الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أرهقتني الوساوس وأتمنى أن أعيش حياة سعيدة، فبماذا تنصحونني؟

السؤال

السلام عليكم.

توفيت والدتي بسرطان الثدي عندما كنت في الصف الثالث المتوسط، فأحسست بنوع من الراحة، لأنها كانت تعلم كثيرا من المواقف المحرجة التي حصلت لي، ولم أكن أريد أن يعيش أحد ممن هو عالم بنقاط ضعفي، وأحيانا أتمنى أن أصاب بمثل مرضها، علّ ذلك يوقظ قلبي، فهو لا يستيقظ عادة إلا إذا بلغ السيل الزبى.

فأنا أعاني من وسوسة في أمور العقيدة والطهارة منذ صغري، فأنا أبقى ساعات عدة تحت الدش، لأنني أظن بأني لم أنظف بعد، وكذلك الأواني والملابس، فأنا أسكب مئات اللترات من المياه لكي أغسل ملابس قليلة، وأستحم لكل صلاة تقريبا، وأمشي بغرابة، وأتجنب لمس الناس.

وأما وسواس العقيدة: فأنا أعاني من وسواس الاستهزاء بالدين، ووسواس مخارج الحروف في الصلاة، لدرجة أني أغلق الباب على نفسي حتى أصلي لوحدي.

وفي إحدى المرات قرأت بأنه إذا مر أحد على ورقة في الطريق، وغلب على ظنه أن فيها اسما معظما ولم يحملها فهو كافر، وفي يوم كنت أمر في شارع بين المنزل والمدرسة، فوجدت جرائد ملقاة على الأرض، ولم أرفعها استحياء من الناس، فلما عدت إلى البيت بكيت على نفسي، هل أخسر دنياي وآخرتي من أجل الناس؟ ولكنني من بعدها أصبحت عديمة الإحساس، فها هي ذي الجرائد يلف بها الطعام، ولا أهتم بها.

أصبحت أخاف من الخروج، وكذلك أخاف من البقاء في المنزل، لأن قلبي يرتعد غالب الوقت، ولا أرتاح إلا عند النوم فقط، فماذا أفعل؟

أما من حيث الدراسة: فقد تم وضعي في تخصص لم أرده، على الرغم من أني متفوقة، والسبب مجهول، فأنا في صف جمعوا فيه أغبياء المدرسة، لأنهم حقا لا يفهمون إلا بصعوبة، والأسوأ من ذلك أنهم ساذجون، ويسخرون من أستاذ ملتح، ويسبون الدين، وينظرون إلي بغرابة لأني أرتدي حجابا، وإذا رأيت طلاب القسم العلمي أبكي كثيرا، فأنا لا أحب تخصصي، ولا دروسي، ولا أحب الذهاب إلى المدرسة، فأنا أستغرق ساعتين مشيا على الأقدام، وأنا أحمل حقيبة ثقيلة، وفي هذا الحر، مع قلب كاره أجلس وحيدة، ولا أصلي الظهر حتى يخرج وقته، والأمر يقع أحيانا مع العصر، ويقع كثيرا في الشتاء، وبالكاد يكفيني الوقت لكي آكل وأرتاح قليلا، حتى أعود للدوام المسائي الذي يبدأ في الساعة 5 والنصف.

أتمنى حقا أن أتزوج برجل متدين، وأخاف أن يرفض والدي، فماذا أفعل؟

كنت في صغري ذكية، ذات خيال، أفكر كالكبار، طموحة، ولكني لم أحسن استغلال ذلك، ولم أعد أشعر بأني متميزة.

أضف إلى ذلك، فأنا في المنزل ملزمة بأن أعد الطعام في نوبتي، ونصفنا يتبعون الحمية ضد الغلوتين، أما والدي وعمي فهم لا يأكلون مثلنا، ولا يشتركان في أكل واحد كثيرا، ونحن الذين نأكل الغلوتين، وأخاف إن لم أطبخ مايطلبون أن يسبوا الدين، فتراني أطبخ عادة طبقين أو 3 أطباق، وإذا تأخرت 5 دقائق عن موعد تقديم الأكل أو القهوة؛ فستحدث كارثة، لأن إخواني الذكور لا يتفاهمون، ويحدثون الفوضى في المنزل الواسع والشاق تنظيفه، ولا يبالون، فتجدني أغضب بسرعة بسببهم، وأتأثر وأبكي بسرعة.

أصبحت أحب العزلة والوحدة، وأتمنى أن أعود صغيرة بدون مسؤولية، وأن أعيش حياة سعيدة بشخصيتي البريئة العفوية التي تقول ما تراه صائبا، فبماذا تنصحونني؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أنت بالفعل تعانين من وساوس قهرية فيها الجانب الفكري، وفيها الجانب العملي الاستحواذي الترددي، وكل ما تحمله الوساوس القهرية من شراسة وإيلام للنفس أعتقد أنك تعانين منه.

الشيء المهم والضروري جدًّا: أن هذه الوساوس هي وساوس طبية في المقام الأول، ويجب أن تعالج على ضوء ذلك.

عدم تفهم الأسرة للوساوس: هذه معضلة، وأتفق معك، ولكن يجب أن تخطري أسرتك بأنك قد تواصلت معنا، أو تواصلت مع أي طبيب، ونصحناك بالعلاج، فهذا النوع من الوسوسة لا يعالج إلا من خلال برامج طبية نفسية مؤصلة ومعروفة ومؤكدة، وأول خطوات العلاج هي:
- تناول العلاج الدوائي، والعلاج الدوائي سوف يُمهد الطريق إلى العلاج السلوكي، والعلاج السلوكي تكون ثماره - إن شاء الله تعالى – التكيف الاجتماعي الذي يجعلك تعيشين حياة طيبة وسعيدة دون وسوسة، ودون تمزقً نفسيً داخليً.

فأنا لن أخوض معك في تفاصيل الوساوس، ولكن التفاصيل التي ذكرتها أقنعتني تمامًا أنك بالفعل تعانين من رزمة وسواسية، وهذه الرزمة الوسواسية يجب أن تُكسر، والذي أؤكده لك هو: أن تدخل العلاج المبكر دائمًا ما يعطي نتائج رائعة، ورائعة جدًّا.

وكل ما يحدث لك من عسر في المزاج، وشعور بالكدر والكرب ناتج من هذه الوساوس، ومشكلة الوساوس أنها تفقد صاحبها التفكير، وتفقده طعم الحياة، ولها (حقيقة) إشكالات كبيرة، ولكن الشيء المفرح الذي يجعلنا نشجع الناس للذهاب إلى مرافق العلاج هو: أن نتائج العلاج أصبحت رائعة، ورائعة جدًّا، - والحمد لله تعالى - أن الأدوية الحديثة جيدة، ومتميزة، وسليمة، وغير إدمانية، كما أنها متوفرة وفي متناولنا ومتناول أيدي الناس، والمهم هو الانضباط في تناول هذه الأدوية، واتباع الإرشادات الأخرى.

نصيحتي لك: أن لا تتأخري لحظة واحدة، وأن تذهبي إلى الطبيب، وهذا من حقك، ولا أعتقد أن أهلك سوف يرفضون إذا عرفوا بأن ما تعانين منه هو وسواس قهري طبي يحتاج لعلاج طبي.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً