السلام عليكم

مشكلتي هي أني أشعر بأني شخصين، فأنا أتعاطف جداً مع الموقف الفلاني وأنا وحدي، وتسيل دموعي، ولكن لا أشعر بذات التأثر لنفس الموقف بوجود أي شخص قربي، بل قد أبتسم لخبر يبكي أي شخص آخر، أما عندما أكون وحدي فإن أي شيء بسيط يمكنه أن يبكيني، حتى المشاهد التلفزيونية التي قد يتأثر لها أي شخص قليلاً، أجدها تبكيني وتؤلمني كثيراً.

أشعر بأني أخجل من إظهار مشاعري الحقيقية أمام الآخرين، فأخجل من أن أحزن أو أبكي، مع أن الأمر لا يحتاج للخجل أبداً، وهذا جعلهم يرونني قاسية القلب، ولا يهمني شيء، والذي يزعجني أيضاً هو أني فعلاً لا أتألم للمواقف عند وجود الآخرين، بل أتقبلها (أي أني لا أتألم وأخفي ألمي بابتسامة، بل لا أتأثر أصلاً).

أيضاً أخجل كثيراً من مدح شخص ما، أو إخباره بإعجابي بأي شيء يتعلق به، ولا اخجل فقط بل أتضايق من إخباره بهذه الأشياء، كما أني أشعر بانعدام ثقتي بنفسي بشكل كبير، فلا أثق بأن تصرفي صحيح إلا إذا أخبرني شخص ما بذلك، كما أني يمكن أن أغير رأيي بسهولة بمجرد أن يخبرني أحدهم أني مخطئة، حتى لو كابرت وبقيت متمسكة بموقفي، إلا أني سرعان ما أشك في رأيي، وأوجد نقاط ضعف فيه، أي أني لا إراديا أرى كل ما يقوله الآخرون صحيحاً، فأنا بحاجة إلى من يقول لي هذا صح لأتمكن من المضي فيه بثقة.

لدي رأيان دائماً، فأنا أستطيع أن أقنعك بأحد الرأيين، وبذات الوقت يمكنني إقناعك بالرأي المعاكس؛ لذلك لا أتمكن من الاختيار.

وأنا عصبية جدا، وأحب الكتابة كثيراً، فأنا أكتب كل ما أريد أن أقوله للآخرين، ولا أتمكن من ذلك في الواقع، فأتخيلهم أمامي، وأبدأ بكتابة ما أريد قوله لهم.

أيضاً أنا دائمة الكلام، حتى أني في البيت دائماً أحدث الناس في خيالي، أقول مثلاً: سأقول كذا وكذا لفلان، حتى أندمج كثيراً، فأنسى أنه غير موجود الآن، ولو أتينا للواقع فلن أستطيع أن أقول كلمة واحدة، ولن أجد نفس الثقة التي كنت أحدثه بها في خيالي.

آسفة جداً للإطالة وأرجو أن تردوا علي سريعاً.

شكراً.

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رولا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فبالتأكيد مما ورد في رسالتك أنت تعانين من نوع من الازدواجية في المشاعر، وهذه الازدواجية بالتأكيد هي دليل على علة في الشخصية، لا أريد استعمال كلمة (اضطرابات في الشخصية)، ولكنها بالتأكيد الكلمة التي ترد كثيراً في المعاجم الطبية النفسية الخاصة بالتشخيص.

هذه السمات التي ذكرت في رسالتك تشير أن شخصيتك تحمل سمات افتقاد التواؤم، افتقاد التكيف مع الذات، كما أن أبعاد الشخصية غير ملتقية؛ مما يؤدي إلى هذه الازدواجية؛ لأن التقاء أبعاد الشخصية واندماجها وتواؤمها يعتبر أمراً ضرورياً جدّاً للتفكير الواحد المترادف والمتطابق، والتفاعل مع الأحداث حسب ما يتطلبه الموقف، وكذلك إبداء المشاعر.

أنت أيضاً لديك شيء من العصبية والإسراف في أحلام اليقظة، والتفكير المرتبط بالخيال المتدفق أكثر من اللزوم.

كل هذه السمات تشير أن الشخصية فيها شيء مما يعرف بسمات الشخصية الحدِّية، وكذلك بعض سمات الشخصية القلقة، وأيضاً لا أقول سمات الشخصية الهستيريا، ولكن قطعاً هنالك شيء من السمات الوجدانية التي لم تبلغ مرحلة النضوج أيضاً.

عموماً: أرجو أن تتفهمي أن علتك هي ظاهرة وليست مرضاً، ولابد أن أكون صادقاً معك جدّاً أن الشخصية في مراحل التطور، خاصة مثل مرحلتك هذه تعتبر أمراً ضرورياً ومهماً جدّاً أن تتطبع الشخصية وتكون أكثر تواؤماً.

أنت على وعي كامل بالعلل الموجودة في شخصيتك، وعلى ضوء ذلك – في رأيي – أنتِ محتاجة للجلوس مع معالج نفسي، وأن تجرى لك عدة جلسات نفسية متواصلة يستطيع من خلالها المعالج أن يستكشف جوانب القوة، وجوانب الضعف في شخصيتك، والجلسات النفسية هذه تؤدي إلى نوع من الارتباط العلاجي بالمعالج، ويكون هنا الجانب الإرشادي أكثر فعالية وتأثيراً، خاصة إذا قام نوع من الحلف العلاجي الصحيح إذا جاز التعبير.

في الوقت الحاضر الذي أود أن أقوله لك هو: حاولي أن تتخذي الآخرين قدوة، الذين ترينهم متوازني المشاعر، وإبداء الرأي، أرجو أن تكوني أكثر قربة لهم وتتمثلي بأفكارهم وتصرفاتهم، لا أقول بأن تذوب شخصيتك في شخصياتهم، هذا لا يمكن أن يحدث، ولكن الأخذ ما هو إيجابي من شخصيتهم، والتعلم والتطبع على هذا النمط يعتبر شيئاً جيدا.

هذا يسمى في علم النفس السلوكي (المودلنج Modelling) أي أن يتخذ الإنسان قدوة أو نمطا يمشي عليه، وهذا يساعد كثيراً في هذه العلل الموجودة في الشخصية.

الشيء الآخر هو أن تحددي أهدافك في الحياة وتشغلي نفسك بها.

الشيء الثالث هو: ألا تلاحظي كل ما يأتيك من فكرة أو مشاعر متضاربة، حاولي أن تتجاهلي -بقدر المستطاع- ويعرف أن العلاج بالتجاهل من العلوم النفسية الممتازة والراقية والفعالة جدّاً.

بالطبع سوف تستفيدين كثيراً إذا انضممت إلى أي مجموعات خيرية أو دعوية، سوف تكسب شخصيتك مهارات أخرى، وتجعلك تفجري طاقاتك النفسية في الاتجاهات المفيدة والجيدة والإيجابية.

أسأل الله لك التوفيق والسداد.

وبالله التوفيق.