الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

والداي يرغبان أن أتزوج من قريبتي، فهل أنا آثم برفضي لها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شيخي الفاضل، لقد منّ الله عليّ بأن جعلني بارا لوالدي، وها أنا على أبواب الزواج، والداي يرغبان في أن أتزوّج ابنة عمّي، ولكن ذلك يصعب عليّ، بل لا أطيقه، وأظهرت لهما ذلك، ولكنهما يرغبان بقوة أن لا أتزوج إلا هذه الفتاة، ونحن من مجتمع محافظ والحمد لله.

أسمع أنها ذات خلق ودين وجمال، ولم أرها إلا كلمح البصر، ولكنها تصغرني بتسع سنين، وهذا ما لا أطيقه، كما وكنت أحب أن أتزوج من فتاة ذات مستوى ثقافي جامعي؛ حتى أشعر بأن الفتاة التي أريدها جديرة بأن تصبح يوما ما مسؤولة عن عائلة، وموطن قلقي هو أن أخيّب أمل والدي فيّ؛ إذ أني لا أريد هذه المرة ما يريدان، كما وأنهما لا يسعيان لإيجاد فتاة أخرى مناسبة للزواج، وأنا بصراحة يصعب عليّ أن أبحث بنفسي؛ لأنني مغترب عن وطني؛ ولأن خجلي يمنعني من ذلك.

فهل أنا آثم إذا رفضت ذلك؟ وما الحل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أنس حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.

فإنا نشكر ابننا هذا البر بوالديه، ونبشره بالثواب العظيم عند الله تبارك وتعالى، فرضى الله في رضى الوالدين، وسخط العظيم سبحانه وتعالى في سخطهما. ومن توفيق الله تبارك وتعالى للإنسان أن يكون بارًا بوالديه يحرص على أن يحسن إليهما، وهذه عبادة من أعظم العبادات ربطها الله تبارك وتعالى دائمًا في القرآن مع عبادته، قال تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا}، وقال سبحانه: {وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً}، وقال: {ووصينا الإنسان بوالديه حسنًا}، حتى قال ابن عباس: (لا يقبل الله صلاة وعبادة من لا يطيع والديه)؛ لأجل هذا التلازم في كتاب الله تبارك وتعالى.

فنشكر لك هذا البر، ونشكر التواصل مع موقعك، ونسأل الله أن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به.

أما بالنسبة لما ذكرت من رغبة الوالدين في أن تتزوج ببنت العم، فإنا ندعوك إلى محاولة رؤية هذه الفتاة، فلعل الله يقذف الميل في قلبك تجاهها، وأنت كما ذكرت أنك لم ترها إلا كلمح البصر، فحاول أن تنظر إلى محاسنها، واعلم أن بنت العم بالمنزلة الرفيعة، وأن رضى الوالدين عن أي زوجة مما يعين الإنسان على الخير؛ لأن الإنسان في هذه الحالة يستطيع بسهولة أن يوفق بين الإحسان لزوجته وبين البر بوالديه.

أما إذا كانت بنت العم فيها عيوب أو لا تجد في نفسك ميلاً إليها، فإنك تحتاج إلى أن ترفضها برفق، وأن تحسن إلى والديك، وأن تجتهد، وأن تدخل من الوساطات بعد أن تتوجه إلى رب الأرض والسموات، تطلب من الأعمام والعمات الآخرين أن يتدخلوا في هذا الأمر، ليس انتقاصًا من بنت العم، ولكن لأن مسألة الزواج إنما تقوم على رغبة وميل من الطرفين، وهذا كما قلنا إذا كان لك أسباب معينة تجعلك تنفر من الارتباط ببنت العم.

أما إذا كان الأمر فقط لأجل ما ذكرت من أنها فتاة صغيرة في مستواها، فإن هذا بالعكس يتيح لك فرصة لتربيتها وتوجيهها، وكذلك تستطيع أن ترفع مستوى ثقافتها وتعليمها، يعني إذا كان ذلك ممكنًا، ففي هذه الحالة نرى أن التوافق مع رغبة الوالدين أمر حسن، لكن لست ملزمًا من الناحية الشرعية أن تتزوج بفتاة لا تريدها مجاملة للوالدين، وهذا مشوار طويل، ولابد للإنسان أن يحدد عن قناعة وعن ميل من الطرفين، وعن قبول بهذه الفتاة التي سيرتبط بها؛ لأن هذا مشوار حياة طويل، وكذلك ينبغي أن تحرص أن تطلب من العمات والخالات أن يبحثوا عن بدائل في حالة إصرارك على رفض بنت العم.

أما بالنسبة لمسئولياتها عن العائلة فهذا لا يتعلق بوسائل التعليم، فقد تكون البنت تعليمها عالٍ لكنها من خلال الأسرة اعتادت على تحمل المسؤوليات، وكثير من العظماء ربتهم أمهاتهم كان مستواهنَّ العلمي عادي، ولكن التوفيق من الله تبارك وتعالى.

وأنت تقول بأنك تظن أن تخيب أمل والديك فيك؛ لأنك أول مرة تخالف رغبة الوالدين، وهذه المسألة قطعًا الوالدين من حبهم لك أنهم حريصين على أن يختاروا لك الفتاة المذكورة، فنحن لا نؤيد الرفض دون الأسباب، ولا نؤيد أنك تستعجل في رفض هذه الفتاة التي اختارها الأب واختارتها الأم، إلا إذا كانت لك أسباب فعلية، بعد ذلك لا مانع من أن تطلب منهما أن يسعيان في إيجاد فتاة أخرى مناسبة، وهذا اقتراح جميل؛ لأن سعيهم لإيجاد فتاة أخرى أيضًا سيطيب خاطرهم، والمفيد أيضًا أن تطلب منهم أن يقدموا لك أربعة أو خمسة أو ثلاث لتنتقي أنت من هذه الثلاث حتى تكون في الإطار الذي يرتضيه الوالد وترتضيه الوالدة.

ومهما كان الإنسان في الغربة أو في البُعد فإن مسألة الزواج أعتقد أنها مسألة أساسية، ولا أظن أن هناك صعوبة في أن تذهب وتسافر لترى بنفسك، وتتعرف على صفات الفتاة التي تريد أن ترتبط بها، وتستنير برأي الوالد ورأي الوالدة ورأي الأعمام والأخوال والأخوات، فليس في الأمر حرج؛ لأن الإنسان من حقه أن يبحث عن الفتاة المناسبة التي تشاركه في إكمال مشوار الحياة.

وإذا كان لرفضك أسباب شرعية واضحة فإنك لا تعتبر آثمًا، وإذا كنت أيضًا لا تطيق الارتباط بهذه الفتاة فإننا لا نؤيد المجاملة في مثل هذه الأمور.

أما بالنسبة للحل فهو أن تمضي فيما يرضي الله تبارك وتعالى، وأن تجتهد في إرضاء والديك، تتقرب إليهما، تزيد من البر لهما، تسأل الله تبارك وتعالى أن ييسر لك أمر الإقناع بالنسبة لهم، تطلب مساعدة الأعمام والعمات والخالات وكل الصلحاء والفضلاء من الدعاة إلى الله تبارك وتعالى، ومن العلماء في المنطقة الذين يمكن أن يتأثر بهم الوالد، أو تسمع كلامهم الوالدة وتطيعهم في هذا الأمر، وأرجو أن تشكر الوالدين على هذا الحرص؛ لأنه قطعًا الوالد والوالدة اختيارهم لهذه الفتاة من حبهم لك، وأيضًا هذا مما يسعدهم ويفرحهم، وتعرف أنه عندنا في المراسم وفي المناطق التي فيها الناس على الطبيعة والقرى ونحوها دائمًا يحرصون على أن يتزوج الإنسان من بنت عمه، فإذا كانت بنت العم مناسبة فإنها من المنازل الرفيعة، والزواج من بنت العم أيضًا له ميزات، كما قد يكون له جوانب أخرى غيرها سلبية، لكن من ميزات هذا الزوج أن الإنسان يوطد هذه العلاقة وقد تكون هناك فوائد كثيرة لك في الزواج بهذه الفتاة.

عمومًا نحن نتمنى أن تتواصل معنا، نتعرف على المزيد، نتعرف على أسباب رفضك لهذه الفتاة؛ لأن هذا مهم جدًّا في الوصول للإجابة الصحيحة، إذا كانت أسباب واضحة كما مضى معنا فاكتب لنا تلك الأسباب حتى يتنسى مناقشتك عن علم ومعرفة، ومن الإنصاف أيضًا أن تذكر ما عندها من إيجابيات وما عندها من سلبيات، ونسأل الله أن يكتب لك الخير ويقدره لك ويرضيك به!

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً