الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من وسواس قهري بسبب أقارب تحدثوا عني بالباطل!

السؤال

السلام عليكم

أعاني من مشكلة وأرجو المساعدة منكم ولو بكلمة واحدة، أعاني من وسواس قهري من أناس ظلموني وتكلموا عني بالباطل، أتحدث عن أخي وزوجته، هم يعيشون ببلد عربي وأنا حالياً في الولايات المتحدة مع باقي أهلي، ذهبت لزيارة أخي وزوجته من سبعة أشهر، وما إن عدت للولايات المتحدة حتى بدأت زوجة أخي بالتكلم عني وراء ظهري بكلام قاس جداً، ومن يومها وأنا أعاني من وسواس قهري، أشعر بأن هذه المرأة يوماً ما ستكون عقبة في حياتي، أو سيمر بي زمان وأبتلى بها ونعيش بمنزلٍ واحد وتسيطر علي، مع أنها –والحمد الله- بعيدة بآلاف الأميال عني، لكن الوسواس يقتلني، وأسأل الله أن يبعدها عني وأن يكفيني شرها، وأخي مثلها تماماً، أنا من ذلك اليوم أستعين بالصبر والاستغفار والدعاء، وأقول في نفسي ما هو إلا اختبار من رب السماء، لكن يوماً بعد يوم أسمع أن أحوالهم للأفضل وأنا فقط أعاني وأتعذب.

أريد آراءكم، ودعواتكم لي بظهر الغيب.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ميس حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

يسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصرف عنك كل سوء، وأن يعافيك من كل بلاء، وأن يرد عنك كيد الكائدين وحقد الحاقدين وظلم الظالمين واعتداء المعتدين، كما نسأله تبارك وتعالى أن يردك إلى ديارك سالمة غانمة موفقة مسددة، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك -أختي الكريمة الفاضلة– فإنه مما لا شك فيه أن شعور الإنسان بالظلم أمر صعب جدًّا، خاصة إذا كان الظلم أو الإهانة تأتي من أقرب الناس إليه، فكون الإنسان يتعرض لظلم من أقرب الناس إليه ويشعر بنوع من الاحتقار والازدراء، وكذلك أيضًا الاعتداء بدون وجه حق وتزييف الحقائق وتغيير الوقائع، أمر يؤلم النفس حقًّا، إلا أن قضية الوسواس القهري أعتقد أنك قد بالغت فيها، لأن الوسواس القهري مرض نفسي خطير، وله دواعيه وظروفه ومظاهره وأعراضه، لكن أستطيع أن أقول إنك قلقة ومتألمة، أما كلمة (أعاني من وسواس قهري من ناس ظلموني)، أعتقد أن هذه عبارة فيها قدر كبير من المبالغة، يمكن أن تشعري بالألم وبالحسرة، وأحيانًا بالقلق وبعض الاضطراب أو الاكتئاب، لكن الوسواس القهري مرض أسأل الله أن يعافيك منه.

لذلك الذي أحب أن أنصحك به أولاً أن تتركي هذا الأمر عنك تمامًا ولا تفكري فيه، يعني حاولي أن تتناسي هذا الماضي الكئيب الذي حدث في أثناء الزيارة، وألا تشغلي بالك به، وكلما مرت هذه الأفكار بخاطرك أو كادت أن تُهاجم تفكيرك حاولي أن تطارديها وبكل قوة، ولا تسمحي لها أن تتمدد في فراغك، لأن الشيطان –لعنه الله– يحرص على إهانة المسلم، وعلى إحزانه، وأن يسبب له المشاكل ويُثير في نفسه الآلام، وأن يجعله يقنط أو ييأس من رحمة الله تعالى –والعياذ بالله تعالى–، وأن يُفسد العلاقات وأن يقطع أواصر المودة والمحبة بين المسلمين، الشيطان فرحٌ جدًّا بهذه الحالة النفسية التي أنت بها، وفرحٌ كذلك أيضًا بالدور الذي قام به أهلك معك، لأنه يعلم أن هذا الأمر لو تمادى وزاد عن هذا الأمر فقد يؤدي إلى قطيعة الرحم -والعياذ بالله تعالى-.

لذلك أنا أتمنى -ابنتي الفاضلة- أولاً: مطاردة هذه الفكرة كلما بدأت تدخل إلى عقلك ويأتيك التفكير بها حاولي أن تطارديها، بمعنى ألا تستسلمي لها، وحاولي تشتيتها، بمعنى أنك إذا كنت وحدك اخرجي، وإذا كنت جالسة في غرفة اخرجي إلى الصالة مثلاً، وإذا كنت وحدك اخرجي وتكلمي مع أحد، ويمكن أن تنظري من النافذة، أو تقرئي في كتاب؛ تحاولين أن تتهربي منها، وفي البداية سيكون الأمر صعبًا، ولكن مع تكرار عملية الهروب سوف تنجحين في ذلك -بإذن الله تعالى– وتتمكنين دائمًا وأبدًا من التخلص من هذه السلبية -بإذن اللهِ تعالى-.

توجهي إلى الله تبارك وتعالى بالدعاء، وأنت -ولله الحمد والمنة- تقولين أنك منذ ذلك اليوم وأنت تستعينين بالصبر والصلاة والاستغفار والدعاء، وهذه أسلحة عظيمة جدًّا، ثقي وتأكدي أنك لو لم تكوني كذلك لما استطعت أن تتجاوزي هذه المحنة، ولن تتجاوزيها بالكلية إلا بهذا الطريق، بالدعاء والإلحاح على الله تعالى أن يصرف الله عنك كيد الكائدين، وأن يحفظك بما يحفظ به عباده الصالحين، وأن يشغلك بشيء نافع، وأن يعافيك من الشيء الضار الذي لا فائدة منه، والذي تضيع به الأوقات في غير ما طائل.

كذلك عليك بالاستغفار لأنه من أسباب تفريج الكربات، والصبر الجميل لا شك أنه أعظم عامل من العوامل، إضافة إلى ذلك الصلاة على النبي محمد -عليه الصلاة والسلام–، وأتمنى منك المحافظة على أذكار الصباح والمساء خاصة (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) ثلاث مرات مساءً ومثلها ليلاً، وكذلك (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) ثلاث مرات مساءً ومثلها ليلاً، كذلك التهليلات المائة (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) مائة مرة صباحًا ومائة مرة مساء، واتركي المستقبل لله تبارك وتعالى وحده، فإنه وكما أخبرنا حبيبك المصطفى -صلى الله عليه وسلم– بقوله: (قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء)، قد تكون هذه الإجازة مشحونة، وقد تكون هناك مشاكل حدثت وسوء فهم قام، ولكن الله قادر على أنه في المستقبل يغيّره ولا يكون شيئًا من ذلك موجودًا بإذن اللهِ تعالى.

إذن نحن لا ينبغي أبدًا أن نحكم على المستقبل بالحاضر، لأن الحاضر له شأنه وله ظروفه وأحواله، والمستقبل بيد الله تبارك وتعالى وحده، ولا يعلم الغيب إلا الله، فأنا لا أفكر في المستقبل، وإنما أترك الأمر لله تعالى، وأقول: إن الله على كل شيء قدير، فسلمي أمرك لله تبارك وتعالى وحده، واعلمي أن الله تعالى قال: {ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب}.

أخرجي من بالك فكرة أنك مصابة بالوسواس القهري، قولي: (أنا سليمة -ولله الحمد والمنة-، ولا أعاني من شيء)، لأن هذه رسائل إيجابية لو وجهتها لنفسك ستجدين خيرًا كثيرًا.

أسأل الله تعالى أن يصرف عنك كل سوء، وأن يعافيك من كل بلاء، إنه جواد كريم.

هذا بالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً