الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا تعجبني طريقة والدتي في التعامل وأنا أريد رضاها، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم..

عمري 19 سنة، مشكلتي هي أن أمي عصبية، وتهتم بتربيتنا كثيرا، لدرجة أنها تنبهنا على كل شيء، وعلى كل التفاصيل المملة، تريدنا أن نصبح آلات مبرمجة، وأن نفعل كل ما تريده بالطريقة الصحيحة التي تريدها هي، ودائما أشعر بأنها لا تحترم شخصيتي وأسلوبي، وتتجاهلهما، وتعاملني كطفلة، وتريد كل شيء على الألف، وعلى طريقتها هي، ودائما تقول كيف ستتزوجين وأنت على هذا الحال، وأنني لا أعرف كيف أدير المنزل، مع العلم أنها لا تمنحني حتى الفرصة لأريها ما أستطيع فعله.

ومثال آخر: أننا كلما ذهبنا لزيارة أحد أقاربنا، فإنها تظل طول الطريق تنبهنا وتشدد علينا أن نحسن التصرف، وتشعرنا وكأننا لا نفهم ولا نحسن التصرف، لذلك دائما ما تكون النتائج سلبية، فنتصرف مع الناس بغرابة، وحذر شديد، وخوف من أي خطـأ، وبالإضافة إلى ذلك فإنها تؤنبنا بعد العودة إلى المنزل إذا لم نتصرف كما يجب.

أصبحت أكره الاختلاط بالناس، ومترددة، وغير واثقة من نفسي، وأرهب التكلم مع الناس، مع أنني في طفولتي كنت أفضل من الآن من الناحية الاجتماعية.

ولقد واجهتها مرة بهذا الكلام، ولكنني لا أشعر بأن شيئا قد تغير، وأنا في الأساس شخصيتي قوية، وأكره الأوامر، وأحب أن أفعل كل شيء على طريقتي، فأنا لا أحتمل أسلوبها مطلقا، وأشعر بأنه سلبي دائما (يضر ولا ينفع)، ولهذا أنا دائمة التشاجر معها، وفي نفس الوقت أريد أن أنال رضاها، ولا أعرف كيف؟

ألا يجب أن تعاملني معاملة الكبار؟ وأن تشعرني بمسؤولية تصرفاتي؟ أم أن أمي تؤدي واجبها التربوي بدون تقصير؟

أفيدوني جزاكم الله كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هبة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

نرحب بك - ابنتنا الفاضلة - ونشكر لك هذا الحرص على السؤال، وقد أسعدنا حرصك على إرضاء الوالدة، ونسأل الله أن تنالي رضاها ورضا والديك، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

ونحب أن نؤكد لك أن الصراع الحاصل بينكما هو صراع يرتبط بالمرحلة العمرية التي أنت فيها، وكم تمنينا أن يُدرك الآباء والأمهات أن الأبناء والبنات في هذا العمر يحتاجون إلى قدر كبير من الحوار، والثقة، وإعطاء المسؤولية، والحب والتقدير، والحوار والنقاش، والثناء والمدح، هذه معان كبيرة جدًّا لابد أن تتفهمها الوالدة.

ومع ذلك فنحن نؤكد لكم حب الوالدة الشديد لكم، وحرص الوالدة الشديد عليكم، بل هو حرص زائد عن حده، ولذلك ينقلب أحيانا إلى ضده، من هنا نتمنى أن تشكروا الوالدة على إسهاماتها، وعلى مجهودها، وعلى تعبها في تربيتكم وحسن رعايتكم، وحاولي أن تثبتي لها أنك محل ثقة، وذلك بحسن التصرف، وبإظهار العطف عليها والشفقة عليها، ومساعدتها في بعض الأمور، والنجاح في العمل الذي تقومين به، وإتقان أي عمل، لأن إتقان الأعمال هو الذي يجلب الثقة عند الوالدة الحريصة على النجاح والحريصة على التميز الكامل، وأنت قلت – ولله الحمد – أنها تقوم بواجبها كاملاً.

ولكن ينبغي أن تعرف الوالدة طبيعة المراحل العمرية، والفتاة في هذه السن فعلاً تحتاج إلى مساحات تتعلم فيها التصرف، تحتاج إلى أن تعاملها الوالدة كالصديقة، تشاورها، تحاورها، ولأن آباءنا وأمهاتنا الكبار غير متعلمين، فالدور علينا وعليكم معشر الشباب في أن تقتربي من الوالدة وتصادقيها، وتفوتي لها الأمور الصغيرة، وتطيبي خاطرها، وتُظهري الشفقة عليها، وتُظهري الشفقة على إخوانك الصغار، وتُثبتي حسن التصرفات أمامها، وأن تجتهدي دائمًا في أن لا تقفي أمام طريقها، فإذا أمرت بالصواب فعليك أن تعملي الصواب، وإذا أمرت بشيء يخالف طبيعة الشباب أو طبيعة الحياة أو طبيعة الناس والأشياء؛ فعند ذلك ينبغي أن تُسمعيها خيرًا (والدتي: حاضر، خاطرك طيب، وأبشري إن شاء الله) ثم نفعل ما يُرضي الله، ثم نفعل المعقول، ثم نفعل ما نستطيع.

ولكن مشكلة بناتنا في هذا السن أنها تقف وتجادل (زماننا غير زمانكم، الوقت تغير، وأنت لا تعرفين)، وهذا يُدخلنا في دوائر مظلمة.

أنا أقول: قد تطلب الوالدة أشياء غير معقولة، عند ذلك نُحسن الاستماع، ونفعل الصواب، نفعل ما يُرضي الله تبارك وتعالى، دون جدال ودون مناقشة، ونطيب خاطرها، ونبيّن لها هذه الأمور بعد أن نُلبي النداء، بعد أن نُعلن الطاعة بلا حدود للوالدة، ولذلك الله تبارك وتعالى -حتى والوالدة تأمر بالكفر والمعصية- لم يقل: نعاند، أو نجادل، إنما قال: {وإن جاهداك على أن تُشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما} بمنتهى الهدوء، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، لكن لم يقل: تشتمهم، أو تخاصمهم، أو تتضايق منهم، وإنما قال بعدها: {وصاحبهما في الدنيا معروفًا}، لاحظ هذه والدة أو والد يأمر بمعصية، الله يقول: ما نطيعهم، ولكن لا نشتد، ولا نشتم، ولا نخاصم، بل على العكس: {وصاحبهما في الدنيا معروفًا}، برا، وإحسانا، وشفقة، وإرضاء لهم.

فإذن المسألة تحتاج منك إلى مداراة، وتحتاج من الوالدة إلى فهم طبيعة هذه المرحلة العمرية، ونتمنى ألا تُظهري لها هذا الانزعاج، وحاولي أن تقتربي منها وتصادقيها، وتكوني إلى جوارها، تعرفي على دوافعها الفعلية، وناقشيها مثل هذه النقاشات الهادئة ولو على سبيل القصة عن زميلة أخرى، وكيف أن أمها تعاملها، وكيف أن الأسرة حملتها المسؤوليات، وأنا أريد مثل ذلك، أعطني يومًا كاملاً أتحمل فيه مسؤولية البيت، وعند ذلك تجتهدين في الإحسان، وعلى الوالدة أن تصبر عليك إذا حدث خللاً، لأنه متى نتعلم ونتحمل المسؤولية؟ متى تتعلم الفتاة هذه المهام إذا لم تُتح لها فرصة في بيتها؟

بمنتهى الهدوء، في حب، وتعاون، وصداقة، وإخاء، وقُرب، ومشاعر نبيلة من الوالدة تصل إلى بنتها.

نسأل الله تعالى أن يعينك على الخير، وأن يعين الوالدة على فهم المرحلة العمرية التي تمرين بها، وأن يعينك أيضًا على فهم الدوافع النبيلة للوالدة حتى لا تحملي الأمور فوق حجمها، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • مصر syria

    جزاكم الله كل خير وجعله في ميزان اعمالكم

  • السعودية حزينة

    السلام عليكم
    كانت امي رحمها الله مثل أمك وبعد وفاتها تمنيت لو انها تربطني ليلا نهارا وان لا أعصيها أبدا وان أتحمل كل شي وأنفذ كل شي تريده مني،

    اهتمي بامك والحسين اليها مهما بدر منها ووالله لن تجدي شخصا يحبك مثل أمك ولن يشعر اي احد بهذا الشعور الا بعد فراق أمه

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً