الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل الوساوس سببها ضعف الإيمان؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ما كتبت هذه الاستشارة إلا ثقة بالله عز وجل، ثم بموقع إسلام ويب، أن يجعله الله سبباً للخروج من همي.

أنا فتاة مسلمة -ولله الحمد-، وموقنة بالله عز وجل وبنبيه، ومؤمنة باليوم الآخر، وأن الموت حق، ولكن تنتابني من وقت لآخر وساوس ومخاوف وقلق ينغص علي حياتي.

بدأت هذه الوساوس قبل شهر تقريباً، أخاف من سرعة مرور الوقت، وأخاف من أن أموت فجأة، أصبحت أفكر كثيراً في حالي بالقبر بعد أن أموت وأُبعث، أفكر كثيراً في جدتي وهي بقبرها كيف حالها؟ أصبحت أفضل النوم، أو أن أكون بالجامعة مع صديقاتي على أن أكون في البيت مستيقظة، أشعر باضطراب في معدتي، وفقدان شهية، وصداع مزمن.

أخشى أن تؤدي بي هذه الوساوس إلى الكفر، علماً بأني طالبة جامعية وتخصصي صعب ويحتاج لتركيز. أصبحت لا أستطيع التركيز على دراستي، فبمجرد أن أبدأ بالدراسة تبدأ هذه الوساوس، مع العلم أني أحس بالراحة بعد أن أبكي أحياناً.

أسئلتي:

- هل أحتاج إلى طبيب نفسي أم أن هذه الوساوس سببها ضعف الإيمان كما يقال؟!
- هل لحالتي هذه مسمى بالطب النفسي؟
- هل تأتي هذه الوساوس لكل الناس الطبيعيين؟
- هل من الممكن أن تتحول حالتي إلى وسواس قهري إن لم أعالجها؟

- كيف أتخلص من خوفي عن طريق السنة النبوية والشريعة الإسلامية؟
- هل يعارض ديننا الحنيف الالتجاء للطب النفسي؟

شاكرة لكم، وجزاكم الله عني وعن المسلمين كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ آلاء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

الذي تعانين منه هو وساوس قهرية، والوساوس القهرية إما أن تكون فكرة متسلطة، أو شكوكا، أو مخاوف، أو نوعا من الأفعال والطقوس الرتيبة التي يكررها الإنسان استجابة لفكر وسواسي معين. الوساوس من هذا النوع تكون عارضة وعابرة -إن شاء الله تعالى-.

بالنسبة لفقدان التركيز، هذه سمة من السمات التي تصاحب الوساوس القهرية، لأن الوسواس في الأصل هو نوع من القلق الخاص جدًّا والذي يؤدي أيضًا إلى الشعور بالكدر والانشغال وعسر المزاج، لذا يضعف التركيز.

أسئلتك ممتازة -أيتها الفاضلة الكريمة-، -وإن شاء الله تعالى- سوف أُجيب عنها بما أستطيع.

أولاً: مقابلة الطبيب النفسي سوف تكون مفيدة جدًّا لك، لأن الوساوس القهرية أصبحت الآن تُعالج سلوكيًا ودوائيًا، وهذا من اختصاص الأطباء النفسانيين.

ثانيًا: الوساوس هذه ليس سببها ضعف الإيمان، بل على العكس تمامًا، ربما تكون هي مؤشراً على صدق الإيمان، ونقولها استنادًا على شكوى الصحابي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم– بأنه تأتيه مثل هذه الوساوس من الشيطان، وقال ذاك الصحابي: (لزوال السموات والأرض أحب إليَّ من أن أتكلم به)، كان يقصد الوساوس القهرية، فأفاده الرسول -صلى الله عليه وسلم– بقوله: (أوجدتموه؟ ذاك صريح الإيمان). فعلى العكس تمامًا، ليست الوساوس دليلاً أبدًا على ضعف الإيمان، إنما هي -إن شاء الله تعالى– دليل على قوة الإيمان، والوساوس دائمًا تكون ناشئة من فكر الإنسان وما يؤمن به، وما هو موجود في بيئته.

سؤالك: هل لحالتي مسمّىً في الطب النفسي؟ نعم هي وساوس قهرية، وكلمة قهرية يجب ألا تزعجك، قهرية تعني أنها متسلطة مستحوذة، وأنت تؤمنين بسخفها، وتحاولين طردها، لكنك تجدين صعوبة في ذلك.

هل تأتي هذه الوساوس لكل الناس الطبيعيين؟ كل إنسان تأتيه وساوس لكنها متفاوتة في شدتها، والوسوسة يمكن أن تكون إيجابية جدًّا، فالمحاسب المالي –مثلاً- الذي يحرص على التدقيق في الحسابات والأرقام، لا شك أنه سيكون منضبطًا في عمله، لكن إذا وصلت به درجة التدقيق والانضباط إلى التكرار المستمر هنا تكون الحالة أصبحت مرضية.

الإنسان حين يأتيه خوف وسواسي، هذا جيد، لأنه سوف يحمي نفسه. فإذن الوساوس تأتي لجميع الناس، وهي طيف، وأقصد بذلك أنها قد تكون بسيطة جدًّا، وقد تكون وسطية، وقد تكون شديدة مطبقة، وقد تكون وساوس فكرية، وقد تكون وساوس أفعال، وقد تكون وساوس اندفاعات، وهكذا.

سؤالك: هل من الممكن أن تتحول حالتي إلى وسواس قهري إن لم أعالجها؟ هذا هو الوسواس القهري لكنه من النوع البسيط.

كيف أتخلص من خوفي عن طريق السنة النبوية والشريعة الإسلامية؟ التزامك -أيتها الفاضلة الكريمة- بدينك يكفي تمامًا، والحرص على الرقية الشرعية من وجهة نظري يكفي تمامًا، والحرص على الأذكار، هذا هو العلاج الرئيسي، أضيفي إلى ذلك أن الشريعة الإسلامية قد حثتنا وحتمت علينا أن نتعالج، والوساوس القهرية فيها جانب طبي كبير جدًّا، واتضح أنه يتعلق ببعض التغيرات في كيمياء الدماغ، حيث هنالك مادة تسمى (سيروتونين) يحدث فيها بعض التغير، لذا الذهاب إلى الأطباء وأخذ العلاج الدوائي والسلوكي هو من صميم عقيدتنا، ويمكنك الرجوع لهذه الروابط التي تقدم علاج المخاوف من الناحية السلوكية: ( 262026 - 262698 - 263579 - 265121 ).

هل يعارض ديننا الحنيف الالتجاء للطب النفسي؟ لا، على العكس تمامًا، هنالك من الصحابة من سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به وتقاة نتقيها هل ترد من قدر الله شيئا؟)، أجابه الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (هي من قدر الله)، فإذن الدين يدعونا لأن نتعالج، والحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها، وما جعل الله من داء إلا جعل له دواء، فتداووا عباد الله، علمه من علمه وجهله من جهله.

أريد أن تكوني من الذين يعلمون ذلك، ويأخذون بالطب النفسي. وأنا أؤكد لك أن حالتك بسيطة جدًّا، هذا النوع من الوساوس يعالج عن طريق تحقيره، وصده، وتجاهله، مع تناول أحد الأدوية المضادة للوساوس القهرية، مثل: البروزاك أو الفافرين.

أعجبني جدًّا أنه لديك الرغبة في الذهاب إلى الطبيب النفسي، فأرجو أن تذهبي، وأنا أعتقد أنك سوف تحتاجين إلى جلسة أو جلستين من العلاج السلوكي، وتستمرين على العلاج الدوائي.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • ياسمين

    شكرا

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً