الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الوسواس القهري في الطهارة... والمعاناة الدائمة

السؤال

السلام عليكم.

أرجوكم ساعدوني فأنا أعاني من الوسواس القهري منذ سنة تقريبا في الصلاة والوضوء، بعد ذلك تطور الأمر إلى أمور كثيرة جداً، صرت لما أفتح الفيس بوك أتخيل أني أبعث رسائل للناس لا أعرفهم، وأنا متأكدة أني لم أفتح صفحاتهم الشخصية أبدا، ونفس المشكلة في الفايبر، أتخيل أني أرسل رسائل لاتليق أبدا لأصدقائي، نفسيتي تدمرت!

في رمضان صار شيء آخر، صرت مثلا أقول: لو لم ألبس الطرحة والحجاب الكامل فلن تتحقق أحلامي، وفي يوم من الأيام الوترية في العشر الأواخر، وخفت أن تكون ليلة القدر، صَلَّيْت وصرت أدعو وأتت فكرة في رأسي أنه إذا تابعت المسلسل الفلاني فدعواتي لن تستجاب، وهذه الفكرة أصبحت في رأسي، لم أستطع أن أخرجها أبدا، وأدعو على نفسي كثيراً.

سؤالي: هل دعواتي هذه مستجابة؟ وأنه فعلا إذا حضرت المسلسل -لا قدر الله- الله لا يستجيب لي دعواتي؟ وهل الدعاء على النفس مستجاب؟

ساعدوني بالله عليكم فنفسيتي أصبحت لا تطاق!

جزاكم الله خيرا على هذا الموقع الجميل.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Rana حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فأهلا بك -أختنا الفاضلة- في موقعك إسلام ويب، ونحن سعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله أن يبارك فيك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.

وبخصوص ما سألت عنه فإننا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:
شكر الله لك التزامك وطاعتك لله وحرصك على الخير، وثقي أن الله ناصر من تمسك بسنته، وأن الله ولي من والاه، ولن يخذلك الله وأن تطلبين رضاه.
ثانيا: الوساوس أمر تافه جدا، ومتى ما فهمت طبيعتها سهل عليك التخلص منها نهائيا إن شاء الله.
ثالثا: طبيعة الوسواس أن لا يستطيع أن ينتشر أو يبسط إلا في بيئة التفكير السلبي، ويعتمد على أمرين:
- إظهار ضعفك وخوفك.
- إضعاف ثقتك بنفسك.

وإذا أردت القضاء عليه فعليك أولا أن تحولي كل أمر سلبي إلى إيجابي، فالوسواس سخيف، والإنسان يربطه في فكره بالسخف، فرددي لنفسك دوما: هذا وسواس، كلام فارغ، كلام سخيف، هذا نوع من التغيير المعرفي المهم جدًّا، فحين يستخف الإنسان شيئًا فسوف يحتقره، وحين يحتقره فسوف يحدث ما يعرف بفك الارتباط الشرطي، أي أن الوسواس يُصبح ليس جزءًا من حالة الإنسان.

هذه التمارين تحتاج للصبر والتكرار والجدية في تطبيقها، وأن يخصص الإنسان لها وقتًا معينًا، ولا بأس أن تقولي:(هذا وسواس) اكتبيه عدة مرات، عشر، عشرين مرة، وبعد ذلك حاولي أن تحقريه فكريًا وستصلين فعلاً إلى سخفه، وهكذا.

حتى تتخلصين من الخوف نرجو منك أن تقرئي كتابا مبسطا في العقيدة، وخاصة باب القضاء والقدر، واحفظي هذا الحديث وكرريه كثيرا على مسامعك، عن عبد الله ابن عباس قال: "كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأمة لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلاَمُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ)، فلن يستطيع أحد إيذاءك أبدا، ولن يقدر أحد على أن يصيبك بمكروه، ثقي أن الله حافظ لك. هذا أول ما ينبغي أن تجعليه في قلبك، وليكن شعارك قول الله تعالى: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) هنا تجدين الاطمئنان والبشر والسعادة والسرور وراحة البال ملازمة لك.

رابعا: كوني على يقين أختنا الفاضلة أن أمر المؤمن دائما إلى خير، وقد بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال " عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكان خَيرًا لهُ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكان خَيرًا لهُ ".

خامسا: أما الثقة بالنفس فاعلمي أولا أنه إحساس داخلي يترجم إلى مواقف ثابتة وحركات مستقيمة، وأهم ما فيها أنها لا تفترض كمالا في النفس، وتتقبل الخطأ الموجود دون تذمر، وساعتها سيتصرف الإنسان بشكل طبيعي دون قلق أو رهبة، فتصرفاته الطبيعية ملك له، هو من يحكم ويقدرها، واعتبار كلام الناس مقبول ولكن ليس محل قبول تام حتى نفكر فيه، فنأخذ ما صح منه وندع ما أخطأ فيه صاحبه، ونريد هنا أن نتحدث عن بعض الأمور التي تزيد معدلاتها عندك إن شاء الله:
- البعد عن تهويل الأمور وتضخيم المواقف؛ فالخطأ خطأ لكن بلا تضخيم ولا تهويل.

- احذري من اعتبار نقد الناس هو المعيار الحقيقي لصوابك أو خطأك؛ فهذا خلل خطير، إنما المعيار الحقيقي هو الأصول والمبادئ المتعارف عليها شرعا وليس حديث الناس.

- لا تجلسي وحدك كثيرا أختنا الفاضلة، واجتهدي أن تتعرفي على بعض الأخوات الصالحات، وخاصة من أهل التدين.

الدعاء على النفس لا يصح، لكن الله رحيم ودود، فلا تقلقي ولا تخافي، كما لا نريدك أن تختبري دينك، لا تقولي لو حدث هذا سيحدث هذا، ولو فعلت هذا سيحدث هذا، كل هذا كلام فارغ، ولا ينبغي أن تضعيه في حسابك أو تخافي منه أو تقلقي.

وفي الختام نرجو منك أن تتأكدي أنك طبيعية وأن هذه الحالة طارئة عليك، والمطلوب منك فقط بذل بعض الجهد عن طريق زيادة معدل التدين والاقتراب من الله، وزيادة الثقة بالنفس، نسأل الله أن يوفقك لكل خير وأن يسعدك في الدارين.
ـــــــــــــــــــــــــــ
انتهت إجابة الدكتور أحمد المحمدي المستشار التربوي/ تليها إجابة الدكتور محمد عبدالعليم استشاري أول طب نفسي وطب الإدمان فأجاب:

فنشكرك على رسالتك هذه، وثقتك في إسلام ويب، وقد أفادك الدكتور أحمد المحمدي – جزاه الله خيرًا – إفادة مستفيضة جدًّا، فأرجو أن تأخذي بكل ما ذكره لك، وأنا أود أن أضيف أن تحقير الوسواس هو المبدأ الرئيسي للتخلص منها، والتحقير يعني الإغلاق عليها، وعدم الدخول في نقاشها أبدًا، الاسترسال فيها وتحليلها يؤدي إلى تقويتها وإحكامها وإطباقها، الوسواس يُخاطب مخاطبة مباشرة:(أنت وسواس حقير، لن أتبعك، أنت تحت قدمي) وهكذا.

والأمر الآخر – وهو المهم جدًّا -: أن الوساوس التي تقود الإنسان للشر أو لفعل خطأ ما لا يُطبقها الإنسان ولا يتبعها الإنسان أبدًا، هذه من رحمة الله تعالى، فاطمئني تمامًا.

النقطة الثالثة: هي أنك في حالة لعلاج دوائي، الوسواس الفكري من هذا النوع يستجيب استجابة ممتازة ومستفيضة جدَّا للعلاج الدوائي، إذا كان بالإمكان أن تذهبي إلى طبيب نفسي فاذهبي، وإن لم يكن في الإمكان إذا كان عمرك أكثر من ثمانية عشر عامًا فهنالك دواء متميز يُعرف باسم (فلوكستين) هذا هو اسمه العلمي، ويسمى تجاريًا (بروزاك) وربما تجدينه في ليبيا تحت مسميات تجارية أخرى.

هذا الدواء لا يسبب الإدمان، ولا يؤثر على الهرمونات النسوية، وحتى تتحصلين على فعاليته التامة يجب أن تلتزمي بجرعته التزامًا تامًا؛ لأن الفائدة العلاجية لا تظهر إلا بعد ستة إلى ثمانية أسابيع من بداية تناول الدواء.

الجرعة هي أن تبدئي بكبسولة واحدة في اليوم، تتناوليها بعد الأكل، يمكنك أن تتناوليها صباحًا أو ليلاً، استمري على هذه الجرعة لمدة أسبوعين، بعد ذلك اجعليها كبسولتين في اليوم – أي أربعين مليجرامًا – استمري عليها لمدة خمسة أشهر، ثم خفضيها إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة خمسة أشهر أخرى، ثم كبسولة يومًا بعد يومٍ لمدة شهرٍ، ثم توقفي عن تناول الدواء.

هنالك أدوية أخرى كثيرة، لكن هذا هو الدواء الأفضل والأمثل والأفعل والأسلم إن شاء الله تعالى، ونسأل الله تعالى أن ينفعك به.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً