الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أجمع بين تزوجي وبري بأبوي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أسأل الله أن ينير دروبنا، وأن يرفع من قدركم وهمتكم، فنحن في حاجة ماسة لمن يسمع ويفقه، ويجيب على إشكالاتنا، فلكم نداء الحب ونداء الأخوة ونداء البذل، لا حرمتم أجر تثبيتي وإعانتي على الهدى والعفاف.

الاستشارة بالتفصيل موجز هي:
أنا شاب جامعي عمري 26 سنة، أدرس بكلية طب أسنان في آخر سنة، وكذلك منتسب في كلية الإعلام بالمستوى الثالث، ومن أسرة مقتدرة مادياً، وصغيرة لا يتجاوز أفرادها (6)، وأنا الابن الوحيد، ولي 3 أخوات.

أرغب بالخطبة من امرأة، صفاتها كالتالي:(متدينة -مثقفة ومتعلمة-صاحبة مناشط دعوية وتحافيظ- جميلة - محفزة وصبورة)، لكني الآن تعثرت في هذا القرار بسبب مشاكل عدة:-

أولها، زواج والدي من الزوجة الثانية دون علم والدتي، حتى هذه اللحظة، وانشغاله بالعمل، وللأسف، وميله لعدم العدل بيننا، وإهماله للبيت، رغم علمي بحسن نواياه وحبه لنا.

التفكك الأسري جديد على حياتنا في هذه السنة، مما جعل عندي تشتتاً ذهنياً لم أكن أشعر به من ذي قبل في الإقدام على الخطبة.

ثانياً- تخوف الوالدة من أمر زواجي في كونه سيبعدني عنها، رغم عدم إفصاحها عن ذلك، بل حتى اتفاقها مع أختي الكبرى المتزوجة، على أنهم لن يختاروا لي إلا بنتا عادية في الجمال، والقدرات، لكي لا تتسلط.

كذلك أم البنت يجب أن تكون مسكينة، لا تملك قراراً ولا تأثيراً علي حال زواجي، وهذا يجعلني أرتاب نحو اختيارهم للخطيبة، رغم ثقتي الكبيرة بهم.

ثالثاً- حتى الآن لم أقنع أهلي، ووالدي إلا بموضوع الخطبة، أما عقد القرآن والزواج فهم يعارضون ذلك، لكوني لم أتخرج من كلية الطب، وهنا أشعر بأنَّ الخطبة لن تهدئ من روعي عقلياً، ولا عاطفياً، ولا نفسياً، إنما محاولة علاجية للحفاظ على ديني وإكمال ما بقي من دراستي، دون الانجرار وراء الشهوات أو إفساد ما بنيته في نفسي خلال سنوات لأثر وعظم المعصية.

خطتي حالياً أنَّ يكون الزواج بعد سنتين للإعداد المادي، والإعداد التثقيفي للزواج، فكيف العمل؟! وبماذا أبدأ الخطة؟

رابعاً- كنت في بداية دراستي قد تعثرت عن إكمال الدراسة بسبب مرض يسير ألمَّ بي، فكنت أعاني تعباً يسيراً، ولولا الله ثم رجال أعانوني على الصبر لما وصلت إلى هذا التميز، والتشافي تقريباً، فلله الحمد والمنة.

حالياً أقرأ على نفسي، وأتحصن مع بعض ما يلمُّ بي من الخمول، وسخونة الأطراف، والتعرق، بل آلام البطن من فترة إلى أخرى، وصداع حال الرقية الشرعية.

أخشى أن يؤثر ذلك على حياتي، ما بعد الزواج، رغم تفاؤلي بأن هذا عارض، وقد زال وبقي أثر بسيط، والله قادر على كل شيء، فما توجيهكم لي؟

خامساً- ما العمل؟ فوالدي عليه أعباء مادية لبيتين، وكذلك نفقة دراستي ومصاريفي، ولن يستطيع تزويجي وتحمل أعباء مادية أخرى، وللأسف والدي لا يفكر إلا في حيز ظروفه، حتى إنه يحاول أن يقنعني بأن أطبق سنة الامتياز(التطبيق بالعيادة)، في مدينة والدتي حتى أحمل عنه هماً ويرتاح هو فقط!

رغم تعارض ذلك مع خطتي، وبعض ما أهدف لتحقيقه في بلد الدراسة، كالدورات والعمل التطوعي والجانب الإعلامي.

هل هذا التفكير وللأسف منطقي، ومنطلق من (كلكم راعي وكلكم مسؤول عن رعيته)؟ وهل يريح من تصارعه الشهوة؟ رغم التزامي وعهدي على الثبات، وتقديم الخير للمجتمع.

سادساً- وربي العظيم لولا حاجتي وثقتي بكم لما طرقت هذه الاستشارة، لعلمي وإيماني بأنكم ستخطون لي خارطة طريق عملية، بعيدة عن التنظير، تشبعني وترسم لي، المطلوب من مستشاري الفاضل.

ما كيفية التعامل مع والدتي المعلقة، ووالدي المنهمك في التشبب، رغم قربه من 58 عاماً -حفظه الله لنا من كل سوء- ودوري في البيت، والقيام بشؤون إخوتي دعوياً ونفسياً واجتماعياً؟
وما كيفية التعامل مع أمر وملف زواجي، الذي سيهدئ من روعي ويحفزني للعطاء، ويسكن شتاتي الذهني والجنسي، والذي حالياً أعده أهم من دراستي وأنشطتي؟

كيف أستمر في دراستي، وعطائي؟ رغم هذا التفكك الذي يتعبني كثيراً، وبدء في التداخل مع همتي في الدراسة.

تعرض علي فتيات للزواج منهن عن طريق إخوة صالحين، لكني عزمت على عدم الجزم بالخطبة إلا بعد الاستشارة والاستخارة، فكيف أختار بأدوات عملية زوجة صالحة، ومحفزة ومتعلمة وفق ظروفي الأسرية، (تفكك أسري)، وكذلك ظروفي الاقتصادية (طالب)..

شكرا لكم ولن أنسى فضلكم ما حييت.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سعيد العمودي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

نشكرك على رسالتك، والتي أعجبتني جدًّا من ناحية المنهجية، وكذلك المحتوى.

من الناحية التشخصية النفسية، لا أرى أنك تعاني من علل رئيسية، وكل ما طرحته فيه الكثير من المنطق، لكن أعتقد أنك تعاني أيضًا مما نسميه بالقلق التوقعي الافتراضي الوسواسي، وهو أن الإنسان تكون لديه مخاوف فيها شيء من التبرير، وفيها شيء من المنطق، لكن التفكير القلقي يدفع صاحبه إلى دخول في تفاصيل تقوده إلى شيء من الوساوس، والمنهج التشاؤمي.

هذا هو الذي استخلصته من رسالتك، وأؤكد لك أنها رسالة متقنة، وأن فكرك فكرًا صائب، لكن بشيء من التعديل فيما يخص الفكر الاندفاعي القلقي الوسواسي، سوف تصير الأمور على خير وبركة، إن شاء الله تعالى.

أولاً أخي الكريم: أنا لا أتفق معك مطلقًا في وصفك، ونعتك لأسرتك، بأنها أسرة مفككة، لم ألمس هذا أبدًا.

الأسر المشرطة والأسر المفككة لها شروطها، وهنالك معايير معينة، أنا حقيقة على العكس تمامًا أرى أن أسرتك أسرة فاعلة، أسرة جيدة أسرة مصانة.

أما الأشياء البسيطة مثل نفور الوالد وانشغاله، وهذا الزواج الذي تحدثت عنه من جانبه، وأن الوالدة لها نظرة حول زواجك.

أخي الكريم لم ألتمس أن أسرتك أسرة مفككة، هذا هو الأمر الذي يجب أن تنطلق منه، أسرتك أسرة جيدة، أسرة راشدة، أسرة متضامنة، أسرة مستورة الحال.

أخي هو الذي يجب أن يكون مفهومك ويجب أن تفهم أسرتك على هذا الأساس، لأن فهمك لأسرتك سوف يساعد على تطويرها، والمزيد من الاستقرار، هذا هو الأمر الأول.

الأمر الثاني: قضية الاختيار بالنسبة للزوجة ما طرحته من سمات، وصفات تطلبها، وتتمناها في زوجتك هي صفات طيبة، ومشروعة جدًّا، لكن لا أحد يستطيع أن يقول إنه سوف يجد الزوجة المكتملة السمات في كل شيء، هنالك أسبقيات، هنالك معايير (الخلق، الدين).

بعد ذلك تأتي بالطبع الأمور الأخرى مثل الجمال، والتفاهم والأشياء الأخرى، وإن شاء لله كلها تتوفر، وكلها تجدها، لكن اجعل توقعاتك في حدود ما هو منطقي وما هو واقعي.

أنا حقيقة قد لا أتفق معك فيما ذكرته حول نوايا والدتك، وكذلك أختك في اختيارهم للزوجة، وأنهم يجدون زوجة تكون تحت هيمنتهم، أو أن لا تتطاول عليهم، إذا جاز التعبير.

أيها الفاضل الكريم: أرجو أن تعذرني، لا أريد أن أكون قاسيًا عليك، لكن إن شاء الله تعالى المستشار مؤتمن، وأنا أرى أن والدتك وأختك يريدان لك كل خير، هذا الجانب أرجو أن لا تهتم به أبدًا، أرجو أن تتجاهله تمامًا، أمك سوف تفرح تمامًا بزوجتك، أنا على ثقة كاملة وتامة بذلك، والأم يسعدها حقيقة أن يقال إن زوجة ابنها جميلة، هذا يُسعد الأمهات كثيرًا، فأرجو أن تتخلص من هذا العارض القلقي، ولا تجعله يشغلك أبدًا.

بالنسبة للحالة المادية وأمر الزواج، أخي الفاضل الكريم كما تعلم أن الزواج نفسه -إن شاء الله- مصدر من مصادر الرزق، وإن شاء الله تعالى تفتح لك خزائن النعم، فهذا أبدًا يجب أن لا يشغلك.

بالطبع الأمور يجب أن تناقش بشيء من المنطق، ونأخذ بالأسباب، وهذا كله أنت مدرك له، وكذلك أسرتك مدركة له تمامًا.

توقيت الزواج، حاجاتك الجنسية والوجدانية تقدر وتحترم جدًّا، لكن أنت الآن في السنة النهائية من دراستك، والسنة أخي الكريم تمر بصورة لا تلاحظ، فليس هنالك فوارق كبيرة فيما تراه أنت ورؤية والدك على وجه الخصوص.

حاول أن تصل إلى نوع من المساومة مع ذاتك، وتطبيع نفسك على أن السنة الأخيرة اجعلها تكون سنة الدراسة، وبعد ذلك أعتقد أن الوالد سوف يفرح لك بالزواج.

لا تشغل نفسك أبدًا في قضية أن تخطب ثم تنتظر سنة أو سنتين، لا، الأمور إن شاء الله كلها سوف تسير على خير، واجعل التفاؤل هو منهجك، واجعل التفاوض مع والديك هو الطريق الذي من خلاله تصل إلى وجدانهم، وتسيطر على منطقهم المعرفي، والفكري، ولا شك أنه سوف يكون في مصلحتك جدًّا.

أنا سعيد جدًّا برسالتك، وأسأل الله لك التوفيق والسداد، ونشكرك على تواصلك مع إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً