وبمصداقية تامّة.

هذا فيه نوع من التفريغ النفسي، بمعنى أنك تقومين بإخراج الشحنات النفسية المكتومة، وذلك من خلال التحدث مع والدتك، وسيكون من الجميل أيضًا أن تأخذي مشورتها حول أفضل الطرق في التعامل مع أسرة أهلها.

أرجو ألَّا تنسي أن والدتك نفسها -قطعًا- تعاني من صعوبات، وذلك بعد وفاة والدك، فافتقاد الزوج ليس بالأمر السهل، نسأل الله تعالى له الرحمة.

أنا أريدك أن تلعبي دورًا إيجابيًّا وكبيرًا جدًّا سيُساعدك، وبالرغم من هذه الصعوبات يجب أن تكوني مساندة لوالدتك، وكذلك مساندة لإخوانك وأخواتك، لا تتركي هذه الصورة المظلمة حول ما وصفته بأنه معاناة شديدة فيما يتعلق بالوضع السكني، لا بد أن تكون هنالك إيجابيات، لا بد أن تكون هنالك إشراقات، ولا بد أن يكون هنالك أمل ورجاء، أيتها الفاضلة الكريمة.

إذًا كوني إيجابية والعبي هذا الدور الإيجابي تجاه والدتك بمساندتها، وبالنسبة لخالاتك طبعًا كوني متسامحة، هذا مهمٌّ جدًّا، أريدك أن تقودي وضعك الاجتماعي بصورة أفضل، والإنسان حين يقود الحياة من خلال الدور الإيجابي، وأن يكون قدوة لغيره، وأن يكون شخصًا رائعًا، مسامحًا، يُجيد التخاطب والتواصل الاجتماعي؛ لا شك أنه يستطيع أن يتواءم وأن يتواكب، ويستطيع أن يعيش حياةً طيبة.

هذا هو المنهج المطلوب، وركّزي على دراستك، هذا أمرٌ مهمٌ جدًّا، وتوزيع الوقت وترتيبه بحسب المهام والأولويات سيكون أمرًا مفيدًا جدًّا.

أنت لا تحتاجين لعلاج دوائي، ونسأل الله لك التوفيق والسداد، وبارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا.
_________
انتهت إجابة د. محمد عبد العليم...استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
وتليها إجابة د. أحمد الفرجابي...مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
_________

مرحبًا بك – بنتنا الفاضلة – في الموقع، ونسأل الله أن يرحم والدك وأمواتنا وأموات المسلمين، وأن يُلهمك السداد والرشاد، هو وليُّ ذلك والقادرُ عليه.

نحن سعدنا بهذه الاستشارة، رغم أنها تحمل الألم؛ لكنها تدلُّ على فتاة واعية تستطيع أن تقوم بأدوارها تجاه إخوتها الصغار، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يُعينك على التكيُّف والتأقلم في بيت الأسرة الكبير، واعلمي أن الخالة أُمٌّ، وإذا قصّرت الأم فإن الإنسان يحتمل منها، ولذلك أرجو أن تحتملي من الخالات ما يحدث، واجتهدي دائمًا في التخفيف عن إخوانك ووالدتك، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يُعينكم على تجاوز هذه الصعاب.

نحن على ثقة وعلى يقين أن من كتب هذه الأسطر بإمكانها أن تفعل الكثير لنفسها ولأخواتها ولوالدتها، وأيضًا ينبغي أن تعلمي أن وجود الإنسان في مكان يسكن فيه مع أقاربه وأرحامه لا بد أن يحدث ما يُزعج، ومع ذلك فإن المؤمنة التي تُخالط وتصبر خير من التي لا تُخالط ولا تصبر.

هذه التصرفات المذكورة في الاستشارة تجاهك أو تجاه إخوانك الصغار لا شك أنها مؤلمة، ولكن أرجو أن تُركّزي على ما في إخوانك من إيجابيات، وتجتهدوا في تعويضه، وتجتهدوا في تسليط الأضواء على أماكن التميز التي وهبكم الله تبارك وتعالى، فإن الإنسان إذا شعر أن طفله محروم ينبغي أن يُذكّر طفله بالنعم التي عنده، فما من طفل كبير أو صغير إلَّا وقد ميّزه الله تبارك وتعالى بأشياء، ينبغي أن يحمد الله تبارك وتعالى عليها.

كما أرجو أيضًا أن تتجاوزوا الأمور الصغيرة، ولا تركّزوا على مثل هذه الأمور، وحاولي أن تعملي برامج خاصة لإخوتك الصغار، وأيضًا افتحي على نفسك صداقات مع الصالحات، وكوني في مواطن الخير دائمًا، واحرصي أيضًا على شغل نفسك بالمفيد، وتنمية هواياتك؛ لأن هذا من الأمور المهمّة، و(إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية).

أمَّا بالنسبة للخالات وبالنسبة لأفراد الأسرة: نحن طبعًا لا نوافق على القطيعة التامّة، ولكن ينبغي أن يكون هناك احترام وسلام، والإنسان يُحدد علاقته مع الناس، الشخص الذي يأتي منه الأذى يمكن أن نجعل العلاقة معه سطحية، لكن الشرع لا يقبل أن يُقاطع الإنسان وتقاطع الفتاة أخوالها وخالاتها، وينبغي أن نحتمل من الكبار، لأن الصغير هو الذي ينبغي أن يحتمل، وليس معنى هذا أننا نؤيد ما يصدر منهم، لكن قد يصعب على الإنسان التحكم في كبار السن، وفي الكلمات التي تصدر عنهم.

هذه الكلمات بعضها سيمرُّ دون أن يُؤثر إذا لم تتوقفي عنده، فأنت أعلم بنفسك، أصلحي ما بينك وبين الله تبارك وتعالى، ونمي ما عندك من مواهب، واستعيني بالله تبارك وتعالى، وتوكلي عليه، واحرصي دائمًا – كما قلنا – على إحداث برامج لك ولإخوتك الصغار، وعاملي أبناء خالاتك أيضًا بالمعاملة التي تُرضي الله تبارك وتعالى؛ لأن الصغار لا ذنب لهم في أخطاء الكبار التي تحدث معك ومع إخوتك، وهذا سيضمن للأطفال أيضًا جواً فيه نوع من المحبة، ونوع من التآلف والتواصل.

أمَّا بالنسبة لعلاج الاكتئاب فإن شاء الله تستفيدين من إجابة دكتورنا الكريم/ الدكتور محمد عبد العليم، وأعتقد أنك أمام فرصة كبيرة لتستفيدي منه ومن إرشاداته، فهو قمة من القمم الكبار في هذا المجال، ونسأل الله تبارك وتعالى لنا ولك التوفيق والسداد، ونذكّر بأنه لا يجوز للإنسان أن يتمنّى الموت لضرٍّ نزل به، ولكن لا مانع أن يقول: (اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي)، ونحن نريدك أن تعيشي لتكوني إلى جوار إخوانك وجوار الوالدة.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يُعينك على النجاح وعلى تجاوز هذه الصعاب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً