الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صور القتل في النت تعلق في ذهني وتفزعني.

السؤال

السلام عليكم

عمري 30 سنة، ومنذ حوالي ثمان سنوات أصبت بوساوس قهرية دينية تتعلق بالإساءة إلى الذات الإلهية، كنت أستطيع التغلب عليها بالذكر والدعاء والرقية الشرعية، وفي عام 2012 اشتدت علي الوساوس، فنصحني صديق بالذهاب إلى طبيب نفسي، فكتب لي ثلاثة أدوية هي فافرين، أريببركس، سيرترالين بمعدل حبة من كل منها في اليوم.

الحقيقة أنني لم أتحمل العلاج لما سببه لي من آثار جانبية، فتركته بعد أسبوعين.

بعدها تحولت الوساوس الدينية المسموعة إلى وساوس مرئية مفزعة دمرت حياتي بالكامل، بدأت بصورة مفزعة رأيتها على النت بالصدفة، عبارة عن رجل يذبح رجلا، علقت في ذهني وأصابتني بالفزع، ثم صرت أراها في أمي وأهلي، وأحيانًا أتخيلها في نفسي.

كما أشعر في نفسي بأشياء أخرى مفزعة تؤذيني وتطاردني بشكل مستمر، ثم حدث تطور خطير في عام 2013، فقد رأيت أمي تذبح في المكان الذي أتواجد فيه، ومنذ ذلك الحين صرت أعاني من قلق مزمن، واكتئاب مزمن بسببها، لدرجة أنني صرت أدعو على نفسي كل يوم بأن يعجل الله بموتي.

لا أخفي عليك أنني أصبحت على اعتقاد بأن الأدوية النفسية التي تناولتها كانت هي السبب في هذا التحول الذي دمر حياتي إذ قبل ذلك لم تكن تؤثر فيّ تلك الصور المفزعة، ولا تثبت في ذهني، ولا أتخيلها في نفسي وأهلي.

المهم أنني ذهبت إلى طبيب آخر ثقة، فكتب لي دواءً واحدًا هو أنافرانيل 25 بمعدل حبة في اليوم تتدرج لـ 50 في اليوم، فهل هذا الدواء جيد لحالتي، وهل يسبب آثارا جانبية، وهل تنصحني بتناوله؟

كما أنني قرأت عن دواء ثاني اسمه ويلبوترين، فهل هذا أفضل أم الانافرانيل لحالتي؟

وهل هناك سبل علاجية أخرى بعيدة عن تلك الأدوية؟ وهل للشيطان علاقة بتلك الوساوس والصور المفزعة، علمًا بأنه تأتيني أحيانًا كوابيس وأحلام مفزعة، وهل ما عندي وسواس قهري أم مرض الفصام الذهاني؟

شكرًا وبارك الله فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إسلام حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الوساوس القهرية منتشرة، ووساوس التجديف والتطاول على الذات الإلهية لا شك أنها مؤلمة جدًّا لنفس المؤمن، لكن -إن شاء الله تعالى- هي دليل على الإيمان وصريح الإيمان، والرسول -صلى الله عليه وسلم- نصحنا أن نواجه هذه الوساوس من خلال أن نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وأن ننتهي، بمعنى ألا نناقش، ألا نحاور هذه الوساوس.

أكثرُ الذي أخافَه على الناس هو أن الناس يُسرفون في مناقشة الوسواس، والوسواس مرض ذكي جدًّا، حين يحاول الإنسان أن يخضعه للمنطق من خلال إجراء حوارات داخلية مع النفس، هذا يجعل الوسواس أكثر تشابكًا وصلابة.

لذا -أخِي الكريم إسلام- الذي أنصح به دائمًا هو تجاهل الوسواس وتحقيره والانتهاء والاستعاذة بالله منه.

بالنسبة لعلاقة الشيطان بالوسوسة؟

أخي الكريم: قال الله تعالى حاكيًا كلام إبليس -الشيطان اللعين-: {قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين} وقال: {لأقعدنَّ لهم صراط المستقيم * ثمَّ لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجدُ أكثرهم شاكرين} وقال: {لأزيِّننَّ لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين}.

فالشيطان قد أقسم بعزة الله تعالى بأنه سوف يَغُرَّ الناس ويُزين لهم ويأتيهم في كل شؤون حياتهم، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه كلها).

لكن الإنسان أقوى من الشيطان وأكرم منه، وحين يُذكر الله تعالى سوف يخنس الشيطان ولا شك في ذلك.

وساوسك أنا أراها وساوس طبية أكثر مما هي وساوس خنَّاسيَّة، من الوسواس الخنَّاس، لكن من أجل التحوط -أخِي الكريم- أكثر من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وأكثر من الاستغفار، ولا تحاور الوسواس، هذا مهم جدًّا.

وقطعًا الوساوس تؤدي إلى اكتئاب ثانوي؛ لأنها تخدش النفس الإنسانية الراقية والطيبة، نفس المؤمن.

أخِي الكريم: العلاج الدوائي أراه مهمًّا جدًّا في حالتك، وأنت ليس لديك أي أعراض فصام، الوساوس التي لديك تحولت إلى صور ذهنية، وهذا نشاهده كثيرًا في بعض الوساوس، وكلها تُعالج من خلال التحقير والتحقير التام.

الـ (أنفرانيل Anafranil) دواء رائع، ورائع جدًّا، وهو أول الأدوية التي استُعملتْ في علاج الوساوس القهرية، لكن ربما تحتاج أن ترفع الجرعة إلى مائة وخمسين مليجراما، وهذه جرعة كبيرة طبعًا، لكنها سليمة.

أنا لا أقول لك: ارفع الجرعة إلى هذا المستوى، لكن بعض الوساوس تحتاج لهذه الجرعة – أي مائة وخمسون مليجرامًا في اليوم -.

عمومًا إن تحسَّنت على الخمسين مليجرامًا، فهذا هو المقصود، وإن لم تتحسَّن -وبعد التشاور مع طبيبك- ارفعها تدريجيًا، اجعلها خمسة وسبعون مليجرامًا مثلاً يوميًا لمدة عشرة أيام، ثم مائة مليجراما يوميًا، ويمكن أن تُقسِّم الجرعة.

والدواء له بعض الآثار الجانبية مثل كل الأدوية، آثاره الجانبية ليست خطيرة، وإذا استُعمل بالتدرُّج -كما حدث في حالتك- هذه الآثار الجانبية لا تكون كثيرة.

من أهم آثاره الجانبية: الشعور بالجفاف في الفم عند بداية العلاج، والثقل في العينين، وربما شيء من الطشاش البسيط في النظر، وقد يُصاب البعض بالإمساك، هذه الأعراض تختفي تدريجيًا وفي أيام قليلة.

في بعض الأحيان الأنفرانيل قد يؤدي إلى إضعاف في تيار البول لدى بعض الناس، لذا نقول بالنسبة للذكور الذين لديهم التهاب في غدة البروستات هذا الدواء لا يصلح.

الأنفرانيل أيضًا في بعض الحالات النادرة ربما يرفع من ضغط العين، لذا نقول: إن الذين يعانون من المياه الزرقاء أو ارتفاع في ضغط العين يجب ألا يتناولوا هذا الدواء.

أخِي الكريم: أتمنى أن تكون هذه المعلومات كافية، وقد حاولنا أن نسردها بصورة علمية، وفي حدود ما هو مستطاع.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً