الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ليس للحياة طعم بسبب الوساوس.. هل من سبيل للخلاص منها؟

السؤال

السلام عليكم.

أعاني من الوسوسة في الصلاة والوضوء، حيث أنني أعيد الصلاة، وأكرر تكبيرة الإحرام كذا مرة، وأيضا سورة الفاتحةً لدرجة أني بعض الأحيان أبقى في الصلاة ساعة وساعتين وأكثر.

تعبت كثيرا، ودائما أقول سأوقف ذلك، ولكني لا أستطيع؟ شعور قوي بداخلي يقول لي نسيت كلمة، غلطت بحرف، وأصلي وأنا مجهدة وأحيانا أبكي، وأتألم كثيرا، وكذلك الوضوء يأخذ وقتا طويلا، حتى أن الأهل ينزعجون من تصرفاتي، وقد أثر ذلك على دراستي بدرجة كبيرة؛ لأني آخذ وقتا طويلا في الوضوء والصلاة، وإذا انتهيت أجد الوقت كله ضاع، وأكون متعبة، ولا أقدر أن أذاكر، وأحس أن حياتي مملة، وأنه ليس لي مستقبل أن استمررت على هذا الحال؟

ساعدوني ماذا أفعل؟ مع العلم أني لا أستطيع الذهاب لطبيب نفسي، هل من سبيل للعلاج؟ لأني يئست، والحياة صارت عندي ما لها طعم ومتعبة بسبب هذه الوساوس.

وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أسماء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فإن الوساوس القهرية تؤدي إلى اكتئاب نفسي، خاصة الوساوس المتعلقة بالدين، وهو أمر عزيز علينا، وحساس في نفوسنا، لذا يُصاب الإنسان بألم نفسي شديد حين تعتريه هذه الوساوس المتعلقة بالعقيدة، ويبدأ الإنسان في لوم نفسه مما يسبب له المزيد من الاكتئاب والكدر.

هذا هو الذي يعبر عن حالتك الآن، أما العلاج فأنا أبشرك بأنه موجود، وموجود جدًّا، -وإن شاء الله تعالى- ليس بالصعب.

العلاج ينقسم إلى قسمين: علاج دوائي وعلاج سلوكي، والعلاج الدوائي مهم جدًّا؛ لأن الوساوس القهرية - أيًّا كان منشأها وسببها – فهنالك تغيرات كيميائية مصاحبة تحدث في الدماغ تخص مادة تسمى بالسيروتونين، وهي أحد الموصلات العصبية الرئيسية، هذا الكلام قد أُثبت علميًا ولا شك فيه، ولا جدال حوله أبدًا.

إذن أصبحت الأدوية مطلوبة لتصحيح هذه المسارات الكيميائية، وبفضل من الله تعالى تم اكتشاف هذه الأدوية، وأنا أقول لك أن عقار (بروزاك) والذي يعرف علميًا باسم (فلوكستين) سيكون هو الدواء الأنسب لحالتك.

أرجو أن تتحصلي عليه وتبدئي في تناوله بجرعة كبسولة واحدة يوميًا، تناوليها بعد الأكل لمدة أسبوع، ثم اجعليها كبسولتين في اليوم، استمري عليها لمدة أربعة أشهر، ثم خفضي الجرعة إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر، ثم كبسولة يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم توقفي عن تناول الدواء.

مدة العام هي أقصر مدة للإنسان على العلاج الدوائي، وهذا الدواء يعرف عنه أنه سليم، وغير إدماني، ولا يؤثر على الهرمونات النسوية.

فعالية الدواء سوف تبدأ بعد ثلاثة أسابيع، سوف تحسين بشيء من الراحة والسكينة والهدوء النفسي، وسوف تجدين أن حدة هذه الوساوس قد بدأت تخف، وهنا عليك بتطبيق العلاج السلوكي، أي لا أريدك أبدًا أن تحاولي العلاج السلوكي من الآن، إلا بعد أن تبدأ فعالية الدواء، لأن هذا سوف تجدين فيه راحة وإيجابية شديدة، وسوف تزداد قناعاتك بأن هذه الحالة بالفعل يمكن أن تُعالج.

وبدايتك للعلاج السلوكي يجب أن يبدأ على الفكر المعرفي بأن الوسواس يمكن أن تُعالج، وأن الوسواس موجودة، وقد اشتكى منها الصحابة – رضوان الله عليهم – للرسول صلى الله عليه وسلم. هذا مُثبت، والوسوسة إن شاء الله تعالى هي من صميم الإيمان ومن صريح الإيمان، وليست دليلاً أبدًا على ضعف الإنسان دينيًا أو فيما يخص شخصيته أو تركيبه الوجداني والنفسي.

بعد ذلك هنالك علاجات سلوكية بسيطة، لكنها مهمّة، أولاً: لا تناقشي الوساوس، إنما تحقري الوساوس، وتغلقي عليها، إجراء حوار مع الوساوس ومناقشتها ومحاولة احتوائها في بعض المرات يزيد منها، لكن تجاهلها وتحقيرها وحين تأتيك الفكرة أو الفعل الوسواسي قولي لنفسك (هذا وسواس حقير لن أتبعه، لن أناقشه، ولن أحلله، وسوف أتجاهله تمامًا) وتقومي بفعل ما هو ضده.

بالنسبة للوضوء: حددي كمية الماء، لا تتوضئي من ماء الصنبور أبدًا، ضعي الماء في إبريق أو في إناء، وتذكري أن الإسراف مذموم، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو قدوتنا في كل شيء كان يتوضأ بكمية قليلة من الماء.

إذن تحديد كمية الماء واليقين التام بأن وضوئك سوف يكون صحيحًا وسليمًا، ولتساعدي نفسك بعد أن تعقدي نيّتك وتقولي (بسم الله الرحمن الرحيم) وتنتهي مثلاً من غسل اليدين: أكدي لنفسك أنك غسلت يديك، ثم أكدي أنك قد قمت بالمضمضة، والاستنشاق، والاستنثار (وهكذا) أي القيام الفعل وتأكيده مع الذات.

ونفس الشيء بالنسبة للصلاة، لا تكرار، لا إعادة، لا سجود للسهو، وإن -شاء الله تعالى- وسوف تجدين أنك أصبحت في وضع جيد جدًّا، وأنا أتوقع بعد مُضي شهرين على تناول الدواء والاجتهادات السلوكية التي ذكرناها سوف تختفي هذه الوساوس، لكن أرجو ألا تتوقفي عن العلاج أبدًا، يجب أن تستمري عليها، لأن فترة الوقاية مهمة جدًّا في علاج الوساوس، وتدعمي هذه الوقاية الدوائية بالوقاية السلوكية، وتعيشي حياتك بصورة طبيعية جدًّا، وتصرفي انتباهك تمامًا عن هذه الوساوس.

أيتها الفاضلة الكريمة: الحياة طيبة، الحياة جميلة، ونحن نؤكد لك أنك سوف تتخلصين من هذه الوساوس، وأرجو أن تجتهدي في دراستك، واجعلي حياتك مليئة بالحيوية والمعرفة والتواصل الاجتماعي وبر الوالدين، ونسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك، وأن يحفظك، ونشكرك على ثقتك في إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً