الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أرفض الزواج عناداً لأمي!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في البداية أشكركم على هذا الموقع الرائع، وأشكر كذلك كل من يحاول مساعدتي في حل مشكلتي هذه.

أنا فتاةٌ أبلغ من العمر (22) سنة، مشكلتي هي أنني فتاة عنيدة ولا تحب التغيير، وكلما حاولت أن أغير ما في داخلي أجد صعوبة بالغة، قد تتساءل: ما هو الذين تودين تغييره؟

لقد تقدم لي الكثير من الشباب الصالحين، وكلما يأتيني أحد منهم أرفضه وبدون تفكير، أنا لا أرفضه لأنني لا أود الزواج، ولكن أرفضه عناداً لأمي.

أمي أحبها وأعرف تماماً بأنها تحبني، لكنني أحملها مسئولية عدم زواجي.

إنني أكره الزواج لأن فيه أموراً أكرهها، فمنذ أن كان عمري (17) سنة وأمي تمنعني من الجلوس مع النساء، مع أن عمري لا يستدعي ذلك، وفي مرحلة بلوغي لم تقل لي شيئاً عن تلك المرحلة، وأنا كنت في أمس الحاجة إليها، فأمي كل شيء عندها عيب، أشياء كثيرة أجهلها وتعرف أنني أجهلها ولا تعلمني.

إنني أحب أمي لكن فكرة الزواج تجعلني أحقد عليها، ومن ثم أرفض الفكرة تماماً، إنني أشعر بندم كبير عندما أرفض، لكن لا أستطيع القبول، أجد صعوبة كبيرة في ذلك.

مشكلة ثانية: وهي أنني أشعر بالذنب تجاه ما أفعله، وأشعر بأنني سأدخل النار بسبب عدم زواجي؛ لأنني في الحقيقة أود الزواج، ولكن لا أريد أن أرى أمي سعيدة بزواجي.

إنني أدمر حياتي بنفسي، لكن ما هو الحل لمشكلتي؟

قد تكون مشكلتي تافهة بالنسبة لكم، لكنها كبيرة بالنسبة لي.

هذه مشكلتي باختصار شديد. جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الابنة الفاضلة / بنت الخليج حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك (استشارات الشبكة الإسلامية)، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك في موقعك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله جل وعلا أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يوفقك لخير الدنيا والآخرة، وأن يصرف عنك هذا العناد الذي يضرك في دينك ودنياك.

وبخصوص ما ورد برسالتك: فإني لأعجب حقاً من قصتك؛ حيث جرت العادة أن يعاند الإنسان غيره ليلحق الضرر به ويسبب له بعض الأذى والعنت، أما أن يكون الإنسان عدواً لنفسه يحاربها بشراسة، ويحرص على إلحاق الضرر بها؛ فهذا من أغرب الغرائب حقاً، بل ومن أعجب ما قرأت.

وأحب أن أقول لك أولاً وقبل كل شيء: إذا لم تساعدي نفسك بنفسك فلم ولن يساعدك أحد، فأنت أولى أن تساعدي نفسك، وإذا لم يكن فيك خير لنفسك فلن يكون لأي أحد فيك خير، والإنسان قد يعادي الدنيا كلها، أما أن يعادي نفسه فهذا نوع من الجنون والتخلف، وأنت في نفس الوقت لديك القدرة على اتخاذ القرار المناسب والشجاع الذي يغير حياتك فوراً، فابدئي وبكل شجاعة في التخلص من هذا الموقف المؤسف الذي لن يحمل نتيجته إلا أنت، وتوكلي على الله، وسليه العون والتأييد والقوة على اتخاذ قرار الرجوع عن موقفك الذي يتعارض مع الشرع والعقل والمنطق، وأهم شيء ألا تترددي، ولا يضحك عليك الشيطان؛ لأنه هو الوحيد المستفيد من موقفك هذا، هذه هي أول وأهم خطوة، وأنتِ قادرة عليها؛ لأن أقل الناس بمقدوره أن يتخذ هذا القرار، والدليل على ذلك اتخاذك لقرار الكتابة إلينا، وشجاعتك على عرض مشكلتك وبحثك عن الحل؛ لأنك تلمسين المشكلة وتشعرين بأنك غير طبيعية، فهذه خطوة شجاعة تستحق التقدير والثناء، فلا تستسلمي للشيطان الذي يزين لك ما أنت فيه بحجة أنك تريدين عقاب أمك، وهذه هي المعصية الثانية.

واسمحي لي أن أسألك سؤالاً: هل تطفئ النار النار؟ وهل تصلح السيئة بالسيئة؟ بالطبع ستقولين: لا، وللأسف هذا هو ما تفعلينه تماماً، لنفترض أن أمك قد أخطأت -وهذا وارد- فهل تعالجين الخطأ بخطأ أشد منه؟ هل هذا معقول؟ وهل هذا سيحل المشكلة؟ للأسف أنت زدت المشكلة تعقيداً، وأنت الخاسرة الوحيدة في هذه المعركة، أين عقلك، وأين إيمانك، وأين قوة شخصيتك، وأين ثقتك بالله؟! في الواقع ومع الأسف الشديد لقد تصرفتِ تصرفات غير معقولة تماماً في حق نفسك، وآن لك ومن الآن أن تبدئي فوراً بالعلاج وإصلاح ما مر، واتخذي الخطوة الشجاعة والجريئة، وأعطي لنفسك الفرصة بدون تردد في دراسة أحوال وظروف أي شاب يتقدم إليك، فإن وجدت فيه ما يستحق به أن يكون زوجاً مناسباً لك من حيث الخلق والدين والقدرة على قيادة الأسرة فوافقي بلا تردد، ولا تدعي الفرصة تضيع منك مرةً أخرى، توكلي على الله، واكسري هذا الجدار الوهمي والحاجز النفسي المرضي الذي وضعك الشيطان فيه، وأقبلي على أمك، وحاولي مد الجسور معها حتى وإن أساءت إليك، وإن كنتِ لم تشيري في رسالتك إلى شيء من هذا، سليها الدعاء لك بالتوفيق، واعلمي أن دعاء الوالدين لا يرد، فاطلبي منهم الدعاء بالتوفيق والهداية والسعادة في الدارين.

وأكرر: أنت قادرة على اتخاذ القرار والصواب، فلا ترددي بعد قراءة هذه الكلمات مباشرة، اجلسي مع نفسك واسأليها: ما رأيها فيما أنت فيه؟ وما الفائدة التي عادت عليك من هذا العناد وتلك الحرب الشعواء على نفسك؟ وهل آن الأوان للتخلي عن هذا الموقف الخاطئ والعودة إلى العقل والمنطق الذي فيه مصلحة نفسك وسعادتها وسعادة من حولك؟

توكلي على الله، واستعيني بالله، وخذي القرار فوراً ولا تترددي، وسلي والديك الدعاء، وأنا متأكد من أن الله سوف يعينك، وستخرجين من هذه المحنة في أقرب وقت إن شاء الله.

مع تمنياتنا لك بالتوفيق والسداد والهداية والرشاد، وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً