الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل تنصحونني بالزواج اعتمادًا على نفقة والدي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب في السنة الخامسة من دراسة الطب البشري، وسأكون في درجة الامتياز بعدها -إن شاء الله-، وسيكون لي راتب صغير نوعًا ما، راتب لا يكفيني بمفردي إلا أنه يبقى راتبًا.

أفكر في الزواج على أن يساعدني والداي عليه، وقد تحدثت معهما بهذا الخصوص، وقد وجدت منهما استجابة بالفعل، لكن الحقيقة هو أني كنت قد ضغطت عليهما من قبل؛ لأني كنت أريد أن أقيم مشروعًا لكي أتربح منه، فأخبرتهما بأنه لأجل الزواج، وقد فشل هذا المشروع -للأسف-، وكنت أبني آمالًا على هذا المشروع، والحمد لله على كل حال!

وحاليًا ليس لديّ أي مشروع، فأنا ما زلت طالبًا، وكان من طبع والدي التدخل في كل أمر، وهذا طبعه حتى مع أقاربنا، فلا بد أن يقول رأيه حتى وإن لم يعنيه الأمر، هو لا يجبر أحدًا، وطبعه هذا كان من باب الرقابة الأبوية، ومثال ذلك تدخله في اختيارنا للملابس، فأنا أعرف كيف أختار، ويتفق والدي كثيرًا مع ما أختاره، لكنه ما زال يتدخل في أموري!

المشروع الذي سعيت فيه وفشل لم يكن والدي موافقًا عليه، ولكني سعيت فيه ولم آخذ رأيه.

والدي كان ملازمًا لنا منذ الصغر، فكان يوصلنا للمدرسة -جزاه الله خيرًا-.

سمعت من أحد المتخصصين أنه لا ينصح أن يتزوج الابن بنفقة من الوالد في العموم، إلا إذا كان هذا الأب يعطي الاستقلالية للابن، وكان الأب يفرق بين ما له حق في التدخل فيه، وما ليس له حق، على أن يكون الابن قوي الشخصية، فكيف أعرف إذا كنت قوي الشخصية؟

سوء الأدب ليس أصلاً في الشخصية القوية، بل هي قدرتي على تنفيذ ما أراه صوابًا مع الزوجة دون تدخل، أو تحكم من الأسرة، فما رأيكم بهذا؟ لقد كانت العائلات قديمًا ممتدة ولم تكن كما هي الآن.

سأعمل -بإذن الله- كطبيب، فأنا -ولله الحمد- مجتهد في دراستي، لكن الطب يحتاج لوقت طويل -للأسف-!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلًا بك -أخي دكتور أحمد- في موقعك إسلام ويب، وإنه ليسرنا تواصلك معنا في أي وقت، ونسأل الله أن يبارك فيك وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يجري الشفاء على يديك، وأن ينتفع بك الناس، إنه جواد كريم.

أولًا: الزواج من مال الأب جائز شرعًا ولا حرج عليك، أما اختلاف الفقهاء فكان في وجوب ذلك، وليس على جوازه، فالجمهور على أن الآباء غير ملزمين شرعًا بتزويج أبنائهم، قال النووي في روضة الطالبين: لا يلزم الأب إعفاف الابن. وأما الحنابلة فيذهبون إلى وجوب ذلك على الآباء، إذا كانت نفقة الولد واجبة عليه، قال في الإنصاف: يجب على الرجل إعفاف من وجبت نفقته عليه، من الآباء، والأجداد، والأبناء، وغيرهم ممن تجب عليه نفقتهم، وهذا الصحيح من المذهب، وهو من مفردات المذهب.

وبناء عليه: فالخلاف الحاصل هو في الوجوب وليس في الجواز، لذا لا حرج على الابن في الزواج من مال والده.

ثانيًا: طبيعة أي أب في الحياة النصح لولده، وهذا يلزم منه تدخله أحيانًا في شؤون الأبناء، وهذا من حيث الأصل متفهمة ومقبولة، لكنها إن زادت أضرت، كما أنها إن قلت أضرت.

ثالثًا: الناس -أخي- تتفاوت، فهناك من الآباء من يتفهم طبيعة الحياة الأسرية، وأن التدخل فيها ينبغي أن يكون بحذر شديد، وهناك من يحاول نصح ولده، فيتدخل أحيانًا في حياته، والأمر يزيد وينقص ويختلف من أب إلى آخر، وفي كل الأحوال سواء ساعد الأب ابنه في الزواج، أم لم يساعده، فهو مطالب بالتعامل معه وبره على كل أحواله.

رابعًا: مسألة الشخصية القوية لها فلسفة عندنا في الشريعة، علماء النفس يعرفونها بمجموعة المبادئ والتفكير والاعتقاد، واتخاذ القرارات بحسم أو حزم، وعندنا أن الشخصية تختلف باختلاف الموقف والحدث والأشخاص، فلا تهاون في الحق، والحسم فيه قاطع، وعند الغضب الشديد صاحب الشخصية القوية هو من يملك نفسه عن التهور، وعند الوالدين صاحب الشخصية القوية من يكون بين يديهما ذليلًا، كما عبر القرآن (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة)، ومع الزوجة: صاحب الشخصية القوية من يحسن التغافل في وقته، والنقاش في وقته، والشدة في وقتها، وهو ما نسميه بالحكمة.

وفقًا لذلك -أخي الكريم-: فأنت مطالب ببر والدك -وإن تدخل في حياتك-، واحتواء زوجتك وعدم ظلمها، وهي شعرة تحتاج إلى حكمة وموازنة.

أخي الكريم: نحن ننصحك بما يلي:

1- التقرب من والدك أكثر، واعلم أنه بحكم الأبوة سيفهم ما يزعجك وما تحبه من دون أن تصرح.
2- إذا وجدت المرأة الصالحة المتدينة، وعرض والدك عليك المساعدة، فننصحك بالقبول.
3- لا تنقل لأهلك -وخاصة الوالد- ما يحدث بينك وبين زوجتك من مشاكل، على أن تستعيض عن ذلك بسؤال أحد تثق في حكمته ودينه، ورجاحة عقله.
4- لا تقدم على أمر ما إلا بعد استشارة واستخارة؛ فإن هذا أدعى إلى التوفيق.

هذا، وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً