الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تعرضت لعملية احتيال في مبلغ كبير، فهل هو ابتلاء؟

السؤال

السلام عليكم.

تم النصب علي في مبلغ ثلاثة آلاف دينار كويتي، عبر مواقع التواصل من شركة وهمية، فهل هذا ابتلاء من الله سبحانه وتعالى؟

وأقول لنفسي هذا خطئي، ومن الضيق كنت أدبر حادثًا لنفسي، أستغفر الله وأتوب إليه، فهل هذه الأشياء ابتلاء من الله بسبب خطئي؟

وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب، نشكر لك تواصلك بالموقع، ونسأل الله تعالى أن يعوضك خيرًا مما فقدت، ومن المناسب في هذا المقام أن يدعو الإنسان بدعاء المصيبة، فقد أرشدنا النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أن نقول عند وقوع المصيبة: (اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها) بعد أن نقول: (إنا لله وإنا إليه راجعون)، ومن فعل ذلك فقد أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأن الله تعالى سيعوضه خيرًا مما فقد.

وينبغي أن يكون هذا الدعاء في أول الصدمة بالمصيبة، ولكن لا بأس بأن يُقال بعد ذلك، فنرجو الله تعالى أن يُخلف عليك ويعوضك.

وأمَّا هل هو ابتلاء من الله أو لا؟
فالجواب: نعم هو ابتلاء من الله تعالى وامتحان، فالدنيا بما فيها من أحداث كلها امتحان من الله تعالى، وما يجري فيها يجري بقدر الله تعالى السابق، فقد كتب الله تعالى كل شيء قبل أن نخرج إلى هذه الدنيا، ومن ذلك المصائب التي تصيب هذا الإنسان، وهذه أعظم مواساة وتعزية للإنسان أن يتذكَّر أن هذا شيء قد قدَّره الله تعالى وقضاه، وبهذا يُخفف الله تعالى عنَّا المصيبة، فقد قال سبحانه في سورة الحديد: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلَّا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير * لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم}، فَبيَّن -سبحانه وتعالى- أن عقيدة الإيمان بقدر الله تعالى تُخفِّف المصيبة على الإنسان، فلا يأس، أي لا يحزن كثيرًا على ما وقع فيه من مصيبة، ولا يأسف على ما فاته، فإنه يعلم أن كل شيء بقضاء وقدر.

وهذا لا يعني أن الإنسان لا يأخذ بالأسباب، فالمقادير لها أسبابها، فينبغي للإنسان أن يكون حذرًا وحريصًا على ما ينفعه، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: (احرص على ما ينفعك)، ولكن إذا أراد الله تعالى شيئًا هيأ له السبب، فقد يعمى الإنسان عن التدبير الحاذق الكيس في وقت من الأوقات ليُمضي الله تعالى قدره، ولذلك قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه، قال: (كل شيء بقدر حتى العجز والكيس)، يعني: كل شيء يجري عليك أيها الإنسان حتى ما تكون فيه حاذقًا وفَطِنًا يكون بقدر الله أيضًا، وما يظهر فيه عجزك وعدم تدبيرك أيضًا هو بقدر الله تعالى.

فأرح نفسك من "لعلَّ" ومن "لو"، كما قال الشاعر:
نفذت مقادير الإلهِ وحُكْمه * فأرح فؤادك من لعلَّ ومن لو
يعني لا تقل: لو كنت فعلت كذا لكان كذا، ولكن قل: (قدّر الله وما شاء فعل) كما أرشد إلى ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

واحذر من أن يَجُرَّك الشيطان للتسخط على قدر الله تعالى، فقابل أقدار الله بالصبر، واحذر من بابٍ أولى أن يجرَّك الشيطان لأن تضر نفسك بشيءٍ أعظم من التسخط، فذلك كله من كيد الشيطان ومكره يُريدُ أن يُوقع بك الضرر، فكن مؤمنًا كامل الإيمان في حال وقوع المصيبة، فوض الأمور إلى الله بقولك: (إنا لله وإنا إليه راجعون)، وادع الله تعالى أن يأجرك على هذه المصيبة، فذلك خلف وعوض عنها؛ فإن الدار الآخرة خير من الدار الدنيا، وادع الله تعالى أن يخلف لك في هذه الدنيا خيرًا مما فقدت، فالله تعالى على كل شيء قدير.

نسأل الله تعالى بأسماء وصفاته الحسنى أن يُقدِّر لك الخير حيث كان، ويرضيك به.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً