الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الإحساس بالفشل والوحدة .. نظرة تربوية

السؤال

مؤخراً بدأت أفكر في الانتحار كثيراً، لقد تحولت إلى فاشل في دراستي، أحس أنني منبوذ من كل الناس، أهلي لا يساندونني معنوياً، ويستهزئون بأحلامي، وأحس بذلك في تصرفاتهم، وهم لا يكثرثون لمشاعري أو مواهبي، كل الذي يهمهم أن أتخرج من كلية الهندسة، والأشخاص الذين من المفروض أنهم كانوا أصدقائي ابتعدوا عني من دون سبب، والفتاة التي أحبها والتي كنت أفكر بالارتباط بها لا تبادلني نفس المشاعر، لقد بدأت بالإحساس بأنه ليس لدي قيمة في هذا الكون.

أرجو المساعدة، لأنني علي شفير الانهيار.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ س ع ر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنشكرك على تواصلك مع موقع إسلام ويب، كما نشكرك على طرح مشكلتك بين يدي إخوانك الذين لا يألون جهداً في مساعدتك والوقوف بجانبك، وثق تماماً بأننا سنكون لك يداً حانية وأذناً صاغية، نستمع لهمومك، ونشد من عضدك في مثل هذه الأزمات النفسية الخانقة.

نحن على يقين بأنك لست فاشلاً! بدليل أنك مازلت تواصل دراستك وفي كلية مهمة (كلية الهندسة) التي تتطلب مهارات غير عادية، وهذا يؤكد لنا بأنك رجل متميز، ولديك قدرات أفضل من أناس آخرين، الفشل الحقيقي هو اعتقاد الفشل، أما على أرض الواقع فأنت رجل ناجح، وهذه الحالة التي أنت فيها الآن ما هي إلا سحابة صيف عن قريب تنقشع، ونعود لنؤكد لك مجدداً بأنك لست فاشلاً، وأن حالتك بسيطة جدّاً، تحتاج لشيء يسير من الجد والعزم الممزوج بروح التفاؤل والإيجابية، وإليك هذه الخطوات البسيطة للعلاج:

أولاً: عليك باستدعاء خارطة حياتك واهتماماتك، والطرق على البدهيات الوجودية: من أنا؟ لماذا خلقت ووجدت في هذا الكون؟ إلى أين المصير؟ وقف مع هذه الأسئلة واحداً واحداً:

- من أنا؟ أنا إنسان مكرم فضلني الله على كثير من مخلوقاته وعباده، بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى.

- لماذا خلقت؟ خلقت لأتعرف على خالقي ومولاي مؤدياً شكره على نعمة الوجود، باتباع أمره واجتناب نواهيه.

- إلى أين المصير؟ إلى دار السعادة الدائمة والمتعة الحقيقية، لأني قمت بواجبي تجاه ربي، وأديت ما علي من حقوق.

هذه أسئلة بسيطة وبدهية، ربما تجد إجاباتها عند العامل البسيط في الشارع، كالخباز وصاحب الخضار، وهذه من عظمة وإعجاز هذا الدين العظيم، الذي جاء بالسعادة الحقيقية والحياة الطيبة لكل أصناف البشر الذين يتبعونه ويقتدون بتعاليمه، فكيف بطالب كلية الهندسة مثلك الذي يدرك من المعاني العظيمة ما لا يدركه هؤلاء؟

وإذا كانت أجزاء الحياة تؤخذ بالنسبة والتناسب، فما هي نسبة الدين (أو الحياة الطيبة) في حياتك؟ ما نسبة علاقاتك الاجتماعية؟ ما نسبة علاقاتك الدراسية والأكاديمية؟ ما نسبة علاقتك الذاتية مع نفسك؟ كل هذه التساؤلات تفرض عليك إعادة توزيع النسب بشكل عادل لتكتشف في نهاية المطاف بأنك ظلمت بعض الجهات، وأعطيت نصيبها لجهات أخرى، فعلاقتك ببعض أصدقائك - وكذا بالفتاة التي كنت تحبها - لا ينبغي أن تأخذ أكثر من خمسة بالمائة من مجمل اهتماماتك الأخرى، أما أن تجعل النسبة الباقية خمسة وتسعين بالمائة لبعض أصدقائك أو الفتاة التي أحببتها، فهذا ظلم لنفسك منك، فأنت خصم نفسك وأنت القاضي عليها، كما أنك أنت القادر على تعديل هذا الحكم وتصحيح هذه النسبة إن أردت.

أنت تطلب المساعدة ونحن نقدمها لك، ولكن قبل ذلك أطلب المساعدة الحقيقية من مولاك، من ربك الذي بيده مقاليد السموات والأرض، الذي بيده السعادة والشقاوة، التجئ إليه، تضرع بين يديه، توضأ وصل ركعتين تنوي فيهما التوبة والرجوع إلى الله تعالى، وتنوي بهما قضاء الحاجة، وتسأل الله تعالى أن يصلح قلبك وحالك.

كل المرض الذي نزل بك يمكن أن نرجعه إلى مسمى (الحب) نحن لا نعني به مجرد العلاقة الخاصة بين حبيب وحبيبته! وإنما نعني به ما هو أوسع من ذلك، حبك لنفسك وذاتك، حبك لأهلك وأسرتك، حبك لجامعتك وبيئتك، وقبل كل ذلك حبك لربك، وهذا الحب الأخير – حبك لربك – لو تم ضبطه بصورة صحيحة لانضبطت معه سائر علاقات الحب الأخرى؛ لأنه كما أسلفنا أن بعض العلاقات يحصل فيها شيء من الظلم، فنسبة حبك لربك مثلاً يذهب جزء منها لصديقك، فلو تركك هذا الصديق فجأة ربما ضاقت عليك الدنيا بما رحبت وفكرت بما فكرت به الآن من الانتحار.

نرجو أن تكون حدود العلاقات قد اتضحت بما ذكرنا، ولا يفوتنا أن نذكرك بأن حياتك أمانة ووديعة، ولا يجوز لك أن تزهقها أو تتخلص منها، لذلك كان المنتحر معاقباً بالنار لأنه تصرف في ملك الغير، ولا ننسى أن نهمس في أذنك بأن تجعل علاقتك مع الفتاة التي أحببتها خلف ظهرك، إلا إذا أردت الزواج بها وتقدمت لذلك؛ لأن الأصل أن علاقة الحب تكون بعد الزواج وليس قبله، كما هو السائد في ثقافة المسلسلات التلفزيونية، فالبيوت تؤتى من أبوابها، فابحث عن الفتاة المناسبة التي تتوافر فيها الصفات المطلوبة من الخلق والدين والجمال الذي يكفيك، ثم توكل على الله بالزواج، وستجد أن لحياتك طعماً آخر ولوناً آخر بعدها.

ولا ننسى أن نهمس في أذنك: بأن الآخرين لن يصنعوا أهدافك ومجدك، بل أنت الذي تصنعها، فلا تكترث بمبالاة الآخرين أو حتى سخريتهم، فأنت رجل ناجح وعندك طاقات وكفاءات، ولكن أعرف كيف تستثمرها بنجاح.

نسأل الله تعالى أن يربط على قلبك، وأن يحصن فرجك، وأن يشرح صدرك للخير والإيمان.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً