الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

طلقت مرتين فتأثرت نفسيتي بذلك؛ فأنقذوني مما أنا فيه

السؤال

لا أعرف من أين أبدأ؛ أمن الحزن الذي بداخلي ويكاد يقتلني أم من اللحظة التي تدمرت بها حياتي؟!

منذ كنت في المدرسة الثانوية كنت طالبة متفوقة في الدراسة, لكني كنت خجولة بعض الشي, وعلاقاتي كانت محدودة، وبعد الثانوية أردت أن أدرس موضوعًا مميزًا - وهو هندسة البناء - وسجلت في الجامعة, لكني لم أحصل على علامة عالية في امتحان قبول الجامعة؛ لذلك انتقلت إلى كلية لدراسة نفس الموضوع, إلا أن أهلي لم يعجبهم, وطلبوا مني دراسة مجال الحاسوب, وكنت أحصل على علامات جيدة حتى السنة الثانية.

بدأت أعمل أيضًا, لكني بدأت أقصر في الدراسة, إلى أن انقطعت عن الدراسة نهائيًا, بعدها لا أعرف ما الذي حصل! إلى أن ترقيت في عملي, وأصبح لي مشروع مميز أعمل ضمنه, ولم تمر فترة طويلة إلى أن تغير رئيس عملي, وتبين أن مصلحته هو وأعوانه في تسريحي من هذه الوظيفة, وقد حاولتْ عددٌ من المؤسسات أن تبني مشروعي, لكن اليأس ملأني, وتقاعدت في البيت, وتراكمت عليّ الديون, وبعد أشهر وجدت وظيفة, وبدأت أعمل.

تقدم لي ابن عمي لخطبتي, فقام أهلي بإقناعي, ووافقت عليه, وقد اقتنعت أن هذا قدري, وقد كان أصغر مني بسنة.

في فترة الخطبة لم يحاول الاتصال بي أو التكلم معي, وبدا لي أن شخصيته ضعيفة, فأردت فسخ الخطبة, إلا أن أبي أجبرني على الزواج منه, وفجأة لم أشعر بشيء إلى أن تزوجت, وبعدها كأني استيقظت من غيبوبة, فبدأت تعاستي, ولم أشعر بالسعادة, ولم نتوافق في شيء, وشعرت أنه إنسان ضعيف, وبدأ يعاندني, ولم يحسسني بأني امرأته, بل خادمته, وذلك من الأسبوع الأول من زواجنا, فقررت الانفصال؛ لأني عانيت الكثير طوال السبعة الأشهر, وفي ذلك الوقت كان أهله قد زوجوه من أخرى, وحينها وقف أهلي إلى جانبي, فوافق على الطلاق بعد دفع مبلغ من المال, وبناء عليه أخذت قرضًا من البنك مع فوائد كبيرة.

وبدأت مرحلة جديدة من حياتي, وكنت سعيدة؛ لأني تخلصت من هذا القدر, ولم أهتم كثيرًا بأني أصبحت مطلقة, رغم المجتمع ونظراته إليّ, ولمدة 7 سنوات كان يملؤني الأمل بأني سأجد الإنسان المناسب الذي سيعوضني عن كل شيء, لكن حياتي كانت صعبة, فأنا أحاول أن أتقدم في الدراسة والعمل, ولا أصل إلى ما أريد, ومما زاد الهمَّ القرض, والشيء الأهم هو تركي للصلاة, وأخطاء قمت بها لم أشعر بأني مخطئة, ولم أشعر بوجود الله ومحاسبته لي, إلى أن جاء اليوم الذي قررت فيه أن أتوب إلى الله, وأتوقف عن تلك الأخطاء, ومرت 5 أشهر إلى أن تعرفت على شاب, وأحببته وأحبني خلال فترة قصيرة, وقد كان من عائلة ثرية, لكنه كان متزوجًا, وقد وثقت به كثيرًا, ولم يمر أسبوعان حتى فاتحني بالزواج, وقد كنت أشعر بأني أعرفه منذ زمن بعيد, وهو كذلك, والأمر أننا كنا نفهم بعضنا بشكل كبير, ووافقت عليه رغم ظروفه - له زوجة وأولاد - وتفهمت ذلك, وقلت لنفسي: هذا قدري, وزوجته وأهلها عارضوا بشدة, لدرجة تهديدي وإبعادي عنه, وبأنها ستقوم بعمل سحر لي لتطليقي منه بعد زواجي, ومحاوله التأثير عليه والمس من شرفي.

أبناء عمومتي لم يوافقوا؛ لأنه من عائلة لا تناسبنا, وأصبحت سيرتي أنا وهو على كل لسان, ورغم هذا لم يهتم, وعمل المستحيل, فجهز بيتًا كاملاً, ودفع مهرًا عاليًا, وفرض الأمر على زوجته وعائلته, وبعد شهر من معرفتي به تمت الخطبة - بموافقة أهلي - لمدة شهر, وبعدها تزوجنا.

وقد كنا أسعد اثنين, وعشت معه أجمل أيام حياتي في الشهر الأول من زواجنا, إلى أن بدأت الأمور تختلف فجأة خلال أسبوع واحد, فقد أصبح إنسانًا آخر, وأصبح غير متحمس معي, وصار يهتم لأمر زوجته, ويزورهم كثيرًا في بيتهم, ويتهرب من الجلوس معي بحجة العمل, ويشكو دائمًا من ألم بصدره ورأسه! ويغضب مني من أي شيء, وبعدها طلب مني أن يصطحبني إلى بيت أهلي, ثم قال لي: إنه يشعر بتعب, وسوف يتصل بي, وعندما شعرت بهذا التغيير خفت, واتصلت بأخيه وشرحت له الموقف, لكنه في اليوم التالي بعث يطلب الطلاق دون أن يواجهني, وأهله تدخلوا ومنعوه من الطلاق لمدة شهرين بحجة أنه مسحور, وأنا حاولت الاتصال به بشتى الطرق, ورجعت إلى صلاتي, ودعوت ربي كثيرًا, لكنه رفض وأصر على الطلاق, وطلقت للمرة الثانية.

تدمرت حياتي, وأصبحت أخجل من أهلي وأبناء عمومتي والناس كلهم, وتركت عملي ودراستي, لماذا فعل بي هذا ودمرني؟ لماذا وعدني ودخل حياتي ثم دمرني؟ لقد خسرت كل شيء: الأمل بأني يومًا ما سأعيش سعيدة, طموحي, حياتي كلها.

أنا أذهب الآن لمعالجة نفسية, ولكني لا أشعر بتحسن, ولا أشعر بأن هناك حياة, فكل شيء بداخلي مات, وتركت الدراسة, ولا أشعر بالميل للتعليم, وأصبحت أشعر أني غريبة في هذا العالم.

ساعدوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أسماء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت, وعن أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يفرج كربتك، وأن يقضي دينك, وأن يغفر ذنبك، وأن يستر عيبك، وأن يعوضك عمّا فقدت خيرًا، وأن يجعل مستقبلك خيرًا من يومك وأمسك، وأن يجعلك من سعداء الدنيا والآخرة، وأن يمنّ عليك بزوج صالح طيب مبارك يكون عونًا لك على طاعته ورضاه.

وبخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة – فإني أحب أن أقول لك: إنك ما زلت في سن مرغوبة، فسن السابعة والعشرين ليست بسن كبيرة، ولقد خُضتِ تجربتين مريرتين حقًّا، ولكن هناك من أخواتك وزميلاتك وصديقاتك من وصلن إلى الثلاثين ولم يخضن أي تجربة إلى الآن.

فأنا أقول: إن هذه التجارب التي حدثت لك هي أولاً بقدر الله سبحانه وتعالى، ويبدو من رسالتك أنك إنسانة متميزة، وأنك إنسانة حريصة على التفوق والتميز، وأعتقد أن مثلك لا يعرف الهزيمة والاستسلام، وهذا هو الدين أيضًا، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم – حثنا دائمًا على أن نطلب معالي الأمور، ولذلك كان يُحب معاليها, وكان يكره سفاسفها، وكذلك أيضًا أمرنا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (سددوا وقاربوا), ومعنى سددوا: احرصوا على أن تكونوا في القمة، وأن تصيبوا المائة بالمائة، فإن لم تكونوا كذلك فلا أقل من أن تكونوا قريبين من ذلك، والمسلم - كما تعلمين - لا يعرف اليأس أبدًا، ولا يتطرق إليه القنوط أو الإحباط؛ لأنه يعلم أن كل شيء بقضاء الله وقدره، ويعلم أن كل ما يصيبه فهو خير له، وهذا ما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم – عندما حدثنا بقوله: (عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير, وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء – أي شيء يسره ويفرحه – شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء – أي شيء يؤذيه ويضره – صبر فكان خيرًا له).

فالمسلم في جميع الأحوال رابح، وفي جميع الأحوال فائز، وفي جميع الأحوال غانم، فأنت الآن خرجت من عبادة إلى عبادة، من عبادة الشكر إلى عبادة الصبر، وأنت لا تدرين بأي حال يرضى الله تبارك وتعالى عنك، والدنيا مدرسة واسعة، والمتميزون قلة، والمتميزون هم الذين يتعرضون لأكبر قدر ممكن من المشاكل، وبما أنك إنسانة متميزة تعرضت لمثل هذه التجارب, ولم يتحقق ما تشتهينه وما تتمنينه إلى الآن، فليس معنى ذلك أن الأمر قد انتهى، وأن الحياة قد توقفت عند هذا الحد، فنحن في التاريخ قرأنا عن صحابيات تزوجت الواحدة منهنَّ أكثر من عشرة رجال، وهي امرأة صالحة من الصحابيات.

فأتمنى - بارك الله فيكِ - ألا تقفي طويلاً أمام هذه المحطات المؤلمة والذكريات المحزنة، وإنما عليك أن تتجاوزي ذلك إلى عالم آخر، وأن تعلمي أن الله على كل شيء قدير، وأنه له ملك السموات والأرض، وأن الزواج من قدره سبحانه وتعالى، فما دام الأمر بيده، وما دام الزواج في خزائنه، فعليك بالتوجه إليه سبحانه وتعالى جل جلاله وحده.

أرى - بارك الله فيكِ - أن تركزي كل جهدك الآن على حسن العلاقة مع الله تعالى, والاستقامة على منهج الله، واجتهدي في أن تدافعي هذا التوتر, وهذا الاكتئاب, وهذا الإحباط, وهذا اليأس بكل قوة؛ لأن هذه في حد ذاتها أمراض نفسية تؤدي إلى أمراض بدنية قاتلة، وتؤدي أيضًا إلى ضعف الهمة, وانعدام العزيمة.

أتمنى - بارك الله فيكِ - أن تجتهدي في العودة إلى عملك مرة أخرى؛ لأن ترك العمل لن يحل المشكلة, وأنت الآن دخلت في مجموعة مشاكل بالانقطاع عن العالم، وصحيح أن هذا ينظر إليك, وذاك ينظر إليك, وهذا يشمت بك, وهذا يُشفق عليك، هذا وارد، ولكن هذا الأمر ليس في يدك، وأنت لم تدخلي فيه بإرادتك؛ لأن القدر ليس لك، وإنما القدر قدر الله تبارك وتعالى جل جلاله، والذي حدث هذا كان لابد أن يحدث، مهما حاولت أنت, ومهما استعملت كل الوسائل, فأعتقد أن الأمر ما كان يمكن أن تُفلتي منه أبدًا؛ لأن ما قدره الله كائن لا محالة، وهذه من تمام قدرة الله تعالى وملك الله جل جلاله.

فهذا الذي حدث كان مقدرًا ومكتوبًا عليك، ومعلوم لله تعالى قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، فعليك أن تصرفي عن نفسك هذا - غبار الابتعاد عن الواقع، والعيش في غيوبة الظلام، بعيدًا عن الأنوار, وبعيدًا عن الشمس والقمر، وبعيدًا عن الهواء الطلق - لأن الإنسان إذا عاش في مثل هذا الجو لابد أن يصاب بمجموعة من الأمراض, حتى وإن لم يكن مريضًا.

أتمنى أن تستعيني بالله تعالى, وتتوكلي على الله، وأن تقفي على قدميك مرة أخرى - أختي أسماء – وأن تبحثي عن عمل مناسب، وأن تجتهدي في مواصلة العملية التعليمية، واتركي قضية الزواج جانبًا, فالذي حدث هو قدر الله, وكان لابد أن يحدث، ولا ينبغي أن نظل نبكي على الأطلال، وإنما علينا أن ننظر للمستقبل بعين التفاؤل.

رسول الله - صلى الله عليه وسلم – كان مطاردًا من مكة – كما تعلمين – وخرج منها هاربًا بدينه مع صاحبه أبي بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه – وهو في الطريق يأتيه سُراقة بن مالك، وهو - صلى الله عليه وسلم – في حالة من الضعف الظاهر للعالم؛ لأنه رجل مطارد وسيعيش لاجئًا، ورغم ذلك بشّر سُراقة - رضي الله تعالى عنه – بأن يلبس سوراي كسرى وتاج كسرى، ودارت عجلة الزمن, وفي عهد عمر - رضي الله تعالى عنه – تحقق ما قاله - صلى الله عليه وسلم -.

الأحزاب على أبواب المدينة من كل مكان، ووصل عددهم إلى قُرابة العشرة آلاف مقاتل، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم – يحفر مع أصحابه الخندق، ورغم ذلك عندما جاءت صخرة كبيرة ضربها النبي - صلى الله عليه وسلم – بمعوله فخرج منها بعض الشرر، فقال: (الله أكبر، لقد زوى الله لي الأرض شرقًا وغربًا، ورأيت كذا), وظل النبي - صلى الله عليه وسلم – يُبشّر أصحابه بخزائن كسرى وقيصر, وبالمدائن عاصمة الفرس، وباليمن, والشام, ومصر، وهم في حالة ضعف، وتحقق كل ذلك.

فقومي وانهضي، ولا مانع من استعمال الرقية الشرعية إضافة للعلاج النفسي، واخرجي من هذا النفق المظلم، وعودي مرة أخرى للحياة، واعلمي أن الله قال: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.

واعلمي أن الأمر كله لله، فاستقيمي مع الله، وتوبي إلى الله، وحافظي على طاعة الله، وعليك بالدعاء، وأبشري بفرج من الله قريب.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً