الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل أكمل حفظ القرآن ثم دراستي العليا؟ وكيف أتخلص من الغرور بسبب الحفظ؟

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله أتممت حفظ 20 جزءا من كتاب الله، ولكني أشعر أحيانا بالكبر والغرور، وأحيانا أشعر بالفرح بأن الله من علي بحفظ هذه الأجزاء من القرآن، وأمنيتي أن أختم كتاب الله حفظا، فكيف أتغلب على الشعور بالغرور أم هو وساوس من الشيطان؟

حفظت ال10 الأجزاء الأخيرة من القرآن قبل دراستي للماجستير وأثناء دراستي للماجستير أتمت حفظ العشرة الثانية -ولله الحمد- ولدي رغبة في حفظ 10 الأولى وتكملة دراستي العليا (الدكتوراة).

سؤالي: هل الأفضل أن أكمل حفظ 10 الأجزاء وبعد ذلك أكمل دراستي؟

وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ fatcomp حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك -ابنتنا الفاضلة- في موقعك، ونشكر لك هذا الحرص على الخير، وهنيئًا لك بهذه النعم العظيمة من الله تبارك وتعالى، ونحن سعداء بهذا السؤال الذي تريدين أن تختاري فيه بين خيارين، ولا يخفى عليك عظمة هذا الكتاب المجيد الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به، ومع ذلك فإننا نقترح عليك أن تُكملي الدراسات العليا، ثم بعد ذلك تحاولين أن تُكملي ما تبقى من حفظ كتاب الله المجيد، ولعل هذا يكون هو الأوفق والأنسب لك؛ لأنك تملكين الآن بعض الظروف التي قد تعينك على إكمال الدراسات العليا، أما كتاب الله فمثلك ممن يُحب هذا الكتاب لن تتخلى عنه، وستُكمل هذا الحفظ بحول الله وفضله ومنّه سبحانه وتعالى.

كذلك لأننا في مجتمع يهتم بمسألة الشهادات، ونحن نريد لحافظة عشرين جزءًا أن تكون لها شهادة علمية تؤهلها وتأخذ موقعها في ساحات التربية والتعليم والتوجيه بهذه الشهادة، أفضل من أن تأخذ هذه الشهادة وتأخذ هذا المقام فتاة أخرى لا علاقة لها بالدين ولا علاقة لها بكتاب الله تبارك وتعالى.

قد يُخفف أيضًا السير في هذا الاتجاه بعض الغرور الذي ربما يحصل، كما تتكلمين عنه الآن، ولكننا نريد أن نقول: هذا الغرور إذا كان شعورًا مستمرًا بهذه الطريقة فقد ندعوك إلى أن تتعوذي بالله تبارك وتعالى من الشيطان الرجيم، ونبيّن لك أن علاج العُجب والغرور إنما يكون بتذكر نعمة الله على الإنسان، فلو وُكل الواحد منا إلى نفسه ما استطاع أن يحفظ سطرًا كاملاً، ولو تفكرت حولك فستجدين هناك من هو أذكى، من هو عنده وقت أكثر، عنده إمكانيات أكبر، عنده فرص أكبر، لكنه لم يحفظ، لكنك حفظتِ، فهذا محض توفيق من الله تبارك وتعالى، ستجدين من هنَّ أكثر منك عافية وفراغًا ووقتًا وفرصًا وكذا، لكنها مع ذلك لم تحفظ جزءًا واحدًا، أو سورة من قصار السور.

إذن هذا محض توفيق ومحض تأييد من الله تبارك وتعالى؛ لأن العجب والغرور لا ينتج إلا عندما ينسى الإنسان نعمة الوهاب، يعني يرى الإنجاز –وهذا فعلاً إنجاز كبير– لكنه ينسى المُوفِّق، فتذكري دائمًا أن الله هو الموفق، إذا جاءك الشيطان فقال: (أنت ما شاء الله حفظت، من مثلك على وجه هذه الأرض؟) قولي: (الحمد لله الذي أيدني، الحمد لله الذي وفقني، ذلك من فضل الله عليَّ، لولا مِنَّة الله عليَّ ما استطعت، لو وكلنا الله إلى أنفسنا ما استطعنا أن نعطيها جرعة ماء) بمثل هذا الكلام يحارب الإنسان هذا الغرور، ولذلك النبي -عليه الصلاة والسلام– يُبين لنا في درس عظيم -عليه صلاة الله وسلامه– وهو: أن الإنسان عندما يعلو يتواضع لله تبارك وتعالى، عندما ينجح يشكر الله تبارك وتعالى، ولذلك في أعلى لحظات العز والشرف والانتصار، يوم فتح مكة كان النبي -صلى الله عليه وسلم– مطأطئ الرأس، متواضعًا لله تبارك وتعالى، بل قال بعضهم من الأسرار البديعة في هذه الصلاة، أن الإنسان في أخفض أحواله وهو ساجد لله يقول: (سبحان ربي الأعلى) فالإنسان ينبغي أن يتذكر عظمة العظيم، وقدرة القدير، وهبة الوهاب، وفضل المنان عليه، حتى لا يجد الغرور مكانًا إلى صدره وإلى نفسه.

مع ذلك فنحن نؤيد ونقترح عليك أن تصلي صلاة الاستخارة، والإنسان إذا احتار بين أمرين فإنه يُصلي لله صلاة يطلب فيها الخير ممن بيده الخير، وإن كنت ولله الحمد تسيرين في اتجاهين كلاهما من الخير وكلاهما من الأمور المفيدة، ونحن دائمًا –وأنا شخصيًا- حريصون جدًّا على أن تكون حافظة القرآن تملك شهادة، على أن يكون حافظ القرآن من المتفوقين في دراسته؛ لأننا نريد إخراج قادة من الحُفاظ، من الذين عندهم ولاء وحب وتعظيم لهذا الكتاب المجيد الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به؛ لأن أمثال هؤلاء الذين يحملون شهادات ويحفظون كتاب الله تبارك وتعالى يحصل بهم النفع الكبير، ويُشكل القدوة المطلوبة للناس، فإنا نريد للإنسان أن يملك شهادات الدنيا وقبلها يملك شهادات الآخرة، وشهادات الحفظ لكتاب الله تبارك وتعالى؛ لأن هذا هو المعنى الجميل الذي ينبغي أن يكون واضحًا في حياتنا حتى يأخذ القرآن مقامه ومكانه، والقرآن دائمًا يدفع بأهله إلى كل النجاحات.

نقترح عليك مرة أخرى إكمال الدراسة، وأنت -إن شاء الله تعالى– تستطيعين كما فعلت في دراسة الماجستير أن تُكملي الحفظ وتُكملي رسالة الدكتوراه، وطبعًا إذا وصلت إلى هذا فإن هذا نموذج رائع، ولا أظن أن في الأمر صعوبة، وربما يحتاج الأمر إلى شيء من التنظيم في الوقت وحسن التوكل على الله تبارك وتعالى، والإكثار من قول: (لا حول ولا قوة إلا بالله) وحسن اللجوء والتضرع إلى الموفق سبحانه وتعالى، الذي يعطي الإنسان قدرات وطاقات.

نسأل الله لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • قطر fatcomp

    جزاك الله خيرا

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً