الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أوازن بين حاجة أمي لي وحقوق زوجي عليّ؟

السؤال

السلام عليكم

أنا متزوجة من شهر 1/2013 من ابن عمتي، لكن دائماً في مشاكل، وتطلقت منه مرة بعد الزواج بشهرين، وكل المشاكل بسبب أشياء تافهة من بينها نشري للغسيل، فيشاجرني لماذا فعلته في هذا الوقت؟ وهو لم يأمرني بهذا، وقبل الزواج تركت العمل، لأن والدتي أجرت عملية قلب مفتوح وتحتاج للرعاية، وعندما اكتمل شفاؤها رجعت للعمل ثم تركته، ومرت حوالي سنة دون عمل.

والدي متوفى منذ 2007، وأخي الذي يكبرني متزوج، وبعد زواجي اتفقت مع أخي أنه لا بد من رعاية والدتي، ولا نتركها يوماً تنام بمفردها، وبيتي أنا وأخي بجانب أمي، لأنها دائماً تشعر بالوحدة عندما تكون بمفردها، ولا تأكل، وتعودت أن أكون معها وأذهب بها إلى أي مكان تريده، وكنت مسؤولة في المنزل بعد غياب أبي، وانشغال أخي في عمله وبيته، وأقوم بقضاء كل ما تريده أمي، وعندما يأتي موعد جلوس أخي مع أمي فإن زوجته لا تهتم بأمي، فهي تتركها بمفردها طيلة الوقت وتنام، أو لا تذهب للجلوس معها إلا في وجود أخي، ولا يوجد بيدي شيء، لأنه وقتها يكون اتفاقي مع زوجي على وقت جلوس أخي.

يتعبني الشعور بأني أريد الذهاب لأمي ولا أتركها بمفردها، ولا أريد أن أترك أمي لزوجة أخي تتحكم بها وتتركها وحدها، ودائماً في مشاكل مع زوجي، وللأسف لست سعيدة، ولا أعرف كيف أوازن بين أمي وزوجي، فأنا أرى في الطلاق حلاً لعدم جلوس أمي بمفردها، وأتخلص من مشاكلي مع الزوج، وأحياناً أشعر بعدم رغبة زوجي في جلوس أمي معنا، أو جلوسنا نحن معها في منزلها، أرجوكم أرشدوني، لأني أشعر بحالة من الضيق، وأطلب من الله أن يدبر أمري لأنني لا أستطيع العيش بدون أمي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ mai حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونبارك لكم هذا الشهر الفضيل، الذي نسأل الله أن يكون مفتاحًا للخيرات، وعونًا على طاعة رب الأرض والسموات، وأن يعيده عليكم مرات ومرات، وأن يجعلنا ممن طال عمره وحسن عمله.

بداية نشكر لك هذه المشاعر النبيلة، وهذا الوفاء للوالد، الذي نتمنى أن ينال حظه من الدعاء، وهذا الوفاء والإحسان للوالدة، التي نسأل الله أن يطيل عمرها في طاعته، وأن يرزقكم برها، وأن يعينك على كل أمر يُرضيه، ونؤكد لك فكرة ضرورة التوفيق بين حق الوالدة وحق الزوج، وأنت الآن -ولله الحمد- لست مقصرة، فأنت تقومين بواجبك كاملاً، وينبغي أن يقوم شقيقك بواجبه الأكمل، بل هو الأولى بأن يقوم بواجبه، لأن أولى الناس بالرجل أمه، في حين أن أولى الناس بالمرأة زوجها.

وإذا كان هذا الزوج يسمح لك بهذا الإحسان، بأن تكوني معها طوال الوقت، وأنت تريدين عند حضور الزوج أن تعطيه حقه وحظه، فهذا هو الذي ينبغي أن تستمري عليه، والله يعلم ما في نفسك من الخير والبر والإحسان، ويجازيك على ذلك خيرًا.

ونتمنى أن تُشعري هذا الزوج بأنه لم يقصر، وبأنه سينال ثمار هذا البر لوالدتك، لأن الله سيرزقكم بالأبناء البررة، وحاولي دائمًا أن تتعاملي مع زوجك بمنتهى الهدوء، وتشكري له ما فيه من إيجابيات، وتحتملي منه، فنحن لا نرى الطلاق حلاً، بل نؤكد لك أن الطلاق سيحزن الوالدة أيضًا، لذلك ما ينبغي أن تشعر بهذا الخلل بأنك متضايقة، وأن زوجك غير راض، لكن ينبغي أن ترى منكم الخير، فتفاهمي في هذا الموضوع مع أخيك، واتركي زوجته، وأعطيها أيضًا مقدارًا من الثقة، فماذا ستفعل لهذه الأم؟ إنها إن فعلت خيرًا ستجد خيرًا، وإن قصرت في حق هذه الوالدة الكبيرة، فلن تنال خيرًا، وسوف تشرب من الكأس نفسها، الله عدل، والذي يفعل في هذه الدنيا الخير يعطيه الخير، والذي يقصر ويخون ويكون ذو وجهين، فجزاؤه عند الله تبارك وتعالى، والمكر السيئ لا يحيق إلا بأهله، فحاولي أن تسددي وتقاربي.

وبيتك ليس بعيدًا من بيت الوالدة -والحمد لله-، فاجتهدي في التوفيق بين الواجبين، واحرصي على إرضاء زوجك والإحسان إليه، والاحتمال منه، وتفادي ما يُثير غيرته وغضبه ومشاكله، ونعتقد أن الأمر ليس صعبًا، فالذي أعانك سبحانه وتعالى في الفترة الماضية سيعينك فيما تبقى، ونسأل الله أن يمنحك القوة والعافية، وأن يعينك على الخير.

ونتمنى أن تكون الوالدة في مكانها، وتنال الإكرام والتقدير، ففعلاً وجودك الدائم مع الوالدة يضيع حق الزوج، كما أن وجودك مع الزوج -ولله الحمد- محدود في أوقات عودته من العمل، حسب الاتفاق مع أخيك ومع زوجك، كوني مع الوالدة، واجتهدي في الإحسان إليها، وإذا احتاجتك في غير هذا الوقت فعليك أن تُحسني الاعتذار للزوج، وحسن الطلب منه وإرضاؤه، ومعرفة قيمته ومنزلته، وشكره على إحسانه، حتى يكون معك عونًا على أداء هذه المرحلة التي تمرين بها، من حاجة الوالدة الشديدة لك ولأخيك.

ونتمنى من الأخ أن يقوم بدوره هو، فالإنسان ما ينبغي أن يترك إكرام والدته لزوجته، بل يتولى الإكرام بنفسه، وهذا خطأ يقع فيه الكثير من الناس، بعض الناس قد يأتي بخادمة لتخدم والدته، ويطلب من زوجته أن تخدم والدته، لا، الشرف والمكانة والرفعة أن يتولى هو رعاية الأم، والجلوس عندها وإكرامها وإطعامها، كما كان سلف الأمة الأبرار في حرصهم على بر أمهاتهم، هناك نماذج عجيبة ومشرقة عند سلف الأمة في برهم لأمهاتهم بأنفسهم، بل في زماننا من ترك الكثير من المهام والنجاحات ليكون عند فراش الوالدة، يُلبي الطلبات ويقوم بخدمتها بنفسه، ولا يكاد يفارقها إلا ليذهب فيصلي، ثم يعود إليها مسرعًا، وهي تبادله الدعوات.

فشجعيه أن يتولى بر الوالدة بنفسه، ولا تفتعلي المشاكل مع زوجته، ونسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه، وأحسن من قال: (ما حكَّ جلدك مثل ظفرك، فتولى أنت جميع أمرك)، فكيف إذا كان هذا الأمر هو بر الوالدة، فعليه أن يجتهد في برها، وأن يتقرب إلى الله بالإحسان إليها، وعند ذلك ستشعر زوجته وتعرف قيمة هذه الوالدة التي يقدرها الزوج، وسيحملها ذلك على مزيد من البر والإحسان للوالدة، أما أنت فحافظي على بيتك، ولا تستعجلي طلب الطلاق، واعلمي أن المرأة تستطيع أن تسترضي زوجها، وتنال رضاه بكلمات طيبة وبتصرفات حسنة.

نسأل الله لكم التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • مصر رضوي

    الموضوع شيق

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً