الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

فقدت الثقة في نفسي وأصبحت عيني تؤلمني بسبب مراقبة الآخرين!!

السؤال

السلام عليكم..

أنا شاب أبلغ من العمر 24 عاما، عانيت في طفولتي من حياة قاسية للغاية كوني عشت بعيدا عن أبي وأمي، وسكنت في مدينه أخرى عند جدي وجدتي، وكنت أعاقب بشكل قاسي للغاية خصوصا على الأخطاء البسيطة، وهذه المعاملة خلقت مني شخصية مترددة وضعيفة الثقة بنفسها، وأعاني من الرهاب الاجتماعي إلا أني كنت ملتزما دينيا، ومحافظا على الصلوات، وكان عندي نوع من التشدد الديني أدى إلى حدوث مشكلات بيني وبين الأهل والأصدقاء، وكنت متفوقا في دراستي، وفي الثانوية العامة حصلت على معدل ممتاز، فحصلت على منحه دراسية للدراسة في سوريا، وسافرت لإكمال دراستي، ولكن حالتي ومعاناتي النفسية بدأت بالازدياد، وبدأت أفقد الثقة بنفسي، ولا أستطيع الدراسة، وازدادت الوساوس القهرية التي نغصت حياتي جدا، واعتزلت الآخرين، وعانيت من القلق والشرود، وأصبحت أراقب تصرفات الآخرين، وبشكل فضيع للغاية، وصارت عيوني تؤلمني من كثر مراقبه الآخرين.

راجعت طبيباً نفسياً وشرحت له حالتي، فوصف لي دواء (سبرالكس) ولم أتحسن، فتوقفت عنه، ثم راجعته فوصف لي (سبرام) فخفت عندي الأعراض، وخصوصا مراقبه الآخرين بتصرفاتهم وحركاتهم إلا أني توقفت عن العلاج فانتكست، وعادت لي الوساوس، وبشكل كبير جدا، وخصوصا مراقبه الآخرين في تحركاتهم حتى أصاب بألم شديد في عيني، وأتمنى أن أتوقف، ولكن أصبحت العملية قهرية، وهذا أكثر ما ينغص علي حياتي، ثم بدأ مرضي يأخذ منحى آخر، حيث أصبحت أصور نفسي فيديو بالكمبيوتر، وأضل لساعات أشاهد صوري، وأتمعن فيها، وأصبحت أخاف الخروج إلى الشارع، وكنت أتخيل أن شخصيتي تشبه زعيماً عربياً، وكنت إذا خرجت الشارع أرى الناس والأشخاص تنظر إلي بكل كراهية، وتحاول الانتقام مني لأني أشبه ذلك الزعيم، وتريد أن تعاقبني على أخطاء الزعيم.

وصرت أعاني من مشكله التفكير بالجنس الأنثوي قد تصل إلى درجه 80% مع إدمان الأفلام الاباحيه، وأيضا تأخرت بدراستي كثيرا بسبب القلق والاكتئاب، ونفر مني الأصدقاء، وصرت أفقد الثقة بالأطباء والعلاج ، وأشعر أنه لا يوجد علاج لشفائي، وأصبحت يائساً لدرجة مزرية للغاية، وأحيانا أحس بنشوة أني سوبرمان أو على شكل ملاك، ومخلوق خارق تهتم بي الصحافة والإعلام، وتحاول فك لغزي (مع العلم أني أتابع الأفلام الأمريكية بشكل كبير ومدمن)

عدت إلى اليمن الصيف الماضي، وراجعت طبيبا نفسيا، وقرر لي علاج (السيروكسات بنسبه 20 ملجم في اليوم وسيروكول بتدرج حتى وصلت الجرعة إلى 250 ملجم في اليوم وثبت عليها)

عدت إلى سوريا واستمريت بالعلاج لمدة سنة كاملة، ولم أستفد منها وتوقفت عنه لأني اقتنعت أنه لا يوجد تشابه بيني وبين ذلك الزعيم لا بالصفات ولا بالشكل، وقد توقفت عن العلاج بدون استشاره الطبيب من حوالي ثلاثة أشهر إلى الآن

وحالياً أحس أني أصبحت فاقداً للثقة بنفسي، ومتردداً بكل شيء، ولا أستطيع أن اخذ أي قرار، وأضل أسأل الناس في كل كبيرة وصغيرة حتى في قراراتي المصيرية مع ذكر أني صرت متأثرا بكلام الناس إلى أقصى حد، وأعيش التعاسة والاكتئاب، ولا أقدر أن أعبر عن أرائي بوضوح، وأصبحت أنفذ كل ما يطلبه الآخرون ولا أقدر أن أقيم علاقات طبيعيه مستمرة، وما زالت مراقبة الآخرين بحركاتهم وتصرفاتهم، وعيوني أصبحت تؤلمني، وتحولت حياتي إلى جحيم، وهذا أكثر شي أعاني منه حيث يشغل كل تفكيري عندما أحاط بالآخرين، والتفكير بالجنس سيطر على أغلب يومي، وحاليا أفكر العودة إلى اليمن بسبب تأخري الدراسي، علماً أني في السنة الثالثة في كليه الهندسة. ويفترض أن أكون قد تخرجت من كليتي، وحالياً أنا في بلد الدراسة سوريا، ولك خالص تقديري واحترامي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ جمال حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فنشكرك على رسالتك التفصيلية وعلى كل ما ورد فيها من معلومات قيمة تساعد إن شاء الله في أن نساهم بشيء نسأل الله تعالى أن يجعل لك فيه الفائدة والخير.

أتفق معك أن الوساوس نشأت لديك منذ فترة مبكرة، وكنتَ تعاني أصلاً من عصاب القلق بصفة عامة، وفترة التنشأة في الطفولة ربما تكون أثرت عليك سلبًا، ولكن يظهر أيضًا أن لديك بعض الاستعداد للتغيرات النفسية التي حدثت لك.

مشكلتك حقيقة ليست مشكلة غير قابلة للعلاج، وهذا هو الذي أود أن أؤكده لك، وأعتقد أن نوعية الوساوس التي تعاني منها هي مزعجة بالطبع لأنها تتعلق بأفكار غريبة فيها أفكار حول الجنس وفيها أفكار حول الآخرين. والأمر الإضافي والذي استوقفني هو أن الشكوك التي تعاني منها هل هي شكوك وسواسية أم هي أكثر من ذلك؟

أنا أعتقد أنها لا تخلو من السنحة الظنانية، والسنحة الظنانية أعني بها أن الأمر قد تعدى الإطار الوسواسي إلى الإطار الظناني الذهاني البسيط، وهذه الحالة معروفة وتستجيب دائمًا للعلاج الدوائي الذي يتكون من الأدوية المضادة للوساوس زائد الأدوية المضادة للذهان، وأعتقد أن الطبيب الذي قام بوصف الزيروكسات زائد السوركويل قد أحسن في اختيار الأدوية، لكنها بكل أسف لم تستفد منها لأنها ربما لم تكن متوافقة مع التركيبة الجينية والكيميائية لديك. هذا ربما يفسر سبب عدم استجابتك لهذين الدواءين.

أنا أرى أن العلاج الدوائي علاج أساسي جدًّا في حالتك، ومراجعة الطبيب سوف تكون أمرًا جيدًا، وإن لم يكن ذلك ممكنًا فأعتقد أنه من الواجب بالفعل أن ترجع وتتناول الأدوية مرة أخرى، وإن لم تشأ أن ترجع للزيروكسات والسوركويل فهنالك بدائل جيدة وممتازة، والبديل الذي أفضله العقار الذي يعرف تجاريًا باسم (بروزاك) ويسمى علميًا باسم (فلوكستين) وربما تكون له مسميات تجارية أخرى في سوريا أو اليمن.

جرعة الفلوكستين المطلوبة هي أن تبدأ بعشرين مليجرامًا – أي كبسولة واحدة – تتناولها يوميًا، يفضل تناول الدواء بعد الأكل، وبعد أسبوعين ارفع الجرعة إلى كبسولتين، وهذه هي الجرعة العلاجية المطلوبة في حالتك، علمًا بأن هذا الدواء يمكن أن تكون جرعته حتى أربع كبسولات في اليوم، هذه الجرعة – أي الكبسولتين يوميًا – أنت محتاج لأن تستمر عليها لمدة عام على الأقل، بعدها يمكن أن تخفض إلى الجرعة الوقائية وهي كبسولة واحدة في اليوم لمدة عام آخر. هذه المدة ليست طويلة، فالوساوس تتطلب أن تعالج على هذا النهج.

هناك دواء آخر لا يقل أهمية عن الفلوكستين، وهو مشابه للسوركويل ولكن ربما يكون أفضل، وهذا الدواء يسمى (رزبريادون) هذا اسمه العلمي، واسمه التجاري هو (رزبريادال) وربما تجده تحت مسميات تجارية أخرى في اليمن وسوريا.

جرعته هي واحد مليجرام، تتناولها ليلاً، وتبدأ بتناوله مع بدايتك في تناول الفلوكستين. جرعة الواحد مليجرام من الرزبريادون تستمر عليها لمدة شهر، بعد ذلك ارفعها إلى اثنين مليجرام ليلاً لمدة ستة أشهر، ثم خفضها إلى واحد مليجرام ليلاً لمدة ستة أشهر أخرى.

هذا هو العلاج الدوائي، ويجب أن يكون هنالك التزام قاطع بتناول جرعته؛ لأن البناء الكيميائي في مثل هذه الحالات قد يتطلب وقتًا أطول، وأعني بذلك أن الفائدة العلاجية لن تستشعرها قبل مضي شهرين أو ثلاثة من بداية العلاج.

بجانب العلاج الدوائي: المرحلة الأخرى العلاجية مهمة، وهي ما نسميه بالعلاج السلوكي، وهذا يتطلب منك أن تحقّر هذه الأفكار الوسواسية، لا تخضعها للمنطق لأنها ليست منطقية، ويجب أن تستبدلها بأفكار مضادة لها.

المكوّن العلاجي الثالث هو أن تجعل حياتك مفعمة بالأمل والرجاء، وأن تغيّر نمط حياتك، وأن تكون لك أنشطة مختلفة. التواصل الاجتماعي يجب أن يأخذ حيزًا في وقتك، وأيضاً ممارسة الرياضة، وأن تكون دائمًا مع الصالحين والمفلحين من الشباب، الإنسان يحتاج كثيرًا لمن يعينه على أمور الدين والدنيا، وأنت في حاجة حقيقة للتواصل الاجتماعي وإدارة الوقت بصورة جيدة، لأن هذا سوف يملأ كل الفراغات الزمانية والفكرية التي تتصيدك من خلالها الشكوك وكذلك الفكر الوسواسي.

أنا على ثقة تامة إن شاء الله تعالى بتناولك للعلاج وتغيير نمط حياتك واتباع الإرشاد السلوكي الذي ذكرناه والاجتهاد في دراستك، إن شاء الله تعالى سوف تكون من المفلحين والناجحين.

نشكرك كثيرًا على تواصلك مع إسلام ويب، وبارك الله فيك، وعافاك الله تعالى، وجعلك من الناجحين والفائزين.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً