الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل أصبر إلى أن أتزوج من أجنبيةً أم أرجع لبلادي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إخواني في إسلام ويب، كل الشكر والتقدير لكم على هذه الجهود العظيمة، ونسال الله أن يجعلها لكم لا عليكم.

أنا شاب أبلغ من العمر ستة وعشرين عاما، أكملت دراستي للهندسة -ولله الحمد- قمت أثناء الدراسة بالتقدم لطلب الحصول على تأشيرة لأمريكا لزيارة أخي ففعلت، وأمضيت إجازتي الصيفية هنالك، وعدت وأكملت الدراسة، وعلى مشارف تخرجي من الجامعة نصحني الأهل والأقارب والمعارف بأن أنتهز فرصة أن التأشيرة ما زالت فعالة بأن أذهب إلى هناك، وأبحث عن مستقبل أفضل، حيث إنه لا يخفى عليكم كم هي ظروف بلادنا العربية، وللأسف إن لم تكن بالحضيض فهي صعبة جداً.

فكرت كثيرا، وتوكلت على الله وسافرت، وبصراحة منذ زيارتي لها أحببت نظام الحياة فيها، حيث إنه أينما وجد النظام حسنت المعيشة، والآن وبعد ما يقارب السنة والنصف هناك أبعث لكم طالبا النصيحة، أنا زائر، وقد تجاوزت المدة المسموحة لي، فأنا الآن غير نظامي في البلد، كنت أرجو وأعتقد أنه يمكن أن أصلح أمور إقامتي بدراسة، أو عقد عمل مع شركة معينة بحكم شهادتي، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفنً.

(أنا غير نظامي) يعني أني لا أستطيع عمل شيء تقريبا من أي مناحي الحياة كما تعلمون، أعمل بشكل غير قانوني مع أحد أصدقائي كبائع للسيارات لأنتفع بما أحصل من مال لمعيشتي هنا، وأجري طبعا قليل بحكم وضعي، ولكن -الحمد لله- الحل الوحيد أمامي لإصلاح وضعي هو الزواج من حاملة للجنسية، حيث إنه -والعلم عند الله- أنه إن تم ذلك ستتغير حياتي بالكامل، وستتفتح أمامي أبواب وفرص كبيرة، وخاصة أني أحمل شهادة جيدة -الفضل لله-.

أنا أخاف الله وأخشى الحرام، ولا أمدح نفسي، ولكني لا أريد أن أتزوج، وأصلح دنياي وأخسر آخرتي، حيث إن الزواج من أجنبية بشكل عام لا يتم إلا بالتعرف والمواعدة -والعياذ بالله- الوقوع في الحرام، وللأسف الكثير من الشباب يفعل ذلك، ولا يخلو الأمر من أنه يصادف أنه يتم أحيانا الزواج من أجنبية يمكن القول بأنها صالحة، ويكسب الشخص أحيانا أجر إسلامها، كما رأيت بعض الحالات مع بعض الشباب، وكنت آمل أن يتم ذلك معي، ولكن لم يتم للآن لعدم وجود إنسانة بهذه الصفة، والخيار الآخر الزواج من عربية مسلمة أمريكية، وأعتقد الآن أنه تكونت لكم فكرة بشكل عام عن وضعي.

السؤال الآن: هل أصبر هنا إلى أن أجد شريكة حياة جيدة سواء عربية أو أجنبية، وأكسب الاثنين الزواج والإقامة، وفرص الحياة والعمل الواسعة هنا كما تعلمون؟ أم أفكر جديا بالعودة لبلادي والتوكل على الله؟ علما أني إن عدت فلن تتكرر هذه الفرصة أبداً -والله أعلم- تعبت جداً، وأصابني الملل حيث أن حياتي أشبه بسجن كبير.

أفيدوني -جزاكم الله كل الخير- آسف على الإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عمر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.

نرحب بك -أيها الابن الكريم– ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، وأن يعينك على الخير، ونسأله تبارك وتعالى أن يُكثر من أمثالك من الصالحين الحريصين على البعد عن الحرام، ونحن نعتقد أن بقاءك هناك والزواج من عربية مسلمة أو مسلمة جديدة لتثبتها على الإسلام فيه مصلحة كبيرة، بل فيه رفعة في الدنيا والآخرة، وأعتقد أنه حتى العربيات المسلمات الأمريكيات فيهنَّ من تحتاج إلى توجيه ورعاية، تحتاج إلى رجل من أمثالك يعينها على الصبر والثبات، ولتجعلوا بيتكم بيئة دعوة إلى الله تبارك وتعالى ونصر هذا الدين ونشره، والمسلم الحق كالغيث حيثما وقع نفع، فنسأل الله أن ينفع بك تلك البلاد وغيرها من البلاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.

إذن الأمر متاح بالنسبة لك، وإذا أُتيحت لك فرصة أن تتزوج دون أن تقع في المخالفات في البداية فهذا هو الأمر المطلوب، وهذا هو الأمر الصحيح، الذي ينبغي أن لا تشتغل بغيره، ونعتقد أن الفرص متاحة، فتواص مع إخوانك في المراكز الإسلامية، الذين سبقوك في هذا الدرب، من أجل أن يعاونوك على الوصول إلى الحلال، ولا مانع من أن يجمع الإنسان بين نية الزواج وبين نيّات أخرى؛ لأن هذا الأمر لا إشكال فيه خاصة إذا أحسن الاختيار.

قد يكون المضر حقًّا هو أن يقع مع أي امرأة، يمارس أي ممارسات فقط من أجل أن يحصل على هذا، لكن أنت الآن تبحث عن صاحبة الدين وصاحبة الخلق، أو تبحث عن مسلمة جديدة تريد أن تثبتها على هذا الدين العظيم، ويمكن أن تبيّن لها أن المشروع عندنا أن المسألة تبدأ بعقد النكاح، وتمارس معها حياتك بطريقة طبيعية، فتجمع بين الأمرين؛ لأن العبرة ليس في الممارسات، لكن العبرة في أنها تتم هناك دون غطاء شرعي، والغطاء الشرعي عندنا الخطبة، والخطبة ما هي إلا وعد بالزواج لا تبيح للخاطب الخلوة بمخطوبته ولا الخروج بها فضلاً عمَّا يحدث بعد ذلك من ممارسات.

ولكن إذا عقد القِران عليها واستطاع أن يُفهمها أن هذا هو التصور الإسلامي لتكون هذه العلاقة صحيحة وأن الخروج بعد ذلك من هذه الحياة ليس من الصعوبة، فالمرأة تستطيع أن تخرج بالخُلع، والرجل يستطيع أن يخرج من حياتها بالطلاق.

فإذا استطعت أن تفعل هذا فهذا أيضًا حسن، ونحن نتمنى دائمًا من المسلمين – من المراكز الإسلامية – أن تطرح التصور الإسلامي كاملاً، الإسلام الذي يرفض هذه العلاقات التي ليس لها غطاء شرعي هو الإسلام الذي يتيح علاقات شرعية بحضور ولي، باتفاق، أمام مأذون شرعي، وشاهدين، كما هو معروف عندكم في المراكز الإسلامية تقوم بكثير مثل هذه المهام.

وأرجو أن يعلم الجميع أن تلك الممارسات الخاطئة قبل الرباط الشرعي حتى في البلاد الغربية هي المسؤولة عن أكثر من ثمانين بالمائة من نسبة الفشل في حياتهم الأسرية، فليس فيها مصلحة، وأرجو أن تكون الصورة واضحة، فهم رغم التجربة، ورغم أنه يعيش وقد يعاشرها، بل قد تلد منه، لكن مع ذلك الحياة لا تخلو من مشاكل بينهم، بل المشاكل معقدة، والخيانات طافحة، إلى غير ذلك؛ لأن هذا أسلوب غير صحيح في التعارف، فالإسلام يريد أن يبني على الأخلاق والدين والنظرة الشرعية، يرتاح إليها، وارتاحت إليه، يسأل عنها، وتسأل عنه، و(لم يُرَ للمتحابين مثل النكاح).

وأيضًا هذه العلاقة التي ليس لها غطاء شرعي لا تخلو من مجاملات، وكل واحد يختبر الثاني، تريد أن ترى بُخله وكرمه، يريد أن يرى كذا وكذا وكذا، فالمسألة تقوم على تمثيل في تمثيل، لكن لما تكون بغطاء شرعي فإنها مسؤولية، الإنسان يُدرك أن هذه مسألة شرعية، مسألة لها ضوابطها ولها قواعدها.

إذن نحن مع الرأي الذي نريد فيه أن تطلب معاونة إخوانك، خاصة من المتدينين، في أن يوصلوك إلى فتاة عربية مسلمة أمريكية، أو فتاة مسلمة حتى ولو غير عربية، أو فتاة تدخل الإسلام وهي محتاجة إلى من يرعاها وتبدأ معها بعقد النكاح - فلا تكون البداية بممارسات خاطئة - وهذه سهلة للتي تريد أن تدخل الإسلام، فنشرح لها أيضًا طريقة الارتباط عندنا معشر المسلمين.

نسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه، وإذا أتيحت لك الفرصة وتزوجت وحدث لك الاستقرار هناك وطورت نفسك دراسيًا، فإنك تستطيع بعد ذلك بهذه المؤهلات وبهذا الجواز الذي تحصلت عليه والجنسية التي تحصلت عليها تستطيع أن تعود إلى أي بلد إسلامي لتعمل أيضًا بامتيازات عالية، وتنفع البلاد والعباد، فأنت - إن شاء الله تعالى – سينفع الله بك في كل مكان، وندعوك إلى التمسك بهذا الخير والحرص والتمسك بهذا الدين العظيم، فإن فيه فلاح الدنيا وسعادة الآخرة، ونسال الله لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً