الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أقف أمام المرآة وأسأل نفسي هل هذه حقاً أنا!

السؤال

أود أن أقدم إليكم مشكلتي، لعلي أجد لديكم الحل الشافي، بدأت مشكلتي عندما كنت في الرابعة عشرة من عمري، فذات مرة كنت واقفة أمام المرآة وأتتني أفكار هل هذه حقاً أنا؟ ومن أنا؟ كانت نادراً ما تأتيني، وكنت أشعر بالخجل إذا ما كنت عارية تماماً ووقفت صدفة أمام المرآة، ذهبت عني هذه المشكلة تماماً منذ سنتين تقريباً، ولكنها عادت لي الآن وبقوة، فأصبحت تأتيني - حتى ولو لم أكن أمام المرآة - أفكار مثل من أنا؟ هل هذا وجهي حقاً؟ حتى عندما يقوم الآخرون بامتداح شكلي، لم أعد أشعر بالسعادة كما كنت سابقاً.

ما الحل مع هذه الأفكار؟ هل أواجهها أم أبتعد عن المرآة ؟ أم ماذا؟

والشيء الآخر أنني أشعر أنني أصبحت سهلة التأثر، فأي فكرة بإمكانها الدخول إلى عقلي والتأثير علي، وللأسف أنها كلها أفكار سلبية، ولدي معلومات لعلها تفيدكم، أنا الأصغر في عائلتي، وقد توفي أبي عندما كان عمري سنة، وفي نفس السنة تقريباً تم سجن أخي الوحيد ظلماً، وعلاقتي بأفراد عائلتي جيدة، وتم الاعتداء علي عندما كان عمري عشر سنوات من شخص غريب، وتم الاعتداء علي لمدة ثلاث سنوات تقريباً من فتاة، مع العلم أنني جيدة جداً في دراستي ولدي عدة اختراعات.

وهناك شيء آخر، أنا أعيش أحلام اليقظة كثيراً، مع أنني كنت واقعية جداً، أعتذر لعدم الترابط في رسالتي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ عائشة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن حالتك هي إحدى حالات القلق النفسي البسيط، ومن الواضح أن السمة الرئيسية لقلقك هي الوساوس القهرية، وهذا النوع من الوساوس متداول ومعروف، وغالبًا ما يكون أمرًا عابرًا وعارضًا.

بالنسبة للتاريخ السابق – أي وفاة الوالد وأنت صغيرة – وكذلك الاعتداءات التي حدثت لك، هنالك دراسات كثيرة أشارت أن وفاة أحد الوالدين إذا كان الابن أو البنت في سن مبكرة هذا ربما يكون له أثر سلبي في المستقبل، لكن هذه الدراسات معظمها دراسات أوروبية، والحمد لله نحن مجتمعنا مجتمع يتميز بالتكافل وحتى في حالات اليتم، تجد أن هنالك عناية كبرى تُمنح لليتيم، وهذه من الآداب العظيمة التي علمنا إياها ديننا الإسلامي الحنيف، هذا الحدث – أي وفاة الوالد – لا أعتبره أمرًا له تبعات سلبية من الناحية النفسية كما يُعتقد في الغرب.

طبيعة الاعتداءات التي تحدثت عنها هل كانت اعتداءات جسدية أم نفسية؟ هل كانت نوع من التحرش الجنسي؟ .. عمومًا أيًّا كان نوعها فيجب أن تعتبريها مرحلة قد انتهت وقد انقضت، ويجب أن لا تسبب لك إشكالاً، وحاولي أن تبعديها من مخيلتك، واجعليها سجينة في خزينة الماضي كما يقولون.

الأفكار الوسواسية التي أتتك كانت بداياتها ما نسميه باضطراب الأنّيّة، أي الشعور بالتغرب أو الشعور بعدم التأكد من الذات، وهذه أيضًا نشاهدها كثيرًا لدى الذين لديهم أحلام يقظة في مرحلة المراهقة وما بعد المراهقة، وهي تعتبر تطورات طبيعية إلى حد كبير، لا أعتبرها حالة مرضية، لكنها ظاهرة تستحق الاعتبار.

الذي أنصحك به هو أن تتجاهلي هذه الأفكار، وأن تنظري إلى ما هو إيجابي في حياتك، وسوف تجدين أن حياتك فيها أشياء جميلة جدًّا، فقط احكمي على نفسك بصورة واقعية ومنصفة ولا تقسي على نفسك، ويجب أن تقبلي ذاتك بعد أن تكتشفي مواطن القوة في شخصيتك، هذا يعطيك قبولاً لذاتك، وهذا يساعد على تفهم الذات، ومن ثم تسعي إلى تطوير ذاتك وذلك من خلال تجسيد وتعظيم الإيجابيات وتحقير السلبيات ومحاولة تصحيح الأخطاء.

أفضل شيء يمكن أن يقدمه الإنسان لنفسه في مثل عمرك هو التسلح بسلاح العلم والدين، هذه أسلحة مستقبلية قوية جدًّا، لا أحد يستطيع أن ينزعها منك، وهي جوهر تطوير النفس البشرية، فاحرصي في دراستك، كوني متميزة، كوني واثقة من ذاتك، ضعي أهدافًا مستقبلية وضعي طرق الآليات التي توصلك إلى التميز، ومن أهمها إدارة الوقت بصورة صحيحة، وعليك أيضًا بالرفقة الصالحة، وبالنسبة للالتزام الديني - إن شاء الله تعالى - أنت حريصة على ذلك، وطرقه وآلياته معروفة جدًّا.

الربط ما بين الوقوف أمام المرآة وشعور بتغير الذات والوساوس، هذه تعتبر علاقة وربطاً مباشراً، وهذه نسميها بالمثيرات أو المحفزات، أي الوقوف أمام المرآة، لذا أنا لا أقول لك لا تقفي أمام المرآة، قفي أمام المرآة عند الضرورة ولهدف معين، ليس بهدف أن تتمعني في جسدك وتقومي بتشريح ذاتك، هذا ليس بالأمر الجيد وهذا يزيد من الوساوس، إذن لا تتجنبي الوقوف أمام المرآة، لكن يجب أن يكون هدفك هدف معيناً وبعيدًا عن التأمل في الذات.

هنالك طريقة جيدة جدًّا لتحقير الفكر الوسواسي، وهو أن تربطيه بحدث سيء أو بمشاعر سلبية، مثلاً تذكري حادث سيارة بشع حين تأتيك هذه الفكرة الوسواسية، تأملي في حادث طائرة مثلاً، وهكذا، الربط ما بين هذه الأحداث التشاؤمية والفكرة الوسواسية يُضعفها كثيرًا.

هنالك أيضًا علاج تنفيري مهم، وهو أن تفكري في الفكرة الوسواسية ثم تقومي بالضرب على يدك بشدة حتى تحسين بالألم، الربط ما بين الوسواس واستشعار الألم يفيد في إضعاف الوسواس، كرري هذا التمرين عدة مرات لمدة أسبوعين.

لا أعتقد أنك في حاجة إلى أي نوع من العلاج الدوائي، وما ذكرناه لك من إرشاد إن يكفي، وأسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد، ونشكرك على تواصلك مع إسلام ويب، وكل عام وأنتم بخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً