الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تقلباتي النفسية وتطورها بين الخوف والاكتئاب والوساوس!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

دكتوري العزيز: أتمنى أن تساعدني، فقد أوشكت أن أصاب بالجنون، وضاقت بي السبل.

بدأت قصتي قبل خمسة أعوام، حين تعرضت لاضطهاد أسري كبير جداً، وضيق مادي لا يعلمه إلا الله، مع مشاكل وضغوطات في العمل، وفي الدراسة، فقد كنت أعمل وأدرس في الوقت نفسه، ظلمي كان من أقرب المقربين لي، كان من أمي وأبي، ولكنني صبرت وعزمت على مواصلة دراستي، وسعيت جاهده للوقوف على قدمي، وبعد عام من التعب والجهد، جنيت ثمار هذا التعب، وحققت كل ما أتمنى تحقيقه.

كان قراري الأول هو الحصول على إجازة من العمل، لمدة شهر واحد؛ حتى أتمكن من التفرغ لدراستي، وبسبب ضغوط الدراسة، وبسبب الضغوط الأسرية، تعرضت في ليلة من الليالي، في وقت صلاة الفجر، لأمر غريب، لقد شعرت وكأن روحي تغادر جسمي، فبدأت أصرخ بصوت مرتفع وصل إلى الجيران، وكنت أقول: (أنا أموت، أنا أموت)، وبعد فترة اختفى هذا الشعور المرعب، ولكنني عانيت بعده لمدة شهرين، عانيت من الخوف الشديد من عودته من جديد، وعانيت من اختلال أنية وواقعية، وأُصبت بالرعب ، والخوف من الموت، تناولت عقار (بروزاك)، وعقار (كلونكس)، نصف حبة من عقار (بروزاك)، وتحسنت حالتي كثيراً - بفضل الله -، وكان العلاج موصوفاً من قبل طبيب عام، فلا يوجد أي طبيب نفسي في مدينتي، وأقرب طبيب يبعد عنا مسافة أربع ساعات، نعم تحسنت كثيراً، فقطعت العلاج، وأُصبت بانتكاسة، فأصبحت عصبية جداً، ربما السبب وراء عصبيتي هو توقفي عن العلاج، وربما السبب هو فقدان وظيفتي، فقررت أن أعود له من جديد، فتحسنت كثيراً بعد أربعة شهور، ثم أوقفته سنة كاملة.

لقد وفقني الله وحصلت على عمل جديد، وقدر الله لي أن أتزوج، وحينما علمت بأنني حامل، أُصبت بحالة من الاكتئاب الشديد، أصبحت لا أطيق نفسي، واستمر الحال على ما هو عليه لمدة أربعة أشهر، ثم - بفضل الله -،تحسنت حالتي من دون دواء، وفي شهري السابع، تعرضت إلى نوبة من الهلع، كانت بسيطة، ومن بعدها صرت أعاني من الخوف التوقعي.

أصبح شغلي الشاغل وكل تفكيري هذه التساؤلات، هل باستطاعتي تناول العقار وأنا حامل؟ ماذا يجب أن أفعل؟ كل هذه الأسئلة والشكوك كانت تدور في ذهني، إلى أن وصلت إلى الشهر التاسع من الحمل، وأنا أعاني من الخوف، الاكتئاب، والوسواس القهري، وأشعر بأنني سأُصاب بالجنون، والفصام، لأن عمي مصاب بهذا المرض، وفقد عقله كاملاً بسبب المرض.

أنجبت طفلتي - بفضل الله -، ولكن حالتي أصبحت أسوأ من السابق؛ بسبب مكوثي في البيت ولوحدي، أصبحت أعاني من اختلال الأنية، وأعيش في رعب من هذه المشاعر، لا شيء في الحياة يفرحني، كل يوم أفكر كثيراً بمرض الفصام، أصبحت دائمة الشك بوجود زوجي وطفلتي، أصبحت أتلمسهم كثيراً، وأردد في نفسي: (بالتأكيد أنا مصابة بمرض الفصام، وسوف اكتشف ذات يوم بأن زوجي وطفلتي غير موجودين، وأنهم مجرد هلاوس بالنسبة لي)، أنا أعيش حالة ترقب، وبانتظار أن أسمع أو أرى أية هلاوس، أخاف كثيراً من تحول هذا الوسواس إلى فصام، أهملت طفلتي، وأهملت نفسي، صرت أجلس ساعات طويلة وأنا أبحث عن مرض الفصام، أصبحت أترك طفلتي باكية دون اهتمام.

لا يمكنني إيقاف الرضاعة بهذه الفترة، ولا يمكنني تناول عقار (بروزاك)، ماذا أفعل؟

أفيدوني، وجزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وأسأل الله لك الشفاء، والعافية، والتوفيق، والسداد، ونشكرك على التواصل مع إسلام ويب.

أيتها الفاضلة الكريمة: جُلُّ أعراضك في الأصل هي أعراض وسواسية، وما تعانين منه في الآونة الأخيرة، هو الوسواس بذاته، ولا شك في ذلك، ونتج عن ذلك شعورٍ بالكدر البسيط، وهذه مرحلة اكتئابيه ثانوية، وليس اكتئابًا أساسيًا.

إذا رجعنا إلى الوراء قليلاً، وقمنا بجردٍ لحياتك في مراحلها الأولى: انطباعاتك عن الأسرة سلبية بعض الشيء، وأنا أريدك أن تُصححي هذا المفهوم، كلمة (اضطهاد أسري)، أعتقد أنها كلمة كبيرة، ولا أعتقد أن أسرتك أرادت بالفعل أن تستفزّك أو تضطهدك، ربما يكون هنالك اختلاف في الرؤى، وتباين في الأفكار، أو شيء من هذا القبيل، لكن الشيء المعروف، والشيء المؤكد والفطري والجِبلي، هو أن لا والد ولا والدة يكرهان أبناءهما، على العكس تمامًا، هو حب فطري جبلي فُطر الآباء والأمهات عليه.

فأريدك - أيتها الفاضلة الكريمة - أن تُصححي هذا المفهوم، وعمومًا أنت - الحمد لله - الآن لك استقلاليتك، ولك كينونتك وشخصيتك، وقطعًا حاضرك أفضل من ماضيك، - وإن شاء الله تعالى - المستقبل يكون كذلك أفضل.

ركزي على شؤونك الأسرية، وحاولي أن تكوني مستقرة فكريًا ونفسيًّا، استثمري وقتك بصورة طيبة، الصلاة في وقتها، والدعاء، والذكر، وتلاوة القرآن من المعينات العظيمة في مثل هذه المواقف.

بالنسبة للعلاج الدوائي: أعتقد أنه مطلوب في حالتك، عقار يعرف تجاريًا باسم (زولفت Zoloft)، أو يعرف تجاريًا باسم (لسترال Lustral)، ويسمى علميًا باسم (سيرترالين Sertraline)، قطعًا هو الأفضل؛ لأنه أسلم نسبيًا مع الرضاعة، خاصة إذا كان عمر الطفلة أكثر من ثلاثة أشهر.

الجرعة هي أن تبدئي بنصف حبة، تناوليها ليلاً بعد الأكل، لمدة عشرة أيام، ثم بعد ذلك حبة كاملة، واستمري عليها لمدة ثمانية أشهر، ثم اجعليها نصف حبة ليلاً، لمدة شهرين، ثم نصف حبة يومًا بعد يوم لمدة شهرٍ، ثم توقفي عن تناول الدواء.

كما ذكرت لك الدواء نسبيًا يعتبر سليمًا أثناء الرضاعة، وكنوع من التحوط، أنصحُ الأمهات دائمًا بأن يقمنَ بإزالة الحليب الذي يتكون ثمان ساعات بعد جرعة الدواء، وذلك من خلال شفطه، ثم بعد ذلك يمكن إرضاع الطفل من الحليب الذي يتكون بعد ثمان ساعات التي تعقب تناول الدواء.

هذه الطريقة تحوطية، لكن حتى وإن تم إرضاع الطفلة بعد تناول الدواء - إن شاءَ الله - لن توجد أي مشكلة، ما دام عمر الطفلة أكثر من ثلاثة أشهر.

باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وأسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً