الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل الانسان هو الذي يصنع قدره، أرجو التوضيح؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ما مدى صحة مقولة أن الإنسان هو الذي يصنع قدره، ومسئول عن مستقبله، وأن القدر للمصائب وليس للمعائب مع اعتقاده بأن القدر هو علم الله المسبق قبل وقوع الأحداث، وليس التسيير أو الجبر؟

أرجو التوضيح خشية أن يكون هناك خلل عندي في الاعتقاد، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حسام حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك من كل مكروه.

وبخصوص ما سألت عنه فمعلوم -أخي الفاضل- أن الركن السادس من أركان الإيمان هو: الإيمان بقضاء الله وقدره، والمؤمن مسلّم لله عز وجل مؤمن بأنه ما من شيء في هذا الكون يقع إلا وقد قدره الله وأحاط علمه به قبل وقوعه، وإن ما وقع لا يخرج عن مشيئته وقدرته فهو الخالق لكل شيء.

لكن هناك فرق هائل بين الإيمان بالقدر والاحتجاج به، فنحن نؤمن أن كل شيء بقدر الله، بمعنى إذا أصيب العبد بمصيبة، وقال: هذا بقدر الله وينبغي علي أن أصبر وأحتسب فهذا حق وواجب يلتزم به فقد أمر الله به عباده الصالحين قال تعالى: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ (الحديد: 23).

لكن الخلل فيمن يفعل الذنب والمعصية ويصر عليها ويحتج على فعله بأن ذلك هو قدر الله، فانتقل من دائرة الإيمان بالقدر إلي الاحتجاج به على معصيته كما قال المشركون: لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا [الأنعام:148] فهذا القول منهم ليس على سبيل الندم أو الحزن بل على سبيل الاحتجاج بالقدر على المعصية المصر عليها كقول إبليس: رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [الحجر:39].

وهذا منهج أهل السوء، شعارهم: أما وقد أغوانا الله بالمعصية فلنستمر عليها، وليس ذلك بإرادتنا بل هو قدر الله، وهذا منهج القدرية الإبليسية الذين يحتجون بالقدر، على الاستمرار في المعصية، كما فعل إبليس.

فلا يجوز الاحتجاج بالقدر على المعايب والذنوب، وإنما يحتج بالقدر على النكبات والمصائب: الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:156]. يقول شيخ الإسلام رحمه الله:

" الْقَدَرَ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ ".

وهذا هو الفارق بين المؤمن وأهل العجز ممن يحتجون على معصيتهم بالقدر فلا يبنون ولا ينتجون ولا يصنعون مستقبلهم، ولذلك قال السلف: من دلائل العجز كثرة الإحالة على المقادير.

وقال الشاعر الفيلسوف المسلم الدكتور محمد إقبال:

(المؤمن الضعيف هو الذي يحتجُّ بقضاء الله وقدره، أما المؤمن القوي فهو يعتقد أن قضاء الله الذي لا يُرد، وقدره الذي لا يُدفع).

وفقنا الله وإياك لما يحبه ويرضاه ونحن سعداء بتواصلك معنا وفي انتظار المزيد من أسألتك واستفساراتك والله ولي التوفيق.

نسأل الله أن يوفقنا وإياك لعمل الخير وخير العمل.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً