الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصبت بمرض التغرب عن الذات.. فهل هو مرض عضوي أم نفسي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وجزاكم الله خيرا عن أمة الإسلام لما تقدمونه، وبعد:

كنت قد استشرتكم سابقا عن حالة قد أصابتني منذ ما يقارب سنتين ونيف، وهي حالة سميتموها عصاب ما بعد الصدمة، وقد وصفتم لي مجموعة أدوية، وقد كان آخرها زولفت، وهو الدواء الوحيد الذي أفادني، وقد انتهيت من تناول آخر حبة من دواء زولفت منذ ما يقارب شهر تقريبا -والحمد لله- جميع أعراض ومسببات هذه الحالة قد انتهت بنسبة 100 % وخصوصا أنني الآن لا أتناول أي نوع من اﻷدوية، فلم أشعر بأي انتكاسة.

ولكن هناك شيء أخير لم أجد علاجا أو سمعت أحداً شفي منه، وهو شعور الغربة عن الذات؛ ﻷن هذه الحالة أتتني بعد عدة عوارض كالاكتئاب الشديد، والخوف، وعدم القدرة على النوم، ولكن ما تسببت به اﻷعراض لا زلت أعاني منها، ولم تتحسن، فالسؤال هنا: هل من الممكن أن يصبح هذا الشيء عضويا، وليس نفسيا؟

مع العلم أني قد قمت ببعض التحاليل والصور عند إصابتي بهذه الحالة، ولكن كلها سليمة، فهل من الممكن بسبب هذه اﻷعراض التي عانيت منها في البداية بما يقارب الأسبوعين، ثم أصبت بهذه الحالة وهي الغربة عن الذات، هل من الممكن أنها عملت خللا ما في نشاط الدماغ أو أي خلل عضوي ما؟ لأنني إلى هذا اليوم لا أجد أي جواب شاف لهذا الموضوع، وهل سوف يبقى معي إلى الممات؟ لأنه وبصراحة تعبت من تناول الأدوية لما فيها من آثار جانبية من زيادة وزن، وعدم اتزان.

سمعت عن علاج بما يسمى الرنين المغناطيسي، أو شيئا يشبهه يقوم على تحفيز المنطقة المسؤولة في الدماغ؛ ﻷن الدماغ بسبب الصدمة يقوم بوسيلة دفاعية؛ لذلك تحدث هذه الحالة.

فإذا سمعتم عن هذا العلاج من قبل أو أي علاج آخر، فأرجو إعلامي، وإن كان لا يوجد أي علاج لهذه الحالة فلا حول ولا قوة إلا بالله، ساعتها أعرف أنه لا علاج، ويمكنني التعايش مع هذا الأمر، ولكني لا أريد أن أجعل نفسي حقل تجارب بسبب الأدوية؛ لأني طوال حياتي لم آخذ حبة ألم للرأس، وفجأة أخذت جميع اﻷدوية؛ ﻷنه بعد فترة سوف أذهب للعيش في السويد، وهذه الحالة لها تأثير كبير على ضعف الذاكرة، فأريد أن أتعلم اللغة وسوف أبدأ حياة جديدة؛ لانني أذكر جيدا أنني كنت أحفظ رقم هاتف معين من أول مرة يقال لي، أما الآن فعليك الإعادة أكثر من عشر مرات، وربما لا أحفظه وإذا حفظته أنساه بعد نصف ساعة أو أنسى أني فعلت كذا ولم أفعله، والعكس.

وهذا مثال من أمثلة كثيرة، فما بالك إذا أردت تعلم لغة جديدة، فماذا أصنع؟

أرجو اﻹفادة، وعذرا على اﻹطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنحن سعداء جدًّا أن نعرف أن أعراض (عُصاب ما بعد الصدمة) قد اختفى وانتهى، هذا من فضل الله ورحمته، فنسأل الله أن يُديم عليك وعلينا وعلى جميع المسلمين العافية.

حالة (التغرب عن الذات)، أو (البُعد عن الذات)، أو يسمى بـ (اضطراب الأنّية) هي من الأعراض غير محددة المعالم، وأتفق معك أنها سخيفة بعض الشيء، لكن هنالك إجماع علمي كامل أنها ليست خطيرة، وأنها هي نوع من القلق النفسي، ومن أفضل طرق علاجها هو التجاهل التام لها، بالرغم من إلحاح الأعراض، لكن الإنسان حين يتجاهل ويتجاهل سوف يجعل هذه الأعراض تدير ظهرها وتختفي - إن شاء الله تعالى -.

وقد وُجد أيضًا أن الممارسة المستمرة للرياضة، وكذلك تمارين الاسترخاء فيها فائدة كبيرة جدًّا، وحاول بقدر المستطاع أن تتجنب القلق التوقعي، أنت لديك هموم حول الذاكرة والاستذكار: هذه كلها أعراض استباقية جدًّا؛ حيث إن القلق قد يؤدي إلى ذلك، فانظر إلى نفسك بإيجابية، يجب أن تكون صورتك الذهنية عن ذاتك دائمًا جيدة، وكن متفائلاً، واسع لتطوير نفسك، وأنا متأكد أن لديك مقدرات كبيرة، مقدرات حبيسة، القلق جعلك لا تقيم مقدراتك بصورة صحيحة، فلا تقلل من شأن نفسك، نظّم وقتك، رتِّب أمورك، اجتهد، وهكذا الحياة، ليس هناك ما يدعوك للقلق، وأنا أتفق معك أنه لا حاجة لعلاج دوائي.

بالنسبة للتغيرات الكيميائية أو التغيرات الوظائفية والوظيفية التي تحدث في خلايا الدماغ: هذا الأمر لا يخلو من تعقيد، كانت هناك دراسات تُشير أن (عُصاب ما بعد الصدمة) يؤدي إلى نوع من التقلصات البسيطة في خلايا منطقة تسمى بـ (هيبوكامبس hippocampus) وهي منطقة في الدماغ تتعلق بتنظيم أو المساهمة في تنظيم المشاعر الوجدانية لدى الإنسان، وقد تلاحظ أنه بعد أن يتلقى الإنسان العلاج وتتحسن أحواله ترجع الأمور إلى طبيعتها تمامًا.

فيا أخِي الكريم: أنا لا أرى أن هنالك أي آثار سلبية على خلايا الدماغ قد ترتب من هذا الذي حدث لك، الأمر ليس عضوي المنشأ، كما أُثبت ذلك، وعليك أن تطمئن.

وأسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً