الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أنا شخصية نظامية وطموحة، ومشكلتي أني أحمل هم كل شيء، فما نصيحتكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أملك شخصية همامة منذ زمن طويل ونظامية، أحب أن يكون لي نظام في جدول أعمالي وترتيبي وعلاقاتي ومذاكراتي، فآخذ الشيء على خطوات ومراحل وطموحة - والحمد لله - في تعلم كل ما أراه ينقصني، وجادة لعمل وتنفيذ ما أنويه وأطمح له، بأسرع وقت وعلى أتم وجه وأقوى تركيز.

المشكلة أني أحمل هم كل شيء مهما كان سهلاً، وأشعر أني إن لم أحمل هم الشيء فإني لا أنجزه، وإن أنجزته لم يكن على الوجه المرضي، فأظل مشغولة البال ومشدودة الأعصاب حتى أعمل ما أريد، وهذا يؤثر على صحتي وعلى حياتي، حتى انقلبت هواياتي التي أحبها إلى هموم، وطموحاتي إلى خطط صعبة، لكن بإمكاني إتمامها مع الجد والكد.

أصبحت أتشاغل عن عمل هواياتي بأشياء كثيرة أخرى وثانوية؛ هروباً منها حتى أشعر بالرغبة للوقت المناسب للقيام بما خططت به، لكني بالمقابل إذا بدأت بالعمل الذي أحمل همه، فإني أنخرط تماماً (شرط أن يصير لي مزاج أعمله) فأنهيه بسرعة فائقة، وحينها أشعر بسعادة عظيمة جداً.

فمثلاً اليوم، وضعت في جدولي اليومي تنظيف البلكونة، قراءة الكتاب الذي أحبه وأتمنى قراءته منذ أشهر، مراجعة قرآن، كي الملابس ... إلخ، فأخذت أتشاغل بقراءة أشياء أخرى على اللابتوب وببعض المكالمات الهاتفية، مع أني لم أشعر بالراحة وأنا أتكلم بالهاتف، بل وأزعج الآخرين بتذكيرهم بهمومي من كي وقراءة ووو ... إلخ.

لكن ليست لي الرغبة والحماس لقراءة الكتاب، لكن حين بدأت في تنظيف وشطف البلكونة والدرج ( العمل الذي كنت أنويه من أكثر من أسبوعين)، لم يأخذ ذلك مني سوى 25 دقيقة تقريباً، بعدها أحسست بسعادة الإنجاز وعظمته، لكن طوال اليوم كنت مهمومة ولازلت؛ لأني لم أقرأ بعد كتابي الذي أحبه، ولم أكو الملابس ولم ولم ...!

مشكلتي مع القراءة؛ حيث أني أؤمن بضرورتها وقوتها فجمعت كتباً كثيرة إليكترونية وورقية منذ سنين، لكن أشعر أنني يجب أن أتعلم القراءة السريعة، ويجب أن أقرأ كل هذه الكتب حتى لا يفوتني شيء.

فمتى أتخلص من الهم؟ ومتى تصبح الأمور سهلة عندي وتتعزز ثقتي بنفسي بأني لا ينقصني بناء نفسي من الصفر في كل مجال؟ وأين التوكل في الموضوع؟ كيف أستمتع بأعمالي وهواياتي؟ متى أتخلص من النكد؟ وكيف تنجز الناس الكثير من الأعمال بدون توتر ولا كثير هم؟

جزاكم الله خيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أسرار حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرا لك على الأسئلة والكتابة إلينا.

من الواضح أنك من أصحاب الشخصية المنجزة والتي تميل للكمال، حيث كل ما تريد أن تقوم به يجب أن يكون بشكل "كامل"، وإلا فهي التعاسة والشقاء!!

وأصحاب مثل هذه الشخصية هم عادة أناس ناجحون في حياتهم الخاصة والعامة والمهنية، إلا أنهم يتعبون من شدة متابعتهم وتدقيقهم على ما يقومون به، أو بودهم أن يقوموا به. فكل شئ يجب أن يكون "بيرفيكت" أو تام الاكتمال!

وقد يضع الواحد منهم جدولا يوميا مفصلا، وكما حصل معك في الرسالة، وربما برنامجا أسبوعيا أيضا، إلا أنه قد لا ينجز كل ما خطط له، وهذا مما يزيد ألمه وصعوباته، فيعود من جديد لوضع برنامج آخر، وهكذا وحتى يصل الشخص إلى حالة من الإنهاك والتعب.

وقد لا يعود الشخص يستمتع حتى بهواياته المختلفة، والتي هي في الأصل للشعور بالمتعة والراحة، إلا أنها تنقلب إلى عمل شاق يأخذ منه كل الجهد وكل الوقت، وأيضا كما حصل معك.

صحيح "إن الله كتب الإحسان على كل شئ" وأن هذه دعوة لإتقان العمل، وهو أمر مطلوب منها، إلا أنه ربما يفيد لهذا الشخص أن يخفف قليلا من الرغبة في أن تكون الأعمال كاملة، لأن ما زاد على حده انقلب إلى ضده. ليكن هناك شئ من الاسترخاء أو التراخي في هذه الأعمال، وليحاول الشخص الاستمتاع بالعمل بحدّ ذاته، وليس فقط بالنتيجة الكاملة.

حاولي أن تضعي لنفسك برنامجا يوميا، ولكن على أن يكون مختصرا، فلا تجعليه مزدحما بكثرة الأعمال، ليساعدك هذا على تنفيذ ما خططته، وإذا كانت هناك أعمال إضافية بعد أن تنتهي فلا بأس، ويكون هذا زيادة لك. وستلاحظين بعد فترة قصيرة أنك بدأت تستمعي بالعمل من دون الهمّ الذي كان يشغل بالك، وبأنك وبالتدريج تنجزين ما تريدين.

وفقك الله ويسّر لك التوفيق والنجاح.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً