الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعيش أحلام اليقظة وأتكلم مع نفسي فكيف أتخلص من هذه العادة؟

السؤال

أنا شاب بعمر 40 عاماً, أحس كثيراً بالشرود الذهني والنسيان وعدم التركيز، والتغيب عن الواقع، والهروب من المشاكل، والتحدث مع نفسي كثيراً, لقد كانت طفولتي عادية بالرغم أني كنت خجولاً جداً، بسبب أني ألتغ بحرف الراء، حيث أنطقه ياء, ولكني الآن لا أبالي بهذا الموضوع, وكذلك حدثت لي مشكلة بأذني اليمنى، ولا أسمع بها إلى الآن، وأسمع -والحمد لله- بالأذن اليسرى جيداً, كنت أنزعج كثيراً من انتقادات زملائي وأصدقائي لي بسبب عدم اهتمامي واكتراثي بحديثهم معي، ولكني أكون مظلوماً، حيث أكون شارد الذهن، أو مستمتعاً بأحلام اليقظة، ولذلك يظنون أني لا أكترث لحديثهم، أو لا أحسن الاستماع له.

في فترة الثانوية وبعدها كنت أميل إلى الانعزال أحياناً، بل كنت أذهب لزيارة أحد أصدقائي بقرية بعيدة، حتى أستمتع بالمشي على الطريق والسرحان وأحلام اليقظة طيلة الطريق، وأنغمس أكثر وأكثر في أحلام اليقظة، والتي كانت تدور وقتها حول الفتاة التي أتمناها شريكة حياتي، وكذلك أتابع نشرات الأخبار، وأكون أنا الوزير المنقذ، أو رئيس الوزراء، أو الدكتور الذي يشفي من الأمراض الخبيثة، وهكذا ... حتى بدت لي غرفتي المغلقة عند المذاكرة هي المكان الوحيد الذي يشعرني بالسعادة والراحة النفسية لساعات طويلة، رغم الهدوء بالبيت، ووفاة والدي وأنا بالصف الثالث الإعدادي، وأنا أكبر إخوتي, وقد حاولت جاهداً مقاومة هذا الأمر بالتركيز والمحافظة على الصلاة والاستغفار، والتغلب عليه، وتغيير سلوكياتي، وكنت أعتقد أني بعد الزواج سوف يزول هذا الأمر، ولكن مع مرور الوقت تفاقم وازداد الأمر سوءاً بعد ذلك كلما كبرت سناً, بالرغم من زواجي بسيدة أحبها وتحبني، وهي أقرب بل أحسن مما كانت في أحلام يقظتي، رغم أنها عصبية مع الأولاد نوعاً ما، وصوتها مرتفع نسبياً، رغم صدامي معها أحياناً بسبب هذا الأمر، ورزقني الله منها بابنتين وولد.

عند الشرود أقوم بتقليم أظافر يدي باليد الأخرى، ونتف بعض شعيرات الشنب أو الرأس أحياناً بالمناطق الخفيفة الشعر، وليست الكثيفة، رغم الصلع النسبي, والنسيان، وعدم التركيز، والتفكير حتى بأشياء تخص حياتي وأسرتي، والوسوسة من أمور بسيطة أو كبيرة، لدرجة أني أحياناً أخاف من النتائج، فأستشير أخي أو أصدقائي, وأنا منزعج من هذا الأمر، حيث أني أعمل -والحمد لله- وأموري مثل كل الشباب تتعثر أحياناً وتتيسر أحياناً, فأنا أحسن كثيراً من آخرين، لكن هذا يجعلني لا أعرف كيف اتخذ قراراً وأجاهد أمام من حولي لأكون ظاهرياً إنساناً سوياً، وهذا يزعجني كثيراً عندما يستشيرني أحدهم بموضوع، لأني أكبرهم سناً، وأنا أقاوم الشرود والسرحان، وأحياناً أتكلم مع نفسي وأتحاور كثيراً معها ليل نهار، خصوصاً عند الاحتكاك مع صديق، أو حصول مشكلة ما، أو حتى صدام مع زوجتي.

ماذا أفعل بالله عليكم؟ وهل هناك أدوية؟ لأن هذا الأمر يؤثر على عملي كمحاسب، وكذلك حياتي كلها، وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حسام حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

موضوع عدم التركيز والشرود الذهني وتطاير الأفكار وتشتتها - خاصة في مثل عمرك - إما أن يكون له سبب نفسي، أو يكون له سبب عضوي، وأنا لم أتلمس أي أسباب عضوية حقيقة، والمؤشرات والدلائل كلها تشير أن حالتك نفسية وأنك تعاني من درجة بسيطة إلى متوسطة مما نسميه بالقلق الاكتئابي، حيث إن الاكتئاب كثيرًا لا يُعلن عن نفسه في صورة أحزان وكدر، لكن يظهر في شكل انعزال، افتقاد الفعالية، عدم القدرة على التركيز، ويحس الإنسان كثيرًا أنه مفتقد لطاقاته الجسدية وكذلك النفسية، وموضوع الشرود والسرحان بدأ معك منذ وقت مبكر كجزء من أحلام اليقظة - كما تفضلت وذكرت - لكن أعتقد الآن أن القلق الاكتئابي هو السبب في هذا السرحان.

أيها الفاضل الكريم: ما تعانيه من ظواهر أخرى مثل تقليم الأظافر ونتف الشعر، هذه نسميها بالسمات العُصابية، وهي دليل على وجود القلق خاصة في مثل عمرك.

إذن حالتك بسيطة، يمكن أن نلخصها في وجود قلق اكتئابي بسيط، -والحمد لله تعالى- أنت قاومت وتعيش حياة طيبة وكونت أسرة، ورزقك الله تعالى بالذرية ولديك وظيفة، فإذن هذه المقومات الأساسية للحياة، والتي نعتبرها محركًا إيجابيًا للتخلص من الاكتئاب النفسي أو غيره من الاضطرابات الأخرى المشابهة، فكن إيجابيًا في تفكيرك، كن مثابرًا، كن مجتهدًا فيما يتعلق بعملك وبيتك وتواصلك الاجتماعي، وبالطبع العبادات يجب أن تكون على رأس قائمة اهتماماتك.

نصيحتي الأخرى لك هي: إن تمكنت أن تذهب إلى طبيب نفسي فهذا جيد، وإن لم تتمكن فهنالك أدوية جيدة ممتازة ومفيدة - بإذن الله تعالى – أنا أرى أن عقار مودابكس والذي يعرف علميًا باسم (سيرترالين) سيكون دواءً مفيدًا جدًّا لك. ابدأ في تناوله بجرعة خمسة وعشرين مليجرامًا – أي نصف حبة من الحبة التي تحتوي على خمسين مليجرامًا – استمر على هذه الجرعة التمهيدية أو جرعة البداية لمدة أسبوعين، بعد ذلك اجعل الجرعة حبة كاملة، استمر عليها لمدة ستة أشهر، ثم خفض الجرعة إلى خمسة وعشرين مليجرامًا يوميًا لمدة شهر، ثم خمسة وعشرين مليجرامًا يومًا بعد يوم لمدة شهر آخر، ثم توقف عن تناول الدواء، وهذا من أفضل الأدوية ومن أحسنها وأسلمها، ولا يؤدي إلى التعود أو الإدمان، وإن شاء الله تعالى يفيدك كثيرًا في موضوع القلق والتوتر وعدم الارتياح النفسي العام.

أفضل أيضًا أن تدعم عقار سيرترالين بعقار آخر يعرف تجاريًا باسم (دوجماتيل) واسمه العلمي (سلبرايد) هذا الدواء سوف يكون داعمًا وليس دواءً أساسيًا، أؤكد لك أيضًا سلامته وأنه غير إدماني أو تعودي، جرعة الدوجماتيل المطلوبة هي أن تبدأ بتناول كبسولة واحدة في الصباح – وقوة الكبسولة هي 50مليجرامًا - تناولها يوميًا لمدة أسبوعين، ثم اجعلها كبسولة صباحًا ومساءً لمدة شهرين، ثم اجعلها كبسولة واحدة في المساء لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء، لكن تستمر على المودابكس بنفس الطريقة التي ذكرتها لك.

هذا هو الإرشاد الرئيسي الذي أود أن أوجهه لك، وأرى أنك الحمد لله تعالى سوف تكون على خير، وإيجابياتك كثيرة جدًّا، فلا تدع للسلبيات مجالاً لتسيطر عليك.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً