الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لم أوفق وفاتتني بعض المصالح..فهل السبب ذنوبي التي تبت منها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شخص أعاني من الندم على إضاعة فرصة دراسة مريحة، وكان فيها تعيين مباشر لي، لكني انسحبت منها عمدًا، لماذا؟ لا أعلم! هذا الأمر قبل 5 سنوات، وإلى الآن أنا نادم عليها، وعاطل يوميًا، وأقول لنفسي: لو ذهبت لكان عندي وظيفة الآن، أريد أن أرتاح من هذا الشعور.

علمًا أني أعاني من عدم التوفيق في حياتي بجميع الجوانب، وأضعت غيرها من الفرص، وإلى اليوم وأنا أفتقد شغفي بالحياة والدراسة، رغم طموحاتي، فأنا أدرس لكني لا أستطيع؛ بسبب حالتي النفسية.

لدي شيء يقلقني، ومن الممكن أن الله منع عني التوفيق بسببه، قبل خمس سنوات اقترفت ذنبًا كبيرًا في 2019 - 2020، وهو اللواط، والعادة السرية، ومشاهدة الإباحية، وتبت من ذلك بدون فعل العبادات، فقط تركت هذا الفعل، ومنذ ذلك الحين وأنا أشعر بالفشل وعدم التوفيق والندم.

سؤالي: هل الله لم يغفر ذنبي؟ وهل هذا السبب في عدم التوفيق بالحياة؟ وماذا أفعل ليغفر الله لي؟ وهل يمكن أن يغفر لي الله وأرجع إلى حياتي الطبيعية؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ وسام حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أخانا الحبيب- في استشارات إسلام ويب.

نسأل الله تعالى أن يكتب لك الخير، ويقدره لك حيث كان، ويرضيك به.

ونحن أولًا: نهنئك بما تفضل الله به عليك من التوفيق للتوبة من هذه الذنوب والآثام، ونبشرك بأن الله سبحانه وتعالى يقبل توبة التائبين مهما عظمت الذنوب وتكاثرت، فقد أخبر عن نفسه -سبحانه وتعالى- في كتابه، فقال: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون}، وقال سبحانه: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم}.

فمهما عظمت الذنوب، فإن التوبة تمحوها، وقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له"، فنوصيك بأن تحسن ظنك بالله، وتكثر من شكره وحمده على توفيقه لك بأن تتوب قبل الموت، وهذا فضل عظيم من الله جل شأنه، ومن شكر هذه النعمة: أن تثبت على الطاعة، وتؤدي فرائض الله عليك، وتجتنب المحرمات، وأبشر بخير الله تعالى ورزقه.

واعلم أن الله تعالى أرحم بك من نفسك، وهو أعلم بمصالحك، فربما تحرص أنت على شيء ويعلم الله تعالى أن الخير لك في غيره، فيصرفه عنك، فترى نفسك محرومًا، متألمًا، والحقيقة أن الله تعالى أراد بك الخير، كن مطمئنًا إلى حسن تدبير الله تعالى وعدله ورحمته، وقد أخبرنا الله تعالى عن طبيعة هذا الإنسان، فقال: {وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شرٌ لكم والله يعلم أنتم لا تعلمون}، فكن مطمئنًا واثقًا بحسن تدبير الله تعالى لأمورك.

وعليك أن تحاسب نفسك فقط على فعل الفرائض كمثل الصلاة التي كلفك الله بها، واجتناب المحرمات، وحينما تخطئ وتزل قدمك فبادر وسارع إلى التوبة، وقد أصبت -أيها الحبيب- حين أدركت أن الذنوب قد تكون سببًا للحرمان من الأرزاق، وهذه حقيقة أخبرنا عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه"، ولكن حتى هذا الحرمان حين يقدره الله تعالى على الإنسان، إنما هو رسالة تأديب ليرده إلى الحق، ويجنبه بذلك الآلام والأخطار المترتبة على هذه الذنوب، فالأمر إذًا كله خير لهذا الإنسان.

وأما ما ذكرت من فوات بعض المصالح التي تتألم اليوم عن فواتها، وتندم لماذا فاتتك؟ فنقول: اعمل بوصية النبي -صلى الله عليه وسلم- التي قال فيها: "إن أصابك شيء، فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله ما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان"، فهذا الحديث يخبرنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن كل شيء بقضاء الله وقدره، وهذا القدر قد كُتب قبل أن نخرج إلى هذه الدنيا، قد علم الله تعالى ما الذي سيقع، وكتب ذلك العلم في اللوح المحفوظ، فكل شيءٍ قد فرغ منه، فلا تندم على شيء قدّره الله تعالى.

ولهذا قال الله في كتابه الكريم: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير، لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم}، فهذا فيه تعزية لكل إنسان أصابته مصيبة أن هذا كان بقضاء الله وقدره السابق، ولا يمكن للإنسان أن يغير ذلك القدر، إنما يهيئ الله تعالى الأسباب لوقوع القدر، فلا تكثر من الأسف والندم على شيء ليس بإمكانك أن تغيره.

ومع هذا نقول -أيها الحبيب-: إن هذا القدر، وإن كان مكروهًا لك، قد جعل الله تعالى فيه خيرًا كثيرًا، ومن آثار هذا الخير أن الله تعالى جعله سببًا للندامة لديك، ومحاسبة نفسك، والرجوع إلى الله، وهذا خير كثير، وهو أعظم نفعًا، وأكثر فائدة من حصولك على ذلك المطلوب، فأكثر من شكر الله تعالى على حسن تدبيره لك، وتيسيره لأمورك، وخذ بالأسباب لكل شيء نافع يفيدك، وكن متوكلًا على الله محسنًا الظن به، وسيرزقك الله تعالى الرضا والطمأنينة النفسية، وهذا أهم ما ينبغي للإنسان أن يحرص على تحصيله، فهو السعادة الحقيقية.

نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً