الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تقدم لي شاب يصغرني بسبع سنوات... فما نصيحتكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سادتي المشايخ والمستشارين والأساتذة الكرام أشكركم مسبقاً للنصح والمساعدة.

حيرتي تكمن في أنني لا أعرف أي قرار أتخذ في مسألة شاب تقدم لي، كان زميلا في الدراسة، لكن المشكلة هو أنه يصغرني بسبع سنوات، ومجتمعاتنا العربية لا تتساهل مع المرأة التي أقدمت على مثل هذا الزواج، وتصبح مسبة لها ونقطة ضعف يمكن أن تعير بها من زوجها لحظة الخصام أو من أهله أو غيرهم.

أنا فتاة دخلت السنة 29 من عمري، وبدأ شبح العنوسة يتراءى لي من حين لآخر، فمرة أتجاوز الأزمة وأفكر في مستقبلي، وعندما أشتغل وأملأ وقتي وأتقبل الوضع على أنه قدر ورزق ربما لم يكتب لي، ومرة أحس بالوحدة الشديدة والتوق لزوج يدفئ سريري، وأطفال قرة عين لي بحول الله، وأستغفر الله إن كان ضعف إيمان لي، وأرجو أن تنصحوني في هذه النقطة كذلك عندما أضعف ما الذي أفعله.

الشاب ليس كما فكرت به أو حلمت به، ليس بمقياس التدين الذي كنت أرغب به، يعني هو على حسب قوله يصلي وربما يجمع الصلوات، وليس من المشاغبين في الدراسة ولا المتحرشين بالفتيات، ويبدو عليه الهدوء والسلام، أهله أناس بسطاء وشعبيون، وهو سيكمل دراسته في مجال "السلطة والأمن" بعد سنة تقريبا ونصف، مستواي المعيشي أعلى من مستواهم، كل ذلك لا يهم، لكن لا أحس بميول له رغم محاولتي وصليت صلاة الاستخارة عدة مرات، عندما أفكر بالحياة الزوجية والبيت وما يتعلق به أفرح وأتفاءل، وأقول ربما أحبه بعد الزواج ولأنه يحبني، عندما أفكر في فارق السن الكبير أخاف وأتشاءم وأخاف من المشاكل، وأن يعيرني هو أو غيره بذلك، رغم أنه أخبرني أن أهله موافقون وهو مقتنع بالأمر، فاتحت أهلي ووافقوا بشرط أن يكون مقتنعا، وعندما أفكر به أنفر ولا أتحمس للأمر، لكني دائمة الحيرة وأخاف ألا يلتزم بالصلاة أو أنفر منه إن لم أحبه بعد الزواج أو تبدو علي علامات الكبر قبله ويتغير من ناحيتي، ويكون ذلك هاجسا ينغص علي حياتي.

وهو يرسل إليّ برسائل قصيرة عبر الجوال لنتناقش في الأمر، لكنه لا ينفك يعبر لي عن مشاعره رغم أني نبهته مرات أنه لا يجوز لأنه ليس بيننا شيء بعد، فهل أقطع نهائيا الحديث معه حتى يكون بيننا رباط شرعي؟ وماذا أفعل برأيكم؟

جزاكم الله عني خيرا، أغيثوني بحل من عندكم أو نصيحة بارك الله فيكم، وأريحوا بالي أراحكم الله من كل شر اللهم آمين!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مغربية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه .. وبعد:
نرحب بابنتنا الفاضلة في موقعها، ونسأل الله أن يسهل أمرها، وأن يلهمها السداد والرشاد، ونشكر لها حسن العرض لمشكلتها، ونشكر لها كذلك هذه المشاعر النبيلة التي تحملها في نفسها، ونسأل الله أن يقدر لها الخير حيث كان ثم يرضيها به.

ونؤيد ما ذهبت إليه في آخر الاستشارة من ضرورة التوقف من هذه العلاقة حتى تأخذ إطارها الشرعي والرسمي، ولكننا لا نجد حرجًا في تشجيعك على الزواج بهذا الشاب إذا كان يصلي ويحافظ على الصلاة، وحبذا لو تأكدت من مسألة الصلاة بداية، لأنها أساس في الزواج الناجح، وأساس في جلب الرزق، وأساس في كل خير، فالصلاة أمان في الأرض كما قال صدِّيق الأمة، وهي أعظم ركن من أركان الإسلام العظيم بعد الشهادتين.

أما ما ذكرتِ من فارق السن، فإن هذا الأمر إذا كان هو يتقبل هذا الأمر وستتقبلين هذا فلا حرج في هذا، ومن المعروف للجميع أن النبي صلى الله عليه تزوج خديجة وهي أكبر منه، وتزوج بعائشة وهي أصغر منه، وسعدت عائشة بصحبة رسولنا وسعدت خديجة في صحبة رسولنا – عليه صلوات الله وسلامه - .

ونحن نقول: إذا وجدت المشاعر النبيلة ومشاعر الحب والميل فإن هذه الأشياء لا تضر كثيرًا، وذلك لأن الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، فالتلاقي يكون بين الأرواح، وهذا الشاب الذي قبل بك ويصر على أن يتزوج منك لابد أنه رأى عندك خيرًا وسمع عنك خيرًا، وهكذا ينبغي أن تكون الفتاة.

أهل الرجل أيضًا كونهم بسطاء وكونهم وافقوا على هذه الزيجة هذا أيضًا يعطي مؤشرا إيجابيا كبيرا جدًّا في هذا الطريق وفي هذا السبيل.

ونحن حقيقة لا نفكر تحميل النفس فوق طاقتها، والتفكير في المجهول، وافتراض افتراضات كثيرة قد لا تحصل أصلاً، كما أننا لا ننظر إلى النماذج الفاشلة في المجتمع ونضخمها ونعطيها حظًا كبيرًا من الاهتمام، بل ينبغي أن نعمِّق التجارب الإيجابية، وإذا وُجد من يفشل في مثل هذه الزيجات فليس من الضروري أن تفشلي أنت، فكوني أنت معيارًا للنجاح، وكوني أنت نموذجًا للأسرة المثالية، حتى وإن كان هناك فارق في السن.

بالنسبة لمسألة الزواج وخوف العنوسة وهذه الأشياء؟
نحن نقول كما قلت أنت: هذه الأمور قدرها الله تبارك وتعالى ولكل أجل كتاب، وأعتقد أنك لا تزالين -إن شاء الله- في إطار يسمح لك بالدخول في الحياة الزوجية بحول الله وقوته، ونريد منك أن تحشري نفسك في زمرة الصالحات، ودائمًا نحن نقول بأن لكل صالحة أخا أو محرما أو ابنا يبحث عن الفاضلات من أمثالك، فلا تحاصري نفسك، واعلمي أن النجاحات في الحياة ميادينها واسعة، وأن نعم الله تبارك وتعالى مقسّمة، ومن حق الإنسان أن يفكر وأن يخطط وأن يحلم بالمستقبل، ويتوكل على الله تبارك وتعالى، ويوقن أن الخير كله بيد الله تبارك وتعالى.

أما بالنسبة لمسألة الخوف من عدم حبه بعد الزواج أو نحو ذلك، فإنا نريد أن نقول: لابد في البداية أن يكون الميل مشتركًا، يعني إذا كان هو يصر ويعلن مشاعره ويريد أن يعبر عن حبه فهل تجدين في نفسك مثل هذا الميل؟

نحن طبعًا لا نوافقه كما لم توافقيه على التمادي في إعلان المشاعر في هذا الظرف الذي لا توجد فيه علاقة شرعية ولا توجد فيه تغطية شرعية، لكن بينك وبين نفسك لا تدخلي الحياة الزوجية إلا إذا تأكدت أنك تشاركين في الميل، أو أنك تجدين الراحة؛ لأن الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف.

فإذا تأكدت من صلاح الدين، وتأكد من وجود صلاحية له في أن يتقدم ويتحسن في دينه، وإذا تأكدت من أن الميل مشترك فإن هذه تعتبر نقاطا أساسية في أي زيجة وفي أي حياة زوجية ناجحة، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يقدر لك الخير ثم يرضيك به.

وطالما عرف الشاب وعرفت أسرة الشاب أن عمرك كذا وأن عمره كذا، ومع ذلك هو يصر وأسرته توافق فإن هذا الأمر يدل على أن في الأمر خير، والإنسان لا ينبغي أن يتوقع الأسوأ دائمًا، ينبغي أن يتوقع الأفضل ويؤمِّلُ في الله تبارك وتعالى خيرًا، رسولنا وديننا يحب الفأل الحسن، ويريد المسلم أن ينظر إلى الحياة بأمل جديد وبثقة في الله تبارك وتعالى المجيد.

والتفكير في مثل هذه الأمور لا يُعدُّ عيبًا إلا إذا تجاوز حدوده، فالإنسان من حقه أن يفكر، ومن حقه أن يحلم، ولكن مع الرضى بقضاء الله تبارك وتعالى وقدره، والإنسان لا يعرف أين الخير، فليس كل متزوجة سعيدة، وليس كل من لم تتزوج غير سعيدة، السعادة هي نبع النفوس المؤمنة بالله، راضية بقضاء الله وقدره، المواظبة على ذكره وشكره سبحانه.

ونعم الله مقسّمة، فهذه تُعطى وظيفة، وهذه تعطى مالا، وهذه تُعطى زوجا، وهذه تعطى زوجا ولكنها تُحرم الولد، إلى آخر ذلك، فنعم الله مقسّمة، والسعيدة هي التي تعرف نعم الله تعالى عليها، ثم تؤدي شكرها فتنال بذلك الشكر المزيد، وتنال بذلك الشكر التوفيق عند الله تبارك وتعالى، ونسأل الله أن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به.

وسوف نكون سعداء في حال تواصلك مع الموقع، ونتمنى أن نسمع عنك خيرًا، وجُزيت خيرًا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً