الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بين الهجرة والعيش ببلاد الكفار... أفكار تراودني

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكركم جزيل الشكر على نصائحكم السابقة التي قدمتموها لي.

أريد أن أستشيركم في أمر شغل بالي، ولم أجد سبيلا إلا استشارتكم, كنت قد قرأت عن حديث النبي عليه الصلاة والسلام : (أنا برئ من كل مسلم يعيش بين ظهراني المشركين), ومن يوم ما عرفت عن الحديث، وأنا منشغلة كثيرا، وأفكر بالهجرة إلى بلد إسلامي، ولكن أهلي ينتظرون حتى ننهي الدراسة لكي نهاجر سويا، وأنا لم أعد أطيق وجودي في هذا البلد, ونحن في هذا البلد أكثر من تسع سنوات، وأخشى أن يتبرأ منا الرسول صلى الله عليه وسلم.

ولم أعد أطيق الدراسة لأنتظر أربع سنوات لأنهيها، أرجوكم قولوا لي، هل حرام أن أترك دراستي وأهاجر؟ وأنا لا أملك سوى الجنسية، فهل ستفتح لي بابا للعلم، أو العمل إن ذهبت إلى بلد إسلامي, وأنتم تعرفون حال بلدان الإسلام، وصعوبة إيجاد تعليم أو عمل كما نجد في هذا البلد!

أرجوكم لا تتركوني في حيرتي ساعدوني في إيجاد الحل المناسب!
أرجوكم لا تبخلوا علي بنصائحكم، وجزاكم الله خيراً كثيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ S.A حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يُكثر من أمثالك، وأن يجعلك من الصالحات القانتات، وأن يجعلك سببًا في هداية غيرك من البنات اللواتي يعشن معك في هذه البلاد من غير المسلمين، كما نسأله تبارك وتعالى أن يحفظك بما يحفظ به عباده الصالحين.

وبخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة – فإنه حق ما ذكرته من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أنا بريء من كل مسلم يعيش بين ظهراني المشركين) وإن كان هذا اللفظ ليس دقيقًا، ولكن هناك حديث بهذا المعنى، وتقولين من يوم أن عرفت هذا الحديث وأنت مشغولة بين هذا الأمر وتفكرين بالهجرة إلى بلد إسلامي.

أقول لك - أختي الكريمة الفاضلة - : جزاك الله خيرًا على حرصك على تطبيق سنة النبي - عليه الصلاة والسلام – وأسأل الله أن يجعل لك مخرجًا من لدنه، ولكن العلماء فسّروا هذا الحديث بتفسير يختلف عن ظاهره، قالوا: هذا الحديث المقصود منه إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يأمن على دينه، ولا على عرضه، ولا أن يُقيم شرع الله تبارك وتعالى في حياته، وأنه يشعر بالضعف والهوان، وأن هؤلاء الكفار قد ضغطوا عليه ليفتنوه عن دينه.

أما الذي أنتم عليه الآن في أمريكا، فأنا أعلم أن في أمريكا ملايين من المسلمين الآن، وأنهم يمارسون شعائرهم الدينية بصورة أفضل بكثير من كثير من بلاد المسلمين، ولقد نصّ العلماء على أنه إذا وُجدت هناك جماعة إسلامية قوية تقيم شرع الله وتطبق دين الله، فإنه لا يجوز لها أن تترك هذه البلاد لتهاجر منها، لأنها بذلك ستصبح بلاد إسلام.

فأنت الآن وضعك شرعي، وليس فيه أي خطر، ولا ينبغي أن تفكري هذا التفكير ابنتي الكريمة الفاضلة، إلا في حالة عدم قدرتك على إقامة الدين في حياتك الشخصية.

أما كونك لا يمنعك أحد من الحجاب، ولا يمنعك أحد من الصلاة، ولا يمنعك أحد من الصيام، ولا من الأذكار، ولا من الدعاء، ولا من إظهار شعائر دينك، فأنا أرى - بارك الله فيك - أنه لا يوجد هناك أي داعٍ للتفكير في الهجرة من هذه البلاد إلى البلاد العربية أو الإسلامية.

خاصة وأن معظم البلاد الإسلامية تعاني من أحوال غير مستقرة، سواء كان في الجانب الشرعي نفسه، أو في الجانب الاقتصادي أو السياسي، وهي تعاني حالة من حالات عدم الاستقرار، ومعظم هذه البلاد حتى لا تفكر أيضًا في السماح لغير من يحمل جنسيتها بالإقامة فيها بصورة كريمة، وإنما يفرضون عليه إقامات وغير ذلك، بل قد تجدين في بلاد الإسلام من المشقة ما لا تجدينه في هذه البلاد.

أنا أقول ذلك بحكم خبرتي وتجربتي، لقد زرت أمريكا وكندا، وزرت أوروبا الشرقية والغربية، وزرت الأميركتين، وزرت حتى نيوزلندا وغيرها، وأرى أن إخواننا من المسلمين الصادقين يعيشون حياة إسلامية أفضل من كثير من المسلمين الذين يعيشون في العالم العربي والإسلامي، فهم يحافظون على الصلاة في جماعة، والأخوات يلبسن النقاب والحجاب، ويلبسن الملابس الشرعية، ويمارسن حياتهنَّ بصورة طيبة وجيدة.

فأرى بارك اللهُ فيك أن تفهمي هذا الحديث من خلال هذا الفهم الذي عليه أئمة علماء المسلمين الآن، من أن أمريكا الآن تُصبح بلاد إسلام، المسلمون فيها قلة، ولكن أصبح فيها كم كبير يزيد عن أربعة أو ثمانية ملايين في بعض الروايات من المسلمين، وهذا رقم يساوي عدة دول من الدول العربية والإسلامية، ونحن نطمع - إن شاء الله تعالى – أن يكون لوجود هذه الجالية الإسلامية في أمريكا أثر في المستقبل في التأثير على القرار الأمريكي - بإذن الله تعالى – لو أن هؤلاء اتحدوا وكوّنوا فيما بينهم جمعية تخص المسلمين وحاولوا أن يكونوا صفًّا واحدًا، أعتقد أنهم سيلعبون دورًا مهمًّا جدًّا في سياسة أمريكا تجاه العالم العربي والإسلامي، خاصة تجاه بلدنا الحبيب فلسطين المحتلة.

هذا الحديث له ظروف خاصة، أما الوضع الذي أنتم عليه الآن بحكم معرفتي أرى أن هناك هامش كبير من الحرية في هذه البلاد للفتاة وللأسرة المسلمة.

ولكن المهم أن تكوني مطلعة على الأمور الشرعية التي تحتاجين إليها، وأن تكوني محافظة على هويتك الإسلامية من الذوبان، وأن تحرصي أن تتكلمي اللغة العربية ما دمت قادرة على ذلك، بمعنى أنك إذا كنت مع زميلاتك مثلاً في الكلية أو كنت مثلاً في خارج البيت من الممكن أن تتكلمي مع غير المسلمين باللغة الإنجليزية، أما في بيتك فأرى أنك تمنعين أهلك من الكلام باللغة الإنجليزية وتتكلمون باللغة العربية، وتحاولون أن تجتمعوا حول قراءة ورد قرآني بصفة يومية منتظمة أو شبه منتظمة، حتى تحافظوا على لغة القرآن ولغة الإسلام حتى لا تتحولوا إلى عجم، لأنه مع الأسف الشديد أن بعض المهاجرين فقد هويته الإسلامية وفقد لغته العربية، لأنه انبهر بهذه البلاد، وأُعجب بها فنسي أو تناسى لغته العربية، بل نسي أو تناسى الإسلام وأصبح – والعياذ بالله – لا يعرف من الإسلام إلا اسمه ولا من المصحف إلا رسمه.

أما ما دام الإنسان محافظًا على دينه، ومرتبطًا بجماعة المسلمين، ويصلي مع المسلمين في الجماعة، وله دور فاعل، وأنت تستطيعين أن تلعبي دورًا كبيرًا جدًّا في حفظ أخواتك المسلمات على عفّتهنَّ وحيائهنَّ وحجابهنَّ، وألا يقعن في براثن هذه البلاد التي تُعاني من الغفلة وتعاني من الإباحية القاتلة ما الله به عليم.

إذن أقول: اهدئي وقري عينًا، على الأقل حتى تنتهي من مرحلتك الدراسية، ثم بعد ذلك لكل حادث حديث ولكل مقام مقال، إن شئت بعد ذلك أن تتركي هذه البلاد إلى بلاد إسلامية فيها الإسلام قائم – وهذا بلا شك أفضل – أو أقمت بين إخوانك المسلمين في هذه البلاد ومساعدتهم في إقامة صرح الإسلام العظيم، وتكوين المجتمع المسلم الراقي القادر على التحدي الذي يُثبت لهؤلاء أن المسلمين أذكى، وأنهم أفضل، وأنهم أرقى خُلقًا ودينًا واستقامة، وأنهم بحقٍ خير أمة أخرجت للناس كما وصفهم مولاهم جل جلاله.

عليك دور كبير في تحسين صورة الإسلام في نظر غير المسلمات اللواتي يتعاملن معك، وعليك دور كبير في الحفاظ على هويتك وهوية الأسرة، فاجتهدي في طلب العلم الشرعي، وحافظي على قيمك وثوابتك، وأبشري بفرج من الله قريب.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • ليبيا ali

    هذا ألكلام مخالف لشريعة الله سبحانة وتعالة
    حكم الهجرة إلى ديار الكفار، والعيش بين ظهرانيهم،
    والتجنس بجنسية إحدى الدول الكافرة


    من الأمور التي عمت بها البلوى وطمت في هذا العصر، حرص طائفة من شباب المسلمين، سيما النوابغ منهم في مجال الفيزياء، والرياضيات، والطب، ونحو ذلك، وشيوخهم على العيش في دار الكفر، والاجتهاد في نيل جنسياتهم، والتشبث بذلك.
    أغراض أولئك القوم متباينة، وجلها لا يخرج عن دائرة حظوظ الدنيا الفانية.
    >فمنهم المعجب بحضارتهم وبطرق معايشهم، الراغب في تقليدهم – وهؤلاء أحط وأخس الجميع.

    >ومنهم من همه رغد العيش، ودافعه لذلك الحصول على تعليم أبنائه، وضمان علاجهم، واستقرارهم مادياً.

    ومنهم من غرضه جمع المال وكنزه.

    >ومنهم من غرضه الدعوة إلى الله عز وجل.
    ومنهم المضطر الذي لم يجد بلداً يأويه من بلاد الإسلام، فقد ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فمكره أخاك لا بطل.
    وهذا الصنف الأخير هو الوحيد الذي يحل له العيش في دار الكفر إلى حين، وكذلك من ذهب لتحصيل علم أوعلاج لم يجده في ديار المسلمين، أولتجارة، وعليهم أن لا يركنوا إلى ذلك، لأن الضرورات تبيح المحظورات، أما من سواهم فلا يحل لهم العيش والبقاء في تلك الديار وإن كان غرضهم وهدفهم الدعوة إلى الله، لأن علة التحريم الكفر، خشية أن يرتد أحد من أصلابهم، من أبنائهم أوأحفادهم: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه، أوينصِّرانه، أويمجِّسانه"، والعيش في البيئات الكافرة مدعاة لذلك، هذا بجانب مظاهرتهم للكفر والكافرين، وتشبههم بأعداء الملة والدين، وصدهم مسلمي تلك البلاد عن الهجرة الواجبة عليهم إلى دار الإسلام إن تيسرت لبعضهم أولأحدهم، الآن أومستقبلاً.



    من أفتى بحرمة ذلك

    ما فتئ العلماء يحذرون ويفتون بخطورة ذلك في جميع العصور، قبل وبعد الهجرة العكسية، منهم على سبيل المثال لا الحصر*:

    1.العلامة ابن حزم رحمه الله، حيث قال: (قد علمنا أن من خرج من دار الإسلام إلى دار الحرب فقد أبق عن الله تعالى، وعن إمام المسلمين وجماعتهم، ويبين هذا حديثه صلى الله عليه وسلم: "أنه بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين"، وهو عليه السلام لا يبرأ إلا من كافر.

    إلى أن قال: فصح بهذا أن من لحق بدار الكفر والحرب مختاراً محارباً لمن يليه من المسلمين فهو بهذا الفعل مرتد له أحكام المرتد كلها، من وجوب القتل عليه متى قدر عليه، ومن إباحة ماله، وانفساخ نكاحه، وغير ذلك، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبرأ من مسلم.

    وأما من فر إلى أرض الحرب لظلم خافه، ولم يحارب المسلمين ولا أعانهم عليه، ولم يجد في المسلمين من يجيره، فهذا لا شيء عليه، لأنه مضطر مكره).1

    وقال في موضع آخر2 : (من لحق بأرض الشرك بغير ضرورة فهو محارب، هذا أقل أحواله إن سلم من الردة بنفس فراقه لجماعة الإسلام وانحيازه لأرض الشرك).

    لا شك أن المضطرين للسكنى والتجنس حكمهم يختلف، قال تعالى: "إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ..."3 ، فهناك فرق بين من اضطر لذلك ودفع إليها دفعاً وبين من ذهب طائعاً مختاراً لها.

    2. ابن رشد رحمه الله، حيث قال: (فصل: فإذا وجب بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة، أن على من أسلم ببلد الحرب أن يهاجر، ويلحق بدار المسلمين، ولا يثوي بين الكافرين، ويقيم بين أظهرهم، لئلا تجري عليه أحكامهم، فكيف يباح لأحد الدخول إلى بلادهم، حيث تجري عليه أحكامهم في تجارة أوغيرها، وقد كره مالك رحمه الله تعالى أن يسكن أحد ببلد يُسب فيه السلف4، فكيف ببلد يكفر فيه بالرحمن، وتعبد فيه من دونه الأوثان، ولا تستقر نفس أحد على هذا إلا وهو مسلم سوء مريض الإيمان).5

    3. الشيخ أحمد بن يحيى الونشريسي الفقيه المالكي المتوفى 914هـ، وقد كتب في ذلك فصلاً6 بعنوان: "أسنى المتاجر في بيان من غلب على وطنه النصارى فلم يهاجر، وما يترتب عليه من العقوبات والزواجر"، قال الونشريسي: (ومن خالف الآن7 في ذلك أورام الخلاف من المقيمين معهم والراكنين إليهم، فجوز هذه الإقامة، واستخف أمرها، واستسهل حكمها، فهو مارق من الدين، ومفارق لجماعة المسلمين، ومحجوج بما لا مدفع فيه لمسلم، ومسبوق بالإجماع الذي لا سبيل لمخالفته وخرق سبيله).8

    4. الشيخ عثمان دانفوديو في رسالة له مكتوبة بخط اليد.

    5. سئل الشيخ محمد رشيد رضا عن تجنس المسلم بجنسية تنافي الإسلام – كما هو حاصل في بلاد تونس آنذاك – وما يتضمنه هذا التجنس من إنكار ما هو معلوم من الدين ضرورة، والوقوف مع الكفار عسكرياً لقتال المسلمين9 ، فكان جوابه: (إذا كانت الحال كما ذكر في هذا السؤال، فلا خلاف بين المسلمين في أن قبول الجنسية ردة صريحة، وخروج عن الملة الإسلامية، حتى أن الاستفتاء فيها يعد غريباً في مثل البلاد التونسية التي يظن أن عوامها لا يجهلون حكم ما في السؤال من الأمور المعلومة من الدين ضرورة.

    إلى أن قال: إن قبول المسلم لجنسية ذات أحكام مخالفة لشريعة الإسلام خروج من الإسلام، فإنه رد له، وتفضيل لشريعة الجنسية الجديدة على شريعته، ويكفي في هذا أن يكون عالماً بكون تلك الأحكام التي آثر غيرها عليها هي أحكام الإسلام، فلا يعامل معاملة المسلمين، وإذا وقع من أهل بلد أوقبيلة وجب قتالهم حتى يرجعوا).10

    6. وجاء في فتوى لجنة مصر برئاسة الشيخ علي محفوظ11 على سؤال: "ما قول العلماء في مسلم تجنس بجنسية أمة غير مسلمة، اختياراً منه، والتزم أن تجري عليه أحكام قوانينها بدل أحكام الشريعة، ويدخل في هذا الالتزام أن يقف في صفوفها عند محاربتها ولو لأمة مسلمة، كما هو الشأن في التجنس بالجنسية الفرنسية الآن في تونس؟".

    الجواب: (إن التجنس بجنسية أمة غير مسلمة على نحو ما في السؤال، هو تعاقد على نبذ أحكام الإسلام عن رضا واختيار، واستحلال لبعض ما حرم الله، وتحريم لبعض ما أحل الله، والتزام لقوانين أخرى يقول الإسلام ببطلانها، وينادي بفسادها، ولا شك أن شيئاً واحداً من ذلك لا يمكن تفسيره إلا بالردة، ولا ينطبق عليه حكم إلا حكم الردة، فما بالك بهذه الأربعة مجتمعة في ذلك التجنس الممقوت).12

    7. وقال الشيخ يوسف الدجوي13 عندما استفتي في هذه المسألة: (إن التجنس بالجنسية الفرنسية، والتزام ما عليه الفرنسيون في كل شيء حتى الأنكحة، والمواريث، والطلاق، ومحاربة المسلمين، والانضمام إلى صفوف أعدائهم، معناه الانسلاخ من جميع شرائع الإسلام، ومبايعة أعدائه على أن لا يعود إليه، ولا يقبلوا حكماً من أحكامه بطريق العهد الوثيق، والعقد المبرم.

    إلى أن قال: وإنا نرى شبهاً كبيراً بين من يختار أن يسير على شريعة الفرنسيين دون شريعة المسلمين، وبين جبلة بن الأهتم الغساني حين لطم الفزاري فأراد عمر أن يقتص منه، فلم يرض بحكم الدين، وفر إلى الشام مستبدلاً الإسلام بالمسيحية).14

    8. ويقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ: (والإقامة ببلد يعلو فيها الشرك والكفر، ويظهر الرفض، ودين الإفرنج، ونحوهم من المعطلين للربوبية والألوهية، وترفع شعائرهم، ويهدم الإسلام والتوحيد، ويعطل التسبيح، والتكبير، والتحميد، وتقلع قواعد الملة والإيمان، ويحكم فيهم بحكم الإفرنج واليونان، ويشتم السابقون من أهل بدر والرضوان15، فالإقامة بين أظهرهم والحالة هذه لا تصدر من قلب باشره حقيقة الإسلام والإيمان).

    9. والشيخ محمد بن سُبَيِّل إمام وخطيب المسجد الحرام حفظه الله، كما جاء في بحثه الذي نشر بمجلة المجمع الفقهي16.



    الأدلة على حرمة ذلك

    استدل المحرمون لهجرة المسلم إلى دار الكفر والسكنى بين ظهرانيهم من غير ضرورة ملحة بالآتي:
    قوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا. إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً. فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورًا"17.
    فإن كان هذا الوعيد في أهل البلد الأصليين من المسلمين، فكيف بهجرة المسلمين من دار الإسلام إلى دار الكفر، الهجرة العكسية؟!

    فالهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام باقية إلى يوم القيامة، وكذلك هجر المعاصي والذنوب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها".18
    وعن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبايع، فقلت: يا رسول الله، ابسط يدك حتى أبايعك، واشترط عليَّ فأنت أعلم، قال: "أبايعك على أن تعبد الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتناصح المسلمين، وتفارق المشركين"19 ، فقد ألحق رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث مفارقة المشركين بأركان الإسلام، حيث قرنها بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة.

    >وبما خرجه الترمذي وغيره20 أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية إلى خثعم فاعتصم ناس بالسجود، فأسرع فيهم القتل، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمر لهم بنصف العقل - أي الدية - وقال: "أنا بريء من كل مسلم يقوم بين أظهر المشركين"، قالوا: يا رسول الله ولِمَ؟ قال: "لا تتراءى نارهما".
    وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تساكنوا المشركين، ولا تجامعوهم، فمن ساكنهم أوجامعهم فهو منهم".
    إذا كان هذا الوعيد فيمن يعايش الكفار والمسلمين إلى حين، فكيف بمن يرغب ويحرص على التجنس بجنسيتهم، والاندماج في مجتمعهم، والخضوع إلى قوانينهم ودساتيرهم، لا شك أنه أشد وأخطر؟ كما أن أهداف المهاجرين تختلف، كذلك أهداف المتجنسين بجنسيات الكفار تختلف.



    النواقض والمخاطر المترتبة على التجنس بجنسية إحدى الدول الكافرة

    نواقض الإسلام والمخاطر والمخالفات الشرعية المترتبة على تجنس المسلم بجنسية إحدى الدول الكافرة والمشركة عليه، وعلى زوجه، وذريته، وأحفاده من بعده لا تحصى كثرة، ولكن نشير إلى أخطرها:
    >أخطرها إجبار المتجنسين للدخول في الجيش، وعلى التجنيد الإجباري، ومن ثم أن يخوضوا كل الحروب التي تخوضها البلاد المتجنسين بجنسيتها ولو كانت ضد الدول الإسلامية، كما حدث الآن في العراق وأفغانستان.

    l>إلزام سائقي سيارات الأجرة - وهو عمل مفضل للشباب المسلم المهاجر لكثرة عائده – أن يوصلوا من يركب معهم إلى الكنائس، ومحلات الخنا، والخمارات، ونحوها.

    قد يطلب منه التجسس على إخوانه المسلمين.

    >الالتزام بقوانين الكفار، ونبذ شرع الله في فقه الأسرة، في الزواج، والطلاق، والميراث.

    >الأطفال في تلك الدول الكافرة ملك للدولة، ولا ينبغي لأوليائهم أن يمنعوهم من ممارسة كل ما يهوونه بطريق مشروع وغير مشروع، أو يجبروهم على طاعة، فلا يستطيع الأب المسلم المتجنس بل المقيم أن يضرب ولده على الصلاة مثلاً، رداً لقوله صلى الله عليه وسلم: "مروهم بها لسبع، واضربوهم عليها لعشر".

    l>لا يمكَّن الولي من تزويج ابنته إلا إذا بلغت السن القانونية عندهم، أما الزنا واتخاذ الصَّديق فهذا من المباحات.
    في حال الزواج بكتابية كافرة 21 يمكن لزوجه الكافرة مثلاً:
    >أن تحرق زوجها إذا مات في أقرب محرقة وأرخصها، فقد أحْرِق سوداني متزوج من كافرة، فعندما جاء البعض ليعزي فيه قدمته لهم رماداً في قارورة.

    >حرمان جميع الورثة من ميراثه سواها وأبنائها.

    >تستأثر بالأولاد وتحول بينهم وبين أوليائهم وعشيرتهم.
    في حال الانفصال يحال بين الزوج المسلم وبين أبنائه، ولا يمكًّن من الاقتراب منهم، دعك من أن يتولى تربيتهم أويصحبهم معه إلى بلده، إذ لا يسمح بذلك قانون تلك البلاد.
    >احتمال أن تتزوج البنت بكافر أومشرك إن شاءت، وقد حدث للعديد منهن، وهذا هو الزنا بعينه.

    >احتمال ارتداد أحد من صلبه ولو في الأجيال المتأخرة.

    >تعلق الأبناء والبنات بالعيش هناك، وعدم الخروج من تلك البلاد، بسبب الجهل وقلة الوازع الديني.

    >تعطيل شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

    >عدم التمكن من إظهار كثير من الشعائر الدينية، رفع الأذان بمكبرات الصوت، ورفع الصوت بالتكبير في الأعياد وأيام التشريق.

    >ألفة الممارسات الشركية والمعاصي.

    l>مشاركة الكفار في أعيادهم ومناسباتهم.

    >التجنس بجنسية الكفار والعيش بين ظهرانيهم مدعاة لموالاتهم، ومظاهرتهم، والتشبه بهم، وقد توعد الله ورسوله المظاهرين للكفار والمشركين والمتشبهين بهم.

    نبذه بلسان الحال إن لم يكن بالمقال لشرع الله عز وجل، وتفضيله لشريعة عباد الصلبان والأوثان.

    >تكثير سوادهم، خاصة في دول أسكندنيفيا وكندا حيث قلة السكان.

    >حرمان بلاد المسلمين من خيرات ذوي الكفاءات منهم.

    >موالاة الكفار.

    l>عمل بعضهم في خدمة الكفار، سائقاً أوطباخاً مثلاً، وهذا لا يحل.

    >إذا عزم المهاجر على الرجوع تمردت عليه زوجه وأولاده، لاستمرائهم العيش هناك.

    >المهاجرون إلى ديار الكفار والمتجنسون بجنسياتهم سيما المتدينون منهم أصبحوا أسوة لغيرهم في الشر، وسنوا سنة سيئة، وقد توعَّد الشارع من سن سنة سيئة.

    >زادت المخاطر، واشتد الخطب بعد الحرب الصليبية التي شنتها أمريكا وحلفاؤها على الإسلام والمسلمين الآن، في ديار الإسلام والكفر على حد سواء، حيث ضيِّق على المسلمين، وحُرموا الحرية التي كانت تمكنهم من أداء الواجبات الشرعية، وجرت محاولات تغيير للقوانين في بريطانيا، وفرنسا، وأمريكا، وغيرها، حتى يحدوا من تمسك المسلمين بدينهم، ولا أدل على ذلك من منع الفتيات المسلمات المتحجبات من دخول الجامعات، والقيام بإغلاق بعض المساجد، وطرد أئمتها، والحظر عليهم وعلى أموالهم.
    تدجين بعض المهاجرين والمتجنسين كما دجن إخوانهم المستكينون من المسلمين من قبل في الأندلس.
    هذا قليل من كثير، ونذر يسير من شر مستطير.

    والله أسأل أن يردنا وجميع إخواننا المسلمين إليه رداً جميلاً، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يجنبنا الاستنكاف والاستكبار عن قبول النصيحة، وأن لا يجعلنا فتنة للذين كفروا، ولا للذين آمنوا، إنه جواد كريم.

    والحمد لله الذي أعزنا بالإسلام، وشرفنا بالانتساب إلى ملة خير الأنام، وصلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه الكرام، ورضي عن عمر الفاروق القائل: "لقد أعزنا الله بالإسلام، فمن أراد العزة في غيره أذله الله".

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً