الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كرهني الجميع وفقدت أصدقائي بسبب عزلتي وخوفي الاجتماعي!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب عمري 20 عاماً، عندي عدة حالات نفسية شخصتها بنفسي من كثرة القراءة في الإنترنت عما شابه حالتي، فاكتشفت أن بي فصام الشخصية، والرهاب الاجتماعي، ونقصا في الثقة، وتوحدا، وإذا ذهبت لدكتور نفسي ماذا سوف يكتشف بي من أمراض نفسية؟ الله المستعان.

والله لا أعلم كيف أتتني هذه الأمراض النفسية؟ ففي السابق في مرحلة الابتدائية والإعدادية لم أكن أُعاني من تلك الأمراض، فقد كنت أشارك -وبكل ثقة- في إذاعة الصباح، أما الآن إذا قلت لي: قف أمام ثلاثة أشخاص غرباء وتحدث إليهم؛ تراني أتلعثم ولا أستطيع الكلام.

كان لدي أصدقاء بالمدرسة كثيرون، أما الآن لا أملك غير أربعة أشخاص، ونادراً ما أراهم بسبب أشغالهم أو أنهم يتهربون مني.

أنا وحيد دائمًا، ليس عندي أصدقاء فأنا ممل جدًا، وغير مرح، أراقب نفسي كثيرًا، عندما أتكلم أتلعثم في الكلام، ودائمًا أفكر بالكلام الذي أتكلمه، عندي ألم وعذاب داخل نفسي، وكرهني الجميع: العائلة، والأصدقاء، والأقارب. حتى بالمناسبات الاجتماعية دائماً أُحاول التهرب، ولكن الوالد أو إخواني يلزمني بالحضور.

صرت قاطعاً للرحم، أعمامي وأقاربي بشكلٍ عام لا أراهم إلا بالأعياد، والعيد عندي ليس يوم فرح وانبساط، بل أصبح أسوأ أيام حياتي، الكل يعلم بحالتي، الأهل، والأصدقاء، والأقارب، ومع ذلك أنا لم أعترف بحالتي غير الآن، ولا أعترف أمام العائلة، والأصدقاء، والأقارب.

أنا لا أعلم لماذا تحصل لي مواقف محرجة دائمًا بالمناسبات الاجتماعية! أتلعثم بالكلام، أو أخطئ بطريقة السلام، أو أصب القهوة بشكل خاطئ، أو أو... الكثير من المواقف المحرجة تحصل وأتذكرها يومياً، وكل ما أتذكره أتألم وأتضايق، وأحياناً أخرى أقول لنفسي: يا رجل، الناس نسيت الموقف وأنت لا زلت.

أشعر دائماً في المناسبات أو الأماكن المزدحمة أن الأعين كلها تنظر إلي، وأحس بأني مراقب، أحياناً أظن أن أحدا يراقبني من كاميرا الجوال، فتراني أضع أصبعي على كاميرا الجوال، ودائمًا ما أقول لنفسي: هل يوجد كاميرا بغرفة نومي وضعها أحد من أفراد عائلتي لكي يراقبني؟.

الناس تسألني دائماً: لماذا أنت هادئ؟ لماذا لا تشاركنا بالحديث؟ فتراني أتلعثم ولا أستطيع الرد، دائماً تراني منفرداً منعزلاً عن الناس بعكس عندما أكون مع أحد أصدقائي المقربين جداً تراني أتحدث وأتكلم بطلاقة بدون تلعثم، لا أدري ما السبب! وتراني أتكلم وأناقش وأُبدي رأيي بعكس عندما أكون بمجلس أحد أقاربي لا أتكلم ولا أُبدي رأيي أبداً، بل من بداية المجلس لنهايته لا أتكلم إطلاقاً. أحس دائمًا بأني فاشل، وقليل عقل، وأنقص من قيمة نفسي.

لا أعلم لماذا أنا هكذا؟ أُريد التغيير، أُريد العلاج، ما أقول إلا كما قال يعقوب -عليه السلام-: (فصبرٌ جميل والله المستعان...).

أنا آسف على الإطالة، لكن -والله- تعبت، وكرهت حياتي، ومللت من الوحدة، دائماً أنا وحيد، ولا أجد من يخرج معي، دائماً ما أدعو ربي بسجودي: (اللهم هب لي من لدنك سلطاناً نصيرًا) لعل وعسى ربي أن يذهب عني هذه الوحدة، ويرزقني بالصحبة الصالحة.

كيف أتغير؟ أُريد أن أتغير، أريد أن أصبح شخصا واثقا من نفسي، شخصا اجتماعيا، لا أُريد أن أصبح شخصا اعتماديا أو اتكاليا، لا أُريد أن أخاف من الناس، ولا أريد أن أبقى شخصا انطوائيا، كفى انطوائية، ضاعت أيام المراهقة كلها بالحزن والتنفيس بالغرفة مقابل شاشة الكمبيوتر. أُريد أن أصبح إيجابيا، محبوبا واصلا للرحم، أرجوكم أرشدوني.

ختاماً أحب أقول لمن عنده أصدقاء: والله أنت محسود، فلا تضيع أصدقاءك أبداً بسبب أشياء تافهة، والله الوحدة مُرّة ومؤلمة -الله لا يذيقها أحدًا- وإذا تعرف صديقا لا يملك غيرك ساعده، والله ما تعرف شعوره عندما تذهب معاه.

وشكرًا لكم، ورزقنا الله وإياكم الفردوس الأعلى من الجنة.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ جاسم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

رسالتك واضحة جدًّا وقد عبرتَ عمَّا بوجدانك من أفكارٍ وما تحسُّ من أعراضٍ، وأنا لا أرى أبدًا أنك مُصاب بمرض الفصام، أنت لست لديك فصام في الشخصية، ومن أخطر الأشياء أن يصل الإنسان لهذه التشخيصات دون أن يقابل طبيبًا.

إن كنت تعتقد أنك تعاني من مرض الفصام على أساس ما ذكرته أنك في بعض الأحيان تحسُّ أنك مراقب عن طريق كاميرا، فهذا ليس عرضًا ذهانيًا، وما تعاني منه من شكوك هو ناتج من انغلاقك الاجتماعي على نفسك، ومعاناتك مع الرهاب الاجتماعي، ودرجة الانطوائية العالية التي تعيشها؛ مما جعلك تتوجَّس حول مقاصد الآخرين، وكل الذي تعاني منه هو خوف أو خجل اجتماعي، وهذا جعلك تحسُّ بعدم الفعالية، وهذا شعور سخيف جدًّا ولا شك في ذلك.

أيها الفاضل الكريم: أنا أفضل أن تذهب وتقابل طبيبًا نفسيًا، والسعودية بفضل الله تعالى بها الكثير والكثير جدًّا من الاختصاصيين المتميزين في مجال الطب النفسي. مقابلتين أو ثلاث سوف تفيدك كثيرًا جدًّا، هذا لا يعني أنني أريد أن أتخلى عنك، أو لا أريد أن أوجه لك نصائح، لا، أنا معك تمامًا، وقد تفهمتُ ما بك، لكن قطعًا المقابلات الطبية المباشرة فيها فائدةٌ ونفعٌ كبير.

عمومًا تشخيص حالتك هو القلق أو الخوف أو الرهاب الاجتماعي، ولا تعاني من مرض الفصام، ونصيحتي الأولى لك هي: أن تكون أكثر ثقة في نفسك، أن تعرف أن الله تعالى قد حباك بمقدرات كثيرة وطاقات عظيمة وخبرات دفينة، فكل الذي عليك هو أن تُخرجها، وأن تعلم أنه لا أحد يستطيع أن يُغيِّرك، وأنت الذي تستطيع أن تُغيِّر نفسك.

أول ما تبدأ به من أجل التواصل الاجتماعي هو أن تصلي مع الجماعة في المسجد، فصلاة الجماعة فيها خيرٌ عظيمٌ من أجل التأهيل النفسي والاجتماعي، وذلك بجانب الأجر والمثوبة بإذن اللهِ تعالى، وارتيادك للمساجد يجعلك تتطبع بطباع الجماعة، وطباع الجماعة تقتضي التواصل الاجتماعي التلقائي، وقطعًا سوف تستطيع أن تكوِّن معارف وصداقات تزيح وتزيل عنك همَّ الوحدة والانعزال. هذه هي النقطة الأولى.

النقطة الثانية: لا بد أن تنخرط في تمارين رياضية جماعية كرياضة الجري، أو المشي، أو كرة القدم، أو السلة، أو الطاولة، أو شيء من هذا القبيل، فالرياضة الجماعية تساعدك في التواصل والتطبع الاجتماعي السليم، وممارسة الرياضة أيضًا تؤدي إلى إفرازاتٍ كيميائيةٍ داخل الدماغ، تجعل النفس في حالة ارتياحٍ وسكينةٍ واستقرار، وتشرح الصدر، وتُزيل الهم بإذنِ الله تعالى.

النقطة الثالثة: أن تجعل لحياتك معنى، كثيرٌ من الناس يجعل الحياة تقوده ولا يقود حياته، مما يضعه في وضعٍ لا تكون لحياته معنى، أنت في هذا العمر الجميل يجب أن تُخطط، ويجب أن تكون لك أهدافٌ مستقبليةٌ ومتوسطة المدى وأهدافٌ بعيدة المدى، وأن تضع الخطوات، وتطبع الآليات التي من خلالها تُحقق ما تريد أن تصبو إليه.

أما أن يعيش الإنسان بلا هدفٍ ويكون عفويًّا في كل شيء فهذا قطعًا يؤدي إلى فراغٍ نفسي وذهني ووجداني وفكري، مما يجعل الشعور بلا فعالية وبلا هدف هو الذي يسيطر على كيان الإنسان؛ مما يُشعره بالضجر وافتقاد الطموح، مهم جدًّا أن يُحدد الإنسان أهدافه، ومن خلال ذاته وإمكانياته الداخلية التي حباه الله تعالى بها، يستطيع أن يضع الآليات التي توصله إلى أهدافه. هذا أمر مهم وأمر ضروري، ونحب دائمًا أن نلفت النظر إليه.

وفي موضوع الحسد والعين والمسِّ وكل ما يتعلق بهذه الغيبيات: نحن نؤمن بها إيمانًا قاطعًا، ولكن يجب أن نؤمن أن الله خيرٌ حافظًا، ويجب أن نتخذ التدابير والتحوطات التي وردت في السنة المطهرة، وهذا يكفي تمامًا، والإنسان يجب ألا يعيش عالةً على نفسه من خلال توجسه وتعطيل حياته والمبالغة في مشاعره حول موضوع العين والحسد. العين والحسد هو داء، وقد أوجد الله له الدواء، فيجب أن نلتزم بذلك وأن نرقي أنفسنا وندعو لأنفسنا بالشفاء والعافية حتى وإن اختلط علينا الأمر ولم يكن واضحًا أهو عين أم حسد أم سحر أم مس أو مرض عضوي أو نفسي.

أسأل الله لك التوفيق والسداد، وأشكرك على التواصل مع استشارات إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • مصر hassani

    بارك الله فيكم على هذا التوضيح

  • رومانيا adam5540

    نفس حالتي بالضبط وانا اقرى كاني اقري عن نفسي بس انا عمري 24 وعارف ان فيني رهاب مو انفصام بس مطنش وغير كذا ماقدر اقول لا ودئما اتنازل عن حقي...

  • الكويت جرح الزمان

    شكرًا انتم أفضل الناس منذ رأيت كلامكم
    شكرااااا جزيلا الله يحفكم علمتونا كل شي مع تحياتي جرح الزمان

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً