الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أفكار وسواسية جعلت حياتي كئيبة، كيف أتخلص منها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة عمري 19 سنة، ولدت في عائلة ملتزمة دينياً، أذكر أنني عندما كنت صغيرة أصبت بوسواس، وكنت أقول كلمات فيها سب الله، وكنت أخاف كثيراً وأبكي، وأخبر أهلي وإخواني، وكانوا يقولون لي: استعيذي من الشيطان، وقومي صلي ركعتين لله، ولكن هذا الوسواس لم يطل معي واختفى.

تغربت وعمري 11 سنة، وكنت ما زلت طفلة، لكنني لم أتقبل الغربة، فكنت أشعر بالوحدة، ولم أتأقلم مع من حولي، كنت أشعر بالغربة في المدرسة، فتولد لدي شعور أن أثبت وجودي، كنت دائماً أتخيل مواقف أنني أظهر أمامهم قوية، وأستطيع أن أثبت وجودي، وكنت لفترات طويلة أتخيل الموقف.

أتوقع في عمر 12 سنة بدأت أخاف من أشياء غريبة، أخاف أن يموتوا كل أهل البلد ولا يبقى أحد غيري، وكنت أفكر كيف سأجد الأكل الحلال في المحلات والأماكن التي ماتوا أصحابها؟ وكيف سأعيش لوحدي؟ وأفكار مشابهة، والآن أنا مقتنعة لحد كبير أنها أفكار غير منطقية.

في عمر 13 سنة، رجعت لبلدي، وكنت في قمة الفرحة بالرجوع، وأتوقع أنه في عمر 15 سنة، بدأت عندي الأفكار الوسواسية.

بدأت أفكر في الكون، وإن كان ديننا صحيحاً أم لا، وتعرضت لأفكار كثيرة، تخيلت كل شيء، وكنت أخشى هذه الأفكار، وأظل أستغفر وأغتسل وأتشهد؛ لأنني أخشى أن أكون قد كفرت بسببها، وأحاول أن أقنع نفسي بالعكس.

وبدأت أبتعد عمن حولي، ودائما أكون بين الناس وعقلي مشغول بتلك الأفكار، كنت أحلم كثيراً، وأحس أن تلك الأحلام لها علاقة بموضوع الوسواس، ومع الوقت تحولت الأفكار إلى شك، وازداد خوفي وأصبحت تائهة لا أعرف نفسي.

الوسواس لم يكن في الدين فقط، إنما أيضا في العبادات كالوضوء والصلاة، وبعض الحركات وتكرار الكلمات، إلى أن تحولت حياتي إلى شك مستمر في كل شيء، فلم أعد واثقة من شيء، ولا أستطيع أخذ أي قرار.

وبعد 4 سنوات من العذاب، والمحاولات الشتى في التخلص من الوسواس، قررت أن أدرس الموضوع جيداً، وأبحث عن الحل المناسب، ولا أعلم ما الصح، هل أتعالج بالدواء أم بالعلاج السلوكي؟ وهل هو فعلا مرض أم شيء من الشيطان؟ وبالنسبة للأعراض الجانبية للأدوية، هل هي خطيرة؟

وهل يجب أن أجد أجوبة مقنعة على أسئلتي، أم أتجاهلها؟ وإذا كانت مجرد أفكار تأتي لكثير من الناس، فلماذا هناك من غير دينه من المسيحية إلى الإسلام والعكس؟ وبما أنه يجب على الإنسان أن يفكر، فما هي الطريقة الصحيحة للتفكير؟ وكيف أتعامل مع أفكاري الآن؟

وهل الوسواس يسبب الشعور بالصعوبة في أداء العمل، أم هو مجرد قلق؟ كيف يمكنني أن أعيش حياة طبيعية بعيدة وخالية عن الأفكار الشكوكية خاصة الدينية؟ وكيف أتجاهل موضوع الأفكار؟

خائفة أن أموت وأنا على هذا الحال، أرجوكم انصحوني، وساعدوني، فأنا في حاجة لمساعدتكم، وشكراً لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ راما حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

لا شك أنك تعانين من وساوس قهرية بدأت معك بشدة منذ الطفولة المتأخرة، والوساوس ذات الطابع الديني كثيرة جدًّا في مجتمعنا؛ لأن الوساوس أصلاً تنشأ من البيئة، ولا شك أن الوساوس قد هاجمتك وأنت لا زلت صغيرة، وعقلك الغضٌ لم يستوعب حقيقتها على أنها وساوس، لذا أصبحت هذه الأفكار مستحوذة ومؤلمة جدًّا لنفسك الطيبة الطاهرة.

أيتها الفاضلة الكريمة: أولاً يجب أن تقتنعي أن هذه وساوس، وأرجو ألا يستدرجك الوسواس ويُقنعك بأنه شيء آخر، وأن ما يُقال لك ليس صحيحًا، والأمر الآخر: يجب أن تقدمي نفسك لمرافق العلاج، ومرة أخرى أرجو ألا يُقنعك الوسواس بأن الأدوية مضرة، أو أن العلاج السلوكي لا فائدة فيه، أو كيف أتجاهل – كما طرحت ذلك السؤال من خلال رسالتك -؟

أنا أفضل أن تتحدثي مع والدتك وتذهبي إلى الطبيب النفسي، و-الحمد لله تعالى- الأردن بها أطباء متميزين.

العلاج الدوائي يعتبر علاجًا أساسيًا في حالتك؛ لأن - وبفضل من الله تعالى – الاستجابة للأفكار الوسواسية والإغلاق عليها من خلال تناول الدواء أمر معروف ومضمون جدًّا، بشرط أن يلتزم الإنسان بالدواء، وأن يكون الدواء صحيحًا، وبجرعته الصحيحة، وللمدة المطلوبة، والدواء يُمهِّد لك التجاهل، يُمهِّد لك تحقير الوسواس، يُمهِّد لك صرف النظر عنه، يُمهد لك استبداله بفكرٍ مخالف، وقطعًا يجعلك قادرة تمامًا على صرف الانتباه عنه، والاستمتاع بحياتك، وملء الفراغات الذهنية والزمنية فيها، وهذا هو المطلوب.

ذكرتُ لك بوضوح شديد الأسس العلاجية، فأرجو – أيتها الفاضلة الكريمة – أن تأخذي بها.

ومن الأدوية الفاعلة والفاعلة جدًّا عقار يعرف تجاريًا باسم (بروزاك) ويسمى علميًا باسم (فلوكستين)، أو عقار يعرف تجاريًا باسم (فافرين)، ويسمى علميًا باسم (فلوفكسمين)، وفي بعض الأحيان نحتاج للدمج فيما بينهما، لكني سأترك ذلك لطبيبك المعالج.

أيتها الفاضلة الكريمة: الذي أؤكد لك أن تذهبي لمقابلة الطبيب وهذا ضروري جدا، والذي أؤكده لك أن هذه الوساوس سوف تعُالج، وأن التدخل المبكر في علاج الوساوس دائمًا يأتي بنتائج إيجابية جدًّا، أما التأخير فقد يؤدي إلى التطبع الوسواسي، أي أن الإنسان يُصبح متعايشًا مع وساوسه، وهذا أمر خطير.

باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً