الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أدمنت أمي على الحبوب المنومة فدمرت حياتها، كيف نتعامل معها ونعالجها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

والدتي تبلغ من العمر 50 سنة، وتعاني من إدمان الحبوب المنومة: (sleep aid) ولها ما يقارب أربع سنوات منذ أن بدأت بتناولها، ولكن في آخر سنتين تمكن منها هذا العقار المنوم؛ حيث فقدت حياتها الاجتماعية والوظيفية والأسرية، وأصبحت انطوائية، وتعاني من حالة اكتئاب حادة، ولقد حاولت الانتحار 3 مرات خلال هذه السنة، وفقدت ارتباطها بالعالم الخارجي، وبدأت لديها حالات وسوسة وهلوسة وتخيل أشياء.

في الآونة الأخيرة نلاحظ أنها بدأت تفقد التوازن في المشي والحركة؛ حيث تسقط دائما، وتفقد توازنها في المشي، وكذلك الكلام أصبح لسانها ثقيلا، ولا نعرف كيف نتصرف معها؟

لقد عقدت العزم أكثر من مرة على ترك الحبوب، ولكنها تفشل خلال يومين ثم تعود لها.

نريد طريقة لمساعدتها على الإقلاع عن الإدمان، طريقة في المنزل لأنها ترفض الذهاب إلى مصحة لإعادة تأهيلها، أو الذهاب لطبيب مختص.

مع العلم أنها راجعت طبيبا نفسيا، وصرف لها حبوبا نفسية لحالة الاكتئاب فقط، وتتناولها الآن ولكن لا توجد نتيجة منها.

أنتظر الإجابة بفارغ الصبر، وشكرا جزيلا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ mohammad حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونشكر لك تواصلك مع إسلام ويب، وأسأل الله تعالى الصحة والعافية لوالدتك.

كما تعرف فإن التعود على الحبوب المنومة هو: أحد المعضلات الطبية النفسية الحديثة التي نشاهدها بكثرة، وذلك بالرغم من أن معظم الذين يعانون من هذه المشكلة لا يأتون أصلاً لمرافق العلاج؛ لأن أمر التعود الإدماني على الحبوب المنومة تكتنفه السرية، ويتخوف الناس من الوصمة النفسية والاجتماعية، لذا قلَّ ما يقدمون أنفسهم لمرافق العلاج.

الفاضلة والدتك -شفاها الله- لديها أعراض طبية هامة لا يمكننا أن نتغاضى النظر عنها، فبما أنها تعاني من هلوسة، وأنها فقدت الارتباط بالواقع وبالعالم الخارجي، هذا يتطلب حقيقة إعادة تقييمها، وفي ذات الوقت بما أنها أصبحت تفقد توازنها في المشي، وكذلك لديها تعثر في الكلام وثقل في اللسان، أضف إلى ذلك محاولات الانتحار السابقة، أرى أن أمرها يستحق فعلاً أن يتم التركيز عليه بصورة أكثر مهنية، ولذا أدعوك -أيها الفاضل الكريم- أن تذهب بها ولو لمرة واحدة للطبيب النفسي، إن لم يكن الطبيب النفسي فليكن الذهاب إلى طبيب الأعصاب، وذلك للتأكد من سلامتها الجسدية، وربما تحتاج لإجراء صورة مقطعية مثلاً؛ للتأكد من أنها لم تُصب بجلطة دماغية بسيطة -لا قدر الله-.

أرجو ألا تنزعج لما ذكرته لك، كل الذي أريده هو الخير لوالدتك، وأن تكون مستبصرًا بما يفيدها وينفعها.

التوقف عن الأدوية الإدمانية يتطلب بناء قناعات لدى المريض، المريض الذي يتعود على هذه الأدوية مجرد التفكير في التوقف عنها يسبب له قلقا وضيقا وأزمات نفسية كبيرة، وكما تلاحظ أن الذين يتعودون على الحبوب المنومة تجدهم دائمًا يتخذون الاحتياطات اللازمة لأن تكون لديهم كميات كبيرة متوفرة من هذه الأدوية، لكن بالاستبصار والتحدث والشرح الدقيق من جانب المختص يقتنع المريض إن شاء الله تعالى أنه يمكنه أن يتخلص من العلاج الذي أدمن عليه، حيث إن البدائل موجودة، وفي ذات الوقت تلمس الإنسان وتحسسه وإدراكه للمخاطر التي قد تأتيه تجعله أيضًا يقتنع بأهمية العلاج.

والمريض الذي يشعر بأن هنالك من يراعيه من الأطباء ويقف بجانبه ويحضر له البدائل المعقولة ويسدي له النصيحة، هذا المريض أيضًا لديه قابلية كبيرة للتغير والتوقف عن هذه الأدوية.

أرجو إن كان بالإمكان أن تقابل والدتك الطبيب حتى ولو لمرة واحدة، أرجو أن يوفر لها هذا.

بالنسبة لعملية التوقف عن الأدوية، أولاً: يتم تحديد هذه الأدوية وجرعها، والأدوية المنومة مثل الأدوية الأخرى لديها ما يعرف بالنصف العمري للدواء، والنصف العمري يقصد به: المدة التي يقضيها الدواء في الدم وهو في حالة نشطة، هنالك أدوية بعيدة المدى، هنالك أدوية قصيرة الفعالية، وهكذا.

إذًا الأمر فيه الكثير من الفنيات، ليس فقط أن أوقف دواءً وأعطي دواء آخر.

بعد أن تُحدد كل المعالم التي ذكرتها، يُبدأ بعد ذلك في التوقف التدريجي للدواء، والتدرج عادة: يكون بتخفيض واحد على ثمانية من الجرعة التي يتناولها الإنسان، وفي ذات الوقت يتم إعطائه أدوية بديلة، وكما تفضلت فإن الأدوية المضادة للاكتئاب تعتبر بديلاً جيدًا، لكن يجب أن يتم تخير دواء يحسن النوم، ويقلل من القلق والتوتر والمخاوف لدى المريض.

عقار (ريميرون Remeron) يعتبر من البدائل الجيدة جدًّا، ويضاف إليه عقار (دوجماتيل Dogmatil) وكذلك عقار (اتراكس Atarax).

إذًا هنالك عملية سحب تدريجي، وهنالك عملية إضافة تدريجية لأدوية من مجموعة أخرى، وفي ذات الوقت هنالك حاجة للجلسات الكلامية مع الوالدة، وأن نشعرها بأهميتها وكينونتها، ونعيد لها اعتبارها التام، نشعرها بدورها الفعال في الأسرة، هذا السند الاجتماعي يشكل ركيزة علاجية أساسية جدًّا.

الوالدة يجب أيضًا أن نشجعها على بعض الأنشطة: زيارة الجيران، زيارة أرحامها، ومجالسة الداعيات من أجل المساندة، هذا كله يعطيها دعمًا كبيرًا جدًّا؛ لأن الأدوية الإدمانية استعبادية جدًّا، تحصر الإنسان وتستعبده في نطاق ضيق جدًّا، وتُغلق أمامه وسائل التفكير الصحيح، لكن بالمساندة والاستبصار -كما ذكرت- نستطيع أن نحرر المريض من الذي هو فيه، وإن شاء الله تعالى تستوي الأمور على خير.

عملية التوقف التدريجي قد تستمر ستة أشهر؛ إذًا يجب أن يكون هنالك مبدأ واتفاق وتدرج، والتزام من جميع الأطراف.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لها الشفاء والعافية.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً