الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مصابة بهوس نتف الشعر، فكيف يمكنني التخلص منه؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

أبلغ من العمر 30 عاماً، وأعاني من مرض هوس نتف الشعر: Trichotillomania لمدة 17 سنة، خضعت لعلاج دوائي، وعدة علاجات نفسية، لكن وجدت صعوبة كبيرة في الإقلاع عن هذه العادة؛ فأحياناً أنجح، وأحياناً أفشل، وقد دمرت شعري وأضعفته جراء تكرار النتف، وأصبحت حالة شعري تشكل لي عائقاً أمام الزواج، وضغطاً نفسياً كبيراً؛ لأنني دائماً في قلق وخوف من انكشاف الفراغات الكبيرة التي أصبحت في شعري، والتي أخفيها عن عائلتي، وأحس كذلك بانهزام أمام نفسي.

سؤالي: هل هذه العادة هي فعلاً مرض نفسي أعتبره ابتلاءً وأصبر عليه وأحاول علاجه؟ أم أنها في حد ذاتها ذنب يستوجب التوبة مثل التدخين أو إدمان المخدرات؟

فرغم أن هذه العادة مصنفة كمرض نفسي، ورغم صعوبة التخلص منها؛ إلا أنني في قرارة نفسي أعلم أن قرار النتف أو عدم النتف يعود لي؛ فأنا التي أقرر وأختار في كل مرة أن أتلذذ بشعور نتف الشعر، عوضًا عن مجاهدة نفسي والامتناع عن النتف، رغم صعوبة الأمر وقوة الدافع الذي يدفعني للنتف.

فالامتناع صعب، لكنه ممكن وليس مستحيلاً، شأنه شأن الامتناع عن الشهوات الأخرى.

الحل الوحيد الذي نجح معي ولو مؤقتاً هو مقاومة شهوة النتف، لكنه حل يصعب عليّ الالتزام به إذا مررت بضغط نفسي قوي.

جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

لا شك أن الـ(Trichotillomania)، أو ما يُعرف بـ(نتف الشعر القهري): ظاهرة نفسية، وتندرج من الناحية النفسية تحت الوساوس القهرية؛ فلذا تواصلك مع أي طبيب يجب أن يكون مع طبيبٍ نفسي، لديه معرفة وقدرة علمية وعلاجية عالية بالنسبة للوساوس القهرية.

الحالة تُعالج، ويمكن أن تُعالَج بصورة ممتازة جدًّا، لكنها فعلًا تحتاج لجهدٍ من جانبك، وكذلك من جانب المعالِج، خاصّةً أن الحالة قد استمرّت معك لسنوات، والمعالِج سوف يضع لك برنامجاً سلوكياً معروفاً، وهذا البرنامج السلوكي يقوم على التنفير، وكذلك صرف الانتباه، والتحقير والتجاهل، هذه مبادئ علاجية سلوكية معروفة، وأيضًا تُوجد أدوية، ومعظم الأدوية المضادة للوساوس القهرية تُساعد كثيرًا، لكن هذه الأدوية لديها مجموعات ودرجات، وبروتوكولات علاجية معيّنة.

فيا أختي الكريمة: أرجو أن تُراجعي طبيبًا نفسيًا مقتدرًا، والحالة بالفعل -كما ذكرتُ لك- تندرج تحت الحالات النفسية، والأمر ليس ذنبًا حقيقةً من وجهة نظري، إنما هو نوع من التصرُّف القهري، لكن طبعًا الإنسان يجب أن يتعالج؛ لأن جزءًا كبيرًا -كما تفضلت- من هذه الممارسة هو تحت إرادة الإنسان، ولا شك في ذلك.

هنالك محفزات واندفاعات تأتي للإنسان لممارسة هذا النتف، وهذه تُعالج من خلال الوسائل التي ذكرتها لك.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهت إجابة د. محمد عبدالعليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان
تليها إجابة د. أحمد الفرجابي مستشار الشؤون الأسرية والتربوية:
ـــــــــــــــــــــــــــــــ

مرحبًا بك -ابنتنا الفاضلة- وشكرًا لك على التواصل مع الموقع، وهنيئًا لك بهذه الإجابة الرائعة من الدكتور محمد، وأرجو أن تستفيدي منها، ونحب أن نؤكد لك أن لكل داءٍ دواءً، وهذه من نعم الله علينا، فقد تطورت العلوم الطبية والدراسات النفسية، وها هو الدكتور قد وضع لك قواعد العلاج الذي ينبغي أن يبدأ بالاستعانة بالله، وباللجوء إليه، والتوكل عليه سبحانه وتعالى.

واعلمي أنك مسلمة صاحبة إرادة، تركت معها في شهر الصيام طعامك وشرابك لله -تبارك وتعالى- فاستعيني بالله -تبارك وتعالى- واحرصي على بذل الأسباب، فالمؤمنة تبذل الأسباب ثم تتوكل على الكريم الوهاب، ومن الأسباب التي يبذلها الإنسان أن يذهب إلى الطبيب أو الطبيبة المختصة، ويأخذ الدواء؛ فإن المرض من قدر الله، وقدر الله يُعالج بالدعاء وبالدواء، فنسأل الله -تبارك وتعالى- أن يُعجِّل بشفائك، وأن يُلهمك السداد والرشاد.

واعلمي أنه بمجرد التوقف عن هذه الممارسة الخاطئة؛ ستجدين بعده العفو والصحة والاستقامة على ما يُرضي الله -تبارك وتعالى-، فعودي نفسك على قوة الإرادة، وتعوذي بالله من العجز والكسل؛ فإن العجز نقصٌ في التخطيط، والكسل نقص في التنفيذ، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يكتب لك السلامة والعافية.

وحافظي على الطاعات، وتقرّبي إلى رب الأرض والسماوات، واعلمي أنه يُجيب المضطر إذا دعاه سبحانه وتعالى.

وكما قلنا: الشرع يُطالبك بأن تبحثي عن العلاج لهذا المرض -والحمد لله- الطبيب أشار لك بأنواع العلاج، وتجنّبي الوحدة؛ فإن الشيطان مع الواحد، وأشغلي نفسك بالخير قبل أن يشغلك الشيطان بغيره.

نسأل الله أن يكتب لك السلامة والعافية.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً