الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الجمع بين أنواع الأطعمة... هل في ذلك ضرر؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أتمنى منكم تصحيح مفاهيمي حول ما قرأت، وأنبهكم إلى أن ما سأقوله ليس اعتراضا أو تشكيكا، بل والله حبا لتطبيق سنة الرسول -عليه الصلاة والسلام- وأعلم أن في غذائه إعجازا؛ ولذلك أحرص أيضا على تطبيقه:
1- ومن تدبر أغذيته - صلى الله عليه وسلم- وما كان يأكله، وجده أنه لم يجمع قط بين لبن وسمك، ولا بين لبن وحامض، ولا بين غذاءين حارين، ولا باردين، ولا لزجين، ولا قابضين، ولا مسهلين، ولا غليظين، ولا رخوين، ولا مستحلين إلى خلط واحد، ولا بين مختلفين كقابض ومسهل، وسريع الهضم وبطيئه، ولا بين شوي وطبيخ، ولا بين طري وقديد، ولا بين لبن وبيض، ولا بين لحم ولبن ، ولم يكن يأكل طعاما في وقت شدة حرارته، ولا طبيخا بائتا يسخن له بالغد، ولا شيئا من الأطعمة العفنة والمالحة، كالكوامخ والمخللات، والملوحات، وكل هذه الأنواع ضارة، ومولدة لأنواع من الخروج عن الصحة والاعتدال.

ألا تجدون أنه من المستحيل على أي إنسان أن يطبق هذا، كيف لي أن لا أجمع بين هذا وذاك، إذن لا أتناول في الوجبة إلا صنفاً واحداً، ومن المستحيل جدا فعل ذلك، هل الجمع بين هذه الأطعمة مناف للصحة حقا؟ وهل هذا من فعله -صلى الله عليه وسلم-؟ إذا كان كذلك أتمنى التفصيل في ماهية هذه الأطعمة.

2- وكان يصلح ضرر بعض الأغذية ببعض، إذا وجد إليه سبيلا، فيكسر حرارة هذا ببرودة هذا، ويبوسة هذا برطوبة هذا، كما فعل في القثاء والرطب، وكما كان يأكل التمر بالسمن، وهو الحيس، ويشرب نقيع التمر، يلطف به كيموسات الأغذية الشديدة، هذا يناقض ما كتب سابقاً أنه لم يجمع بين حار وبارد، وغيره، أتمنى ان توضحوا لي الأمر.

3- ولم يكن من هديه أن يشرب على طعامه فيفسده، ألم يقل -عليه الصلاة والسلام-: فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه؟

4- ويكره شرب الماء عقب الرياضة، والتعب، وعقب الجماع، وعقب الطعام وقبله، وعقب أكل الفاكهة، وإن كان الشرب عقب بعضها أسهل من بعض، وعقب الحمام، وعند الانتباه من النوم، فهذا كله مناف لحفظ الصحة، ولا اعتبار بالعوائد، فإنها طبائع ثوان، هل فعل هذا مناف للصحة؟
لأني قرأت أن شرب الماء أثناء وبعد وقبل الرياضة أمر مهم، وأيضا إن طبقت ما قيل عن أوقات شرب الماء المنافي فيها للصحة، على هذا انتهى يومي وأنا لم أجد وقتاً مناسباً لأشرب فيه الماء، فإنه لم يترك وقتاً إلا وتم ذكره بأنه لا ينفع فيه شرب الماء، أتمنى مراعاة جميع النقاط التي ذكرتها.

وفقني الله وإياكم لما يحب ويرضى.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سوسن حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أختنا الفاضلة: الأصل في كل الطعام الحل فليس هناك حرام إلا ما حرمه النص أو صحيح الحديث، وما من طعام إلا وبه رطب ويابس وإلا كيف أكل النبي -صلى الله عليه وسلم- الثريد وبه الخبز واللحم والحساء، وكيف كان -صلى الله عليه وسلم- يأكل التمر بالخبز وهما باردان؟!

والقاعدة النبويّة العظيمة التي قرّرها رسول الله – صلى الله عليه وسلم - بقوله: ( ما ملأ ابن آدم وعاءً شرا من بطنه ، بحسب ابن آدم لقيماتٍ يقمن صلبه ، فإن كان لا بد فاعلا ، فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه ) أخرجه أحمد والترمذي ، فالمهم إذاً أن يجد الإنسان ما يحفظ له حياته، لا أن يكون تناول الطعام وتنويعه هدفاً بحدّ ذاته، ولك أن تشربي الشوربة مع الطعام، ولك أن تشربي الشوربة قبل الطعام كفاتح للشهية، لا حرج ولا فضل لذلك على ذاك.

وإذا تتبّعنا ما كان يأكله النبي – صلى الله عليه وسلم – لمسنا عدم تكلّفه ، فقد ورد عنه أكل الحلوى والعسل، وأكل الرطب والتمر، وشرب اللبن خالصا ومشوباً –أي مخلوطاً بغيره - والسويق – وهو طعام يُصنع من الحنطة والشعير - وأكل الأقط – اللبن المجفف- وأكل التمر بالخبز، وأكل الخبز بالخل أو الزيت، وأكل الثريد -وهو الخبز باللحم- وأكل الخبز بالشحم المذاب، وغير ذلك مما ورد في السنّة.

وكان -عليه الصلاة والسلام- يحبّ الثريد بشكلٍ خاص، حتى جعل فضل عائشة -رضي الله عنها- على سائر نسائه كفضل الثريد على سائر الطعام، متفق عليه، وكان – صلى الله عليه وسلم- يحبّ من اللحم الظهر والكتف، وكان يقول: (أطيب اللحم لحم الظهر) صححه الحاكم ووافقه الذهبي، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال : كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في دعوة، فرُفع إليه الذراع وكانت تعجبه، متفق عليه.

لكنّه -عليه الصلاة والسلام- لم يكن يقبل الطعام الذي جاء على سبيل الصدقة بخلاف ما جاء عن طريق الهديّة، فإنّ الصدقة تحمل في معانيها الرحمة والمسكنة، فلذلك كانت الصدقة محرّمة عليه وعلى ذرّيته صيانةً لهم وإعلاءً لشأنهم كما صحّ بذلك الحديث، والحال أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يسأل عن الطعام الذي يأتيه، فإن كان هدية قبله، وإن كان صدقة قال لأصحابه: (كلوا) رواه البخاري.

ومن كمال هديه – صلى الله عليه وسلم – في الطعام أنه كان لا يرد موجوداً ولا يتكلف مفقوداً، فما قُرَّب إليه شيء من الطيبات إلا أكله، إلا أن تعافه نفسه فيتركه من غير تحريم، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: " ما عاب النبي- صلى الله عليه وسلم - طعاماً قط، إن اشتهاه أكله وإن كرهه تركه " رواه البخاري ومسلم.

فلك أن تأكلي ما طاب لك من الطعام ولا يوجد نهي إلا عن محرم، وليس هناك مانع طبي من أكل البارد والحار، فكل الطعام عموما يصل إلى المعدة في درجة حرارة واحدة بعد المضغ في الفم؛ حيث أن الحار يصبح أقل حرارة، والبارد يصبح أكثر حرارة بفعل حرارة الجسم، فلا تكلفي نفسك ما لا تطيق، حتى لا تمل الدين وتظني بنفسك وبدينك ما يسوء.

وفقك الله لما فيه الخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • أوروبا تسنيم

    ما شاء الله. زادكم الله علما
    ملخص يغني عن كل المراجع

    للاسف انتشرت رسائل كثيره في مواقع التواصل الاجتماعي عن اي شي يضيق في الدين..وجعلوا يكذبون ع رسول الله صلى الله عليه وسلم علنا كي تنشر رسائلهم..الحمدلله ! "والله متم نوره ولو كره الكافرون"

  • أمريكا اسيل

    سبحان الله الذي جعل لنا في رسول الله قدوة حسنة. ردا على السائل، ما كان يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ينطبق مع ماينصح به العديد من علماء وضائف الاعضاء ويسمى Food Combining.

  • عمان لتلىىىى

    شكرا

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً