الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أرد على من يقول لي: أنت ناقصة عقل ودين، لماذا أذم؟ لماذا أعاب؟

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم.

أنا فتاة مسلمة، أرغب بنصرة ديني والدفاع عنه، وأريد أن أحمل قضية ديني وأمتي، أريد أن أفتخر بديني في كل مكان، وأن أشعر بذلك فعلاً ولا يعقب أحد عليّ ولكن، ورد في الشريعة ما يسيء إلي! وما يعتبرني أقل من الرجل، حزنت كثيراً، قلت: ربما لم أفهم جيدا، ولكن كثيراً من العلماء يؤكدون ذلك.

احترت كثيراً بين من يؤولون تلك الأحاديث، ويصرفونها عن ظاهرها وكأن في معناها الأصلي شيئا معيبا، وبين من يقذفونك بها وكأنها أمر واقع يجب التسليم به دون أن يقولوا لنا كيف يكون شعورنا ونحن نسلم به.

لا أريد شيئا إلا أن أكون منسجمة مع نفسي أحب ديني حقا، وأدافع عنه حقا، لا نقلا لكلام لست مقتنعة به، أريد أن أعرف كيف أرد عندما يقول لي أحدهم أنت ناقصة عقل ودين لقد شبهت بالكلب والحمار - أعزكم الله -وخلقت من ضلع أعوج؟

بل أريد أن أعلم نفسي كيف تقبل هذه الآثار؟ كيف تؤمن أن الإسلام قد كرمها، وفي نفس الوقت تعتقد أنها ناقصة، وأنها خلقت من ضلع أعوج، وأنها شبيهة بالكلب والحمار؟

كيف تطلب العلم وهي طوال سيرها تتعثر في كل ما قيل عنها من علمائنا ومفسرينا وشراح حديث؟

لماذا دائما هي الجنس الأقل؟ ولماذا هي السيئة؟ ولماذا يحمل لنا تراثنا أنها ناقصة وسفيهة وجبانة وخلقت من ضلع أعوج، وتقطع الصلاة إن مرت تماماً كالكلب، والحمار، والشؤم فيها إلخ؟

سأقبل كل ما جاء عن رسول الله عني، ولكن كيف أروض نفسي على القبول وعلى الدفاع عن هذا أمام من يعيب علي هذا الأمر، كيف أعيش مع نفسي وأقبلها وأنا أعلم أنها سيئة إلى تلك الدرجة؟

لقد قرأت كثيرا من المواضيع والفتاوى في هذا الأمر ولكن أحدا منها لم يشف صدري ولم أحصل على الراحة التي أطلبها.

قد أقتنع بتعليل أحدهم لهذا الأمر أو ذاك؛ ولكن العصي إذا اجتمعت أبت أن تتكسر، لماذا يقع تحت بصري هذا الكم من النصوص والأقوال التي أشعر تجاهها بهذا الشعور؟

وهل الحل هو تعليلها واحدة واحدة، أم في الإيمان بها دون تعليل بغض النظر عما تثيره من مشاعر؟

لماذا أذم؟ لماذا أعاب؟ لماذا يقال عني كل هذا؟ وكيف أتعبد إلى الله بهذا؟
كيف سيكون شعوري؟ وأنا أعلم أن في كل تلك العيوب لا لشيء بل لمجرد أنني امرأة؟

لماذا تستهينون بشعوري وإحساسي؟ لأنكم ليس لديكم مشكلة؟
لأنكم تستطيعون أن تتعلموا ما تشاءون وتتزوجوا من تريدون وتكونوا قادة وكبارا وعظماء وتفرضون علي ألا أتعلم إلا أمورا محدودات تقولون أن هذا ما يفيدني ولا يلزمني شيئا آخر؟

تقولون أني لم أخلق إلا للزواج والإنجاب وليس لي مجال آخر، وليس لي أن أكثر الخروج من بيتي، كيف أساعدكم؟ كيف أنصركم؟ كيف أسعى لإقامة دولتكم؟

أرجوكم أجيبوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ shams حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد.

الحمد والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.

نشكر بتنا الفاضلة على تواصلها مع الموقع ونشكر لها هذه الشجاعة في طرح هذه المفاهيم، وهذه الأسئلة، ونبين لها أن هذه الأُغلوطات، وهذه المفاهيم لا توجد إلا في عقول من يرددوها ومن يتكلموا بها.

هذه المعاني لم ترد أصلاً في عقل عائشة، ولا في عقل صفية، ولا في عقل حفصة بنت سيرين، ولا في عقل سبعة عشر شيخة للإمام الشافعي، ولا في عقل إحدى وعشرين شيخة تتلمذ عليهم شيخ الإسلام ابن تيمية.

ولذلك أنا أريد أن أقول: ينبغي أن توضع مقاييس الشرع ومعايير الشرع في الإطار الذي جاءت فيه، ونحن - بكل أسف - لا زلنا نتعامل مع المرأة كما كان ذلك قبل الإسلام، وهذا خطأ ونقطة أرجو أن أنبه لها، فإن الناس دخلوا الإسلام وأصبحوا الهنود يعاملون المرأة كما كانوا يعاملونها قبل الإسلام، ودخل العرب الإسلام لكنهم ظلوا في كثير من الأحيان يتعاملون مع المرأة بشريعة أبو جهل، ودخل الهنود الإسلام وظلوا يتعاملون مع المرأة بشريعة الهندوس.

لكنني أريد أن أقول: ينبغي أن تكون العودة إلى النبع الصافي، إلى هدي النبي -صلى عليه وسلم- الذي لم يُوجد تكريم للمرأة كما وجد في عصره وعهده، فالمرأة قبل الرسول وبعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما نالتْ التكريم الذي نالته في صحبة رسولنا - عليه صلاة الله وسلامه - الذي اقتضتْ حكمة الله أن تكون والدته من البنات، فأكرمهنَّ وأحسن إليهنَّ.

والإسلام كرم المرأة أُمًّا فجعل الجنة تحت أقدام الأمهات، وكرمها بنتًا وأختاً، فجعل الجنة مكانا لمن أحسن للبنات والأخوات، وكرمها زوجة فقال: (خير الرجال: خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) بل إن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - هي فقيه الفقهاء، فقيه المحدثين وهي مرجع الفقهاء، وهي أول راوي في الإسلام، العلماء يعتبرون أمنا عائشة هي راوية الإسلام الأولى، فقد روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من الأحاديث النبوية ألفين ومئتين وعشرة أحاديث.

وحتى المكثرين من الصحابة كانوا يروون عن النبي وعن أبي بكر وعن عمر وعن كبار وكرام الصحابة، واستدركتْ عائشة على الصحابة -عليهم من الله الرضوان-.

ولذلك ينبغي أن نصطحب هذه المعاني، وينبغي أن نُحسن الفهم للنصوص، فالله تبارك الله وتعالى يقول: { ليس الذكر كالأنثى } في ماذا؟ في خدمة البيت، لأن الإنسان الذي يخدم البيت وينظف البيت - وكذا - غالباً تكون امرأة، لأن هذا مكانها.

{وليس الذكر كالأنثى} هذا الجزء من الآية قطعوه من سياقه، ثم جعلوه قاعدة، وهذا ليس صحيحًا، نستطيع أن نقول (ليس الأنثى كالذكر) ، (والله فضل بعضكم على بعض) فضل المرأة بزيادة العاطفة، وفضل الرجل بسيطرة العقل عليه، فإذا قلنا (المرأة ناقصة عقل) فنستطيع أن نقول الرجل (ناقص عاطفة) وليس هذا عيب في الرجل، ولا يكون هذا عيباً في المرأة.

وأيضًا لو وقفنا مع الحديث فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال هذا الحديث (ما رأيتُ من ناقصات عقل ودين أذهبُ لِلُبِّ الرجل الحليم من إحداكنَّ) هذا قاله في يوم عيد، قاله وهو يخاطب النساء في يوم بهيج، قاله - عليه الصلاة والسلام - قال هذا الكلام والنساء يتسابقن في البذل والصدقة.

وأيضًا لم أكملنا الحديث (أذهبُ للُبِّ الرجل الحليم من إحداكنَّ) ودائماً نحن نقول: هل الأشطر والأذكى والأفهم هو الحليم؟ أمِ التي تذهب بلبِّ الرجل؟!

فإذن نحن عندما نقول (ناقصة عقل) لا يعني ذلك ليس لها عقل وأنها مجنونة، هذا غير صحيح، وكثير من الأحكام الشرعية أخذها الصحابة من أمنا عائشة - رضي الله عنها - ولذلك ينبغي أن تُفهم هذه النصوص في إطارها.

والإسلام ما منع نُسيبة من نصر الإسلام، ولا منع صفية من قتل اليهود والدفاع عن الإسلام، ولا منع عائشة من تعليم الصحابة – عليهم من الله الرضوان - ولم يمنع خولة بنت الأزور من أن تجاهد وتنصر وتشارك، ولم يمنع أسماء بنت يزيد التي قتلت تسعة من رجال الروم وهي تدافع عن الإسلام في قيادة خالد بن الوليد - رضي الله عنهم وأرضاهم -.

فلستُ أدري من أين جاءت هذه المفاهيم السالبة الموجودة في مجتمعاتنا، والتي ربما ضخمها البعض وركز عليها وعزل المرأة لأجلها.

أنا أريد أن أقول للذي يقول للمرأة (لا تخدمي دينك ولا تعملي) هذا إنسان لم يفهم الإسلام، بل لم يفهم رسالة الإسلام، بل لم يقرأ سيرة خير الأنام - عليه الصلاة والسلام - فإن المرأة كانت مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في غزواته، وكانت مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في مسجده، وكانت مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في سوقه، وكانت مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حياته، والمرأة هي أم الرجال، فوراء كل عظيم امرأة.

لذلك أرجو أن نضع هذا الكلام في مقاييس العقل والشرع، هذا الدين الذي شرفنا الله تعالى وتبارك وتعالى به، والشرع ما ينبغي أن نأخذه من العادات، صحيح أن العادات هي التي تقول للرجل (شاورها وخالفها) ولكن الشريعة لا تقول هذا الكلام، والنبي - عليه الصلاة والسلام – شاور أم سلمة، وأخرجت بكمال عقلها الصحابة من ورطة وموقف عصيب جداً في يوم الحديبية - رضي الله عنها ورضاها -.

فإذن نحن ينبغي أن نتذكر هذه المعاني، ولستُ أدري من الذي قال لبتنا (لا تخدمي الإسلام، وأنت ناقصة، وأنت كذا وأنت كذا) هذه المفاهيم الواردة في السؤال غير واردة، ونتمنى إن كان عندها إشكالات أن ترصها أيضًا وسنكون على استعداد للمتابعة، بحيث تطرح الإشكالات - إشكالا إشكالا - وتبيِّن ماذا فهمت حتى نرد عليها ونصوب ما وُجد من خطأ في الفهم، وحتى هؤلاء الذين يُخطئون الإشكال في نفوسهم، الإشكال في عقولهم، ليس في هذا الدين العظيم الذي ساد الدنيا قروناً، والذي لا يمكن للدنيا أن تسعد إلا بالعودة إلى هذا الإسلام الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به.

أنا في انتظار إشكالات محددة من بنتنا حتى نستطيع أن نوضح لها المسائل مسألة مسألة، ونبين لها بما علمنا الله، وبالرجوع إلى كتب الأئمة والعلماء، وبمشاورة إخواننا، نبيِّن لها أحكام هذا الشرع الحنيف والوضع العظيم الكريم الذي وضع الله فيه المرأة المسلمة.

نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد، ونكرر ترحيبنا بك، وعليك أن تناصري الإسلام، ونسأل الله أن يثبتنا وإياك على الحق والإيمان.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • الجزائر سلمى

    جزاك الله خيرا و اتمنى ان تفتحو دائما مثل هذه المواضيع و تتكلمو عنها حتى تغيرو المفهوم الخاطئ للمراة الذي يسود مجتمعنا

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً