الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتخلص منه التردد الذي يعيق حياتي؟

السؤال

السلام عليكم

أشكركم على هذا الموقع الرائع, وعلى ما تقدمونه من استشارات وخدمات, جزاكم الله خيرا.

أود أن أعرض مشكلتي عليكم, وهي مشكلة تؤرقني كثيرا, وتسببت في خسارتي لأشياء كثيرة في حياتي, وهي مشكلة التردد, وعدم اتخاذ القرار, والوسواس بعد اتخاذ القرار, والندم عليه.

أنا لا أستطيع أن أتخذ قرارا إلا بعد فترة طويلة جدا, وقد أتخذ القرار بعدما يكون الوقت قد فات, وأندم بعد ذلك لماذا لم أتخذ القرار مبكرا.

أيضا المشكلة الكبري هي أنني أخاف جدا من اتخاذ القرارات, وأتمنى ألا أتخذ أي قرار في حياتي, ودائما أفكر أن هناك أفضل, وأنني تسرعت في اتخاذ أي قرار, وكان لا بد أن أنتظر قليلا.

على سبيل المثال حينما كنت أذهب لشراء ملابسي كان لا بد أن أستشير أحد أصدقائي, فإذا قال لي: إن هذا القميص غير مناسب أتركه ولا أشتريه, وإذا قال لي: إنه مناسب أشتريه على الفور.

وقد قمت منذ فترة بشراء موبايل, وبعد شرائه شاهده أحد زملائي بالعمل وقال لي: لماذا اشتريت هذا الموبايل؟ إن صوته منخفض وغير جيد, ومنذ تلك اللحظة فكرت في كلماته, وبدأت أشعر فعلا بأن الموبايل صوته منخفض, وقمت بعمل إعلان على الإنترنت لبيع الموبايل, على الرغم من أنني اشتريته منذ يوم واحد فقط, وبعته بالفعل, وخسرت فيه حوالي 300 جنيه, وقمت بشراء تليفون مستعمل بدلا منه لمجرد أن صوته عالٍ, كما قال لي زميلي.

أيضا من بين المواقف التي تسببت في خسارة كبيرة لي بسبب التردد هي أنني قمت بشراء لاب توب بحوالي 4000 جنيه, وقد قمت بشرائه بعدما قمت بدراسة جميع أنواع اللاب توب على الإنترنت لمدة شهرين, حتى أستقر على النوع الأفضل, ثم بعد ذلك ذهبت لشرائه, وبعد شرائه بيوم واحد, شعرت أنني تسرعت, وأن هناك أفضل من هذا الموديل, وكان لا بد أن أختار الموديل الآخر.

ذهبت للبائع وقلت له إنني لا أريد الجهاز فسألني هل هناك عيب فيه؟ قلت له لا. ولكنني أريد الموديل الأفضل, فقال لي سوف تخسر في هذا الجهاز 500 جنيه؛ لأنك قمت باسترجاعه, فوجدت نفسي أقول له موافق, وقمت باسترجاع الجهاز, واشتريت موديلا آخر, ولولا أن الحرج منعني لكنت قد قمت باسترجاع الموديل الثاني أيضا, وهكذا....

أيضا: من ضمن الأمور التي أفسدها التردد في حياتي هي أنني قمت بخطبة إحدى زميلاتي في العمل, وبعد خطبتها بيوم واحد بدأ الوسواس يتسلل إلى نفسي أنها غير جميلة, وأنني تسرعت, وكان لا بد أن أنتظر لعلي أجد من هي أجمل وأفضل!

وبدأت المعاملة تسوء مع خطيبتي, فلا أحب أن أكلمها, ولا أراها, وأتجنب الذهاب إلى بيتها, وإلى عائلتها حتى اكتشفت أنني لا أعطيها بالا؛ فقررت فسخ الخطبة فورا, وقالت لي: أنت إنسان متردد لا يدري ماذا يريد!

وأخيرا: قمت منذ شهر بشراء شقة جيدة بعد تفكير طويل, وتردد طويل, ولكن منذ أن اشتريتها وأنا لا أنام, فالوسواس لا يتركني, ويقول لي أنت تسرعت, لماذا اشتريت هذه الشقة في هذه المنطقة, كان لا بد أن تنتظر قليلا لكي تجد شقة أفضل في منطقة أفضل, يا خسارة لقد تسرعت, ولكن ماذا ستفعل الآن؟

لدرجة أنني فكرت أن أذهب لصاحب العمارة, وأطلب منه استرجاع نقودي, وإلى الآن يراودني هذا الشعور, ولكنني فضلت أن أكتب لكم لعلي أجد حلا لتلك المشكلة التي تهدم حياتي يوما بعد يوم, خصوصا وأنني حاليا أخطب فتاة ملتزمة ومتدينة, ويراودني نفس التردد الذي حدث مع الفتاة السابقة, فماذا أفعل؟

أصبحت أخاف الزواج, وأتمني لو يتم تأخيره إلي وقت بعيد.

بقي شيء أخير, وهو أنني أقوم بالاستخارة فعلا قبل اتخاذ أي قرار, ولكنني أحيانا أظل مترددا بعد الاستخارة أيضا, وأقول لنفسي: لقد استخرت, لماذا أنت متردد؟ فيكون الوسواس هو: من قال لك أن الله قد قبل استخارتك؟ لعل الله يعاقبك ويختار لك شيئا سيئا ليعاقبك؛ لأنك غير منتظم في الصلاة, ومقصر في قراءة القرآن.

أنا أعرف أن هذا ليس صحيحا, وأنني لا بد أن أكون حسن الظن بالله سبحانه وتعالى, ولكن هذا ما يحدث لي بالفعل.

ملاحظة: أنا أتناول دواء يسمي ( بروزاك ) كبسولة يوميا منذ أسبوعين, ولكنني لم أشعر بتحسن قوي حتى الآن.

وشكرا جزيلا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

أتفق معك أن الوساوس القهرية قد تأخذ عدة مناحٍ، ووساوس التردد من الوساوس المزعجة لصاحبها، وتتطلب جهدا علاجيا، لكن في نهاية الأمر نتائج العلاج رائعة جدًّا، وأنا أفضل ويا حبذا لو ذهبت وقابلت طبيبا نفسيا، هذا أفضل من حيث المتابعة, وترتيب العلاج النفسي والدوائي.

أما إن لم تكن تستطيع أن تذهب فأقول لك: تعامل مع هذه الوساوس على أنها شيء سخيف، والشيء السخيف لا بد أن يُحقّر ويقاوم ولا يتبعها أبدًا، وعليك أن تدخل في تجارب أو نوع من الدراما التي من خلالها تتصور وتتخيل وتمثل أنك تريد اختيار شيء معين، وكان هذا الاختيار في وجهة نظرك هو الأفضل، ولكن بعد فترة غيّرت رأيك وندمت على هذا الاختيار، وهنا يجب أن تصر على موقفك أن ما اعتبرته خاطئًا ليس خاطئًا، إنما هو الوسواس هو الذي يقول لك ذلك (وهكذا). إذن أنت محتاج لتمارين معرفية لصد الوساوس.

النقطة الثانية وهي مهمة جدًّا: هي ألا تُجري حوارات وسواسية، نقاش الوساوس ومحاورتها من أكبر المعززات للوساوس، وأنت أمامك مثال واضح جدًّا وهو موضوع الاستخارة، الاستخارة مطلوبة في حالتك جدًّا، لكن الوسواس أقنعك من خلال الحوار معه أنه لا جدوى منها، فأغلق على الوساوس، وحين يأتيك الدافع والاندفاع نحو مناقشة الوساوس وتحليلها ومحاولة تفسيرها وإخضاعها للمنطق، قل للفكرة (أنت فكرة وسواسية حقيرة، لن أناقشك) وهكذا.

بقي موضوع العلاج الدوائي: الدواء مهم في حالتك، وهذا النوع من الوساوس يستجيب للدواء استجابة جيدة، فإن ذهبت إلى الطبيب –كما ذكرت لك– هذا جيد، وإن لم تذهب فهنالك الدواء الذي يعرف تجاريًا باسم (بروزاك) واسمه العلمي (فلوكستين) يعتبر دواءً جيدًا وفعالاً في مثل هذه الحالات، لكن الدواء حتى يؤدي فعاليته يجب أن تصبر على جرعته, وتتناوله بانتظام, وتكمل مدة العلاج، وبفضل من الله تعالى هذه الأدوية سليمة، وغير إدمانية، وهذا يُشجع تمامًا على الاستمرار فيها وإكمال فترة العلاج.

البروزاك يتم تناوله بجرعة كبسولة واحدة يوميًا بعد الأكل لمدة عشرة أيام، بعد ذلك تجعلها كبسولتين في اليوم، يمكن أن تتناولها كجرعة واحدة أو كبسولة صباحًا ومساءً، استمر على هذه الجرعة لمدة شهر، ثم بعد ذلك اجعلها ثلاث كبسولات في اليوم، تناول واحدة في الصباح واثنين ليلاً، استمر عليها لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفض الجرعة إلى كبسولتين في اليوم لمدة ستة أشهر، ثم كبسولة واحدة في اليوم لمدة ثلاثة أشهر، ثم كبسولة يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم يتم التوقف عن تناول الدواء.

هذا الدواء ليس له أي آثار جانبية مزعجة، فقط بالنسبة للمتزوجين قد يؤخر الإنزال المنوي قليلاً، لكنه لا يؤدي إلى عقم أو شيء من هذا القبيل.

هذا هو الذي أراه، وبالنسبة للعلاج الدوائي: توجد أدوية أخرى كثيرة، لكن البروزاك ربما يكون أفضلها وأسهلها استعمالاً.

بالنسبة لموضوع الاستخارة: لا بد أن تكون هي أحد السبل التي تستعين بها وتأخذ أمرها بجدية تامة بعد تدارس الموقف، ولا توسوس حول الاستخارة ذاتها، وارجع إلى حديث جابر بن عبدالله -رضي الله تعالى عنه– حين قال: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم– يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن).

تأمل في هذا الكلام الطيب الجميل، وهذا سوف يعطيك حيزًّا استيعابيًا كبيرًا تتفهم من خلاله عظمة الاستخارة، ولا تتردد حولها، ولا تعطي للوساوس أي فرصة لتصرف انتباهك, وتجعلك تحاور نفسك لتدخل في المزيد من الوساوس.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وأسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

وأشكرك على التواصل مع إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • السعودية بدر الزمان أبوسلمان

    تزوج سريعا بعد الاستخارة هوحل مشكلتك بمشيئة الله ولاتنس تكصر الدعاء أوقات الاجابة

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً