الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما هي الطرق المثلى طبيًا للتخلص من المواد المسمومة إذا تناولها الإنسان؟

السؤال

يا شيخ -بارك الله فيك- لقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه الطب النبوي طريقة علاج السم، وهذا نصه الموجود بين القوسين:
(فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِلَاجِ السُّمِّ الَّذِي أَصَابَهُ بِخَيْبَرَ مِنَ الْيَهُودِ، ذَكَرَ عبد الرزاق، عَنْ معمر، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عبد الرحمن بن كعب بن مالك: أَنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَهْدَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةً مَصْلِيَّةً بِخَيْبَرَ، فَقَالَ: «مَا هَذِهِ»؟
قَالَتْ: هَدِيَّةٌ، وَحَذِرَتْ أَنْ تَقُولَ: مِنَ الصَّدَقَةِ، فَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا، فَأَكَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَكَلَ الصَّحَابَةُ، ثُمَّ قَالَ: «أَمْسِكُوا» ، ثُمَّ قَالَ لِلْمَرْأَةِ: «هَلْ سَمَمْتِ هَذِهِ الشَّاةَ» ؟ قَالَتْ: مَنْ أَخْبَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: «هَذَا الْعَظْمُ لِسَاقِهَا» ، وَهُوَ فِي يَدِهِ؟
قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: «لِمَ» ؟ قَالَتْ: أَرَدْتُ إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا أَنْ يَسْتَرِيحَ مِنْكَ النَّاسُ، وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا، لَمْ يَضُرَّكَ، قَالَ: فَاحْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةً عَلَى الْكَاهِلِ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَحْتَجِمُوا، فَاحْتَجَمُوا، فَمَاتَ بَعْضُهُمْ.

وَفِي طَرِيقٍ أُخْرَى: وَاحْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كَاهِلِهِ مِنْ أَجْلِ الَّذِي أَكَلَ مِنَ الشَّاةِ، حَجَمَهُ أبو هند بِالْقَرْنِ وَالشَّفْرَةِ، وَهُوَ مَوْلًى لِبَنِي بَيَاضَةَ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَبَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثَ سِنِينَ حَتَّى كَانَ وَجَعُهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَقَالَ: «مَا زِلْتُ أَجِدُ مِنَ الْأُكْلَةِ الَّتِي أَكَلْتُ مِنَ الشَّاةِ يَوْمَ خَيْبَرَ حَتَّى كَانَ هَذَا أَوَانَ انْقِطَاعِ الْأَبْهَرِ مِنِّي» فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهِيدًا، قَالَهُ مُوسَى بْنُ عقبة».

مُعَالَجَةُ السُّمِّ تَكُونُ بِالِاسْتِفْرَاغَاتِ، وَبِالْأَدْوِيَةِ الَّتِي تُعَارِضُ فِعْلَ السُّمِّ وَتُبْطِلُهُ، إِمَّا بِكَيْفِيَّاتِهَا، وَإِمَّا بِخَوَاصِّهَا، فَمَنْ عَدِمَ الدَّوَاءَ، فَلْيُبَادِرْ إِلَى الِاسْتِفْرَاغِ الْكُلِّيِّ وَأَنْفَعُهُ الْحِجَامَةُ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْبَلَدُ حَارًّا، وَالزَّمَانُ حَارًّا، فَإِنَّ الْقُوَّةَ السُّمِّيَّةَ تَسْرِي إِلَى الدَّمِ، فَتَنْبَعِثُ فِي الْعُرُوقِ وَالْمَجَارِي حَتَّى تَصِلَ إِلَى الْقَلْبِ، فَيَكُونُ الْهَلَاكُ، فَالدَّمُ هُوَ الْمَنْفَذُ الْمُوَصِّلُ لِلسُّمِّ إِلَى الْقَلْبِ وَالْأَعْضَاءِ، فَإِذَا بَادَرَ الْمَسْمُومُ، وَأَخْرَجَ الدَّمَ، خَرَجَتْ مَعَهُ تِلْكَ الْكَيْفِيَّةُ السُّمِّيَّةُ الَّتِي خَالَطَتْهُ، فَإِنْ كَانَ اسْتِفْرَاغًا تَامًّا لَمْ يَضُرَّهُ السُّمُّ، بَلْ إِمَّا أَنْ يَذْهَبَ، وَإِمَّا أَنْ يَضْعُفَ فَتَقْوَى عَلَيْهِ الطَّبِيعَةُ، فَتُبْطِلُ فِعْلَهُ أَوْ تُضْعِفُهُ.

وَلَمَّا احْتَجَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، احْتَجَمَ فِي الْكَاهِلِ، وَهُوَ أَقْرَبُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا الْحِجَامَةُ إِلَى الْقَلْبِ، فَخَرَجَتِ الْمَادَّةُ السُّمِّيَّةُ مَعَ الدَّمِ لَا خُرُوجًا كُلِّيًّا، بَلْ بَقِيَ أَثَرُهَا مَعَ ضَعْفِهِ لِمَا يُرِيدُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ تَكْمِيلِ مَرَاتِبِ الْفَضْلِ كُلِّهَا لَهُ، فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ إِكْرَامَهُ بِالشَّهَادَةِ، ظَهَرَ تَأْثِيرُ ذَلِكَ الْأَثَرِ الْكَامِنِ مِنَ السُّمِّ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا، وَظَهَرَ سِرُّ قَوْلِهِ تَعَالَى لِأَعْدَائِهِ مِنَ الْيَهُودِ: أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لَا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ [الْبَقَرَةِ: 87] ، فَجَاءَ بِلَفْظِ كَذَّبْتُمْ بِالْمَاضِي الَّذِي قَدْ وَقَعَ مِنْهُ، وَتَحَقَّقَ، وَجَاءَ بِلَفْظِ: «تَقْتُلُونَ» بِالْمُسْتَقْبَلِ الذي يتوقعونه وينتظرونه، والله أعلم.)

السؤال هنا يا شيخ هو: ما هي كل أنواع الِاسْتِفْرَاغِ الْكُلِّيِّ من السم؟ حيث علمت نوعًا واحدًا، وهو الحجامة حيث إن هذه المسائل مهمة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الرحيم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فالاستفراغ هو إخراج ما في المعدة عنوة عن طريق وضع اليد في الحلق، أو بسبب تهيج المعدة نتيجة حالة مرضية، أو تناول طعام فاسد، أو من خلال عمل غسيل المعدة هو عبارة عن إدخال أنبوب بلاستيك من خلال الأنف ليصل إلى المعدة، ومن ثم حقن ماء الملح بكميات، ثم شفطها من خلال الحقنة، وتكرر هذه عدة مرات حتى يصبح الماء صافيًا.

وتستخدم طريقة غسيل المعدة في حالات التسمم، وخاصة بلع الأدوية، سواء في حالة الأطفال أو الكبار، وكلما عمل غسيل المعدة مبكرًا في الساعات الأولى كانت النتائج جيدة، وهناك موانع لغسيل المعدة، وأهمها في حالة ابتلاع الطفل للمواد الخطرة من الأحماض الكاوية أو المواد البترولية مثل: البنزين، والكيروسين، وغيرها، وخطورة غسيل المعدة تكمن في استخدامه في حالة أخذ المواد المذكورة سابقًا؛ لأنه يؤدي إلى استنشاق تلك المواد في الرئتين مما يؤدي إلى التهاب رئوي.

والحجامة أو فصد الدم لا علاقة له بالاستفراغ، ولا يصح طبيًا ترك المريض المواد السامة في دمه لإخراجها بالحجامة، بل هناك أدوية تؤخذ خصيصًا تضاد مفعول المواد السامة، وتؤخذ في صورة حقن، أو شراب لتعادل المواد السامة، وتبطل مفعولها.

وفقك الله لما فيه الخير.
+++++++++++++++++++++++++++
انتهت إجابة د. عطية إبراهيم محمد استشاري طب عام وجراحة أطفال، وتليها إجابة الشيخ: موافي عزب مستشار الشؤون الأسرية والتربوية:
+++++++++++++++++++++++++++
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يُفقهنا وإياك في الدين، وأن يُعلِّمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علَّمنا، وأن يزيدنا علمًا، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك -أخي الكريم الفاضل- فإنه مما لا شك فيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد استعمل الحجامة كوسيلة من وسائل إخراج السُّم، إذ أن هذه الوسيلة هي التي كانت مُتاحة في عصره، ولذلك استعملها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأنه لم يكن مُتاحًا في عصرهم إلا هذه الوسيلة، وهذا الذي ذكره ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى –؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- يعيش واقعه، ويطلب من الناس الالتزام بما يُطيقون وما يتيسَّر لهم، وما يُوجد بين أيديهم، وترك مسائل المحدثات للزمن ولتطور الحياة، ولذلك هناك أمورٌ نصَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- عليها تظلُّ ثابتة لا تتغيَّر، خاصة إذا كانت تتعلق بأصول العقائد وأصول العبادات والأخلاق والمعاملات.

أما في المجالات التي يكون الاجتهاد فيها واسعًا فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر أفضل هذه الوسائل؛ لأنه كان يُراعي ذلك في كل أمرٍ من أمور حياته – صلوات ربي وسلامه عليه – وعلى سبيل المثال: عندما وجد أن أهل المدينة يُؤبِّرون النخل – أي يُلقحونه – قال لهم: (إن الله تبارك وتعالى أرسل الرياح لواقح)، وهذا استنباط من الآية منه – صلوات ربي وسلامه عليه –؛ لأن النخيل لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد تعامل معه سابقًا تعامل الزَّرَّاع الفَّلاح، ولذلك توقف الصحابة عن تأبير النخل، فترتَّب عليه أن نخلهم قد شاص – أي لم يُخرج الثمر المطلوب – فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أنتم أعلمُ بأمور دنياكم) لأنهم أدرى وأخبر بهذا الأمر العملي، الذي لا علاقة له بالشرع أصلاً.

كذلك ثبت أن أحد الصحابة مرض، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (استخدموا له طبيبًا)، فجيء له بأكثر من طبيب، فعقد النبي -صلى الله عليه وسلم- لقاءً بينه وبين الأطباء، وظلَّ يسألهم: من الذي يُعالجه من العرب، وماذا يستعملون – إلى غير ذلك – ثم وجد أن هناك شخصًا أكثر خبرةً وأنه عالجَ شخصيات كبيرة وحالات متعددة، طلب أن يقوم بعلاج الصحابي وأن ينصرف الآخر.

هكذا نجد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استعمل المتاحات في عصره – صلوات ربي وسلامه عليه – فعندما تكلم النبي عن الحجامة – صلوات ربي وسلامه عليه – تكلَّم عنها لأنها الوسيلة المتاحة غالبًا في عصره، وإلا إذا كانت هناك وسائل أخرى لفعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمر بها، فلمَّا تقدَّم العصر الآن فإن هناك وسائل متعددة لاستخراج السموم بأنواعها، وهذا الذي أشار إليه الأخ الطبيب في إجابته، وأسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك لكل خير، وأن يُعيننا وإياك على طاعته ورضاه، إنه جواد كريم.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • دليلة

    أنتي تعانين من كثرة البكاء

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً