الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وسواس أحلام اليقظة يسيطر علي منذ لحظة استيقاظي حتى نومي.

السؤال

السلام عليكم

أنا فتاة عمري 21 سنة، مشكلتي تكمن في أني أبالغ في التفكير كثيرا، أفكر في أشياء لن تحدث، أشياء تسعدني نوعا ما، وأنسج أحداث ومواقف من خيالي وأفكر فيها على أساس أنها مستقبلية، وأعلم أيضا أنها لن تحدث، فمثلا حاليا هناك موضوعان يشغلان تفكيري، الموضوع الأول يتعلق بدراسة الماجستير العام المقبل، أتخيل أنه تم قبولي في الماجستير، وأتخيل مواقف جدا تافهة لا داعي لذكرها ستحدث معي خلال دراستي في الماجستير.

والموضوع الثاني يتعلق بشخص أحببته من أول لقاء في مناسبة عائلية، وتمنيت أن أتزوج به، فمثلا أتخيل أنني ألتقي به في مناسبة ثانية أو تمت خطبتي له، وأتخيل مواقف تحدث معي خلال لقائي به، والمشكلة أنني تعلقت به بسبب هذه الأحداث والمواقف المتخيلة التي ليس لها صلة بالواقع، فالشخص لا أعرف حتى صفاته ولم يسبق لي أن تعاملت معه، أفكر بالساعات، وكل يوم منذ الساعة الأولى لاستيقاظي إلى أن أخلد للنوم، هذه الأفكار والمواقف المتخيلة تلاحقني أينما ذهبت، حتى ولو شغلت نفسي بعمل أو شيء أجد نفسي أفكر فيها وكأني أدور في حلقة مفرغة، بالإضافة إلى أنها تؤرقني وتذهب عني النوم، لا أنكر أن هذه المواقف والتخيلات المستقبلية تشعرني بنوع من السعادة والفرح.

إذا سألتني عن السبب الذي يجعلني أفكر في هذه الأشياء التي أعلم يقينا أنها لن تحدث، ربما يرجع إلى أني تعرضت لسلسلة من خيبات الأمل في حياتي، وأنني غير راضية على حياتي، والملل والكسل والعجز يطغون على حياتي الروتينية، وهذه الخيبات أتت بسبب أني تأملت كثيرا، ونسجت أفكارا ومواقف من خيالي تشبه ما ذكرت، مما يجعلني خائفة الآن من التعرض للخيبات من جديد، وأصبح لدي وسواس أني كلما فكرت في موضوع يشغل تفكيري مستقبلا أنه لن يحدث، فمثلا لن يتم قبولي في سلك الماستر، ولن ألتقي مجددا بذلك الشخص ولن أتزوج به، لأنني قد نسجت مسبقا أحداثا حول هذه المواضيع، حاولت جاهدة أن أصرف تفكيري عن هذه الأشياء لكني لا أستطيع ببساطة، لأن هذه هي طريقة تفكيري منذ عرفت نفسي.

أرشدوني هل هذا مرض، هل يجب أن أزور طبيبا؟ أريد أن أعيش حياة طبيعية، أريد أن أعيش واقعي كما هو، أريد أن أنسى ولا أريد أن أفكر في مواضيع ومواقف وأحداث مستقبلية لن تحدث، أتمنى أني وفقت في شرح حالتي بوضوح، أرجو المساعدة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ندى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أشكر لك كثيرًا تواصلك مع إسلام ويب، وثقتك في هذا الموقع.

من الناحية السلوكية -أيتها الفاضلة الكريمة-: الإنسان هو أفكارٍ ومشاعرٍ وأفعالٍ، أي أن هذه الأضلاع الثلاثة هي التي تُحدد منظومة الإنسان السلوكية، والأفكار تؤثِّر على المشاعر والمشاعر تؤثِّر الأفكار، وكلاهما يؤثِّر على الأفعال، وهكذا الأفعال أيضًا يمكن أن تؤثِّر على الأفكار وعلى المشاعر، فنحن ندور في هذه الحلقة.

وهذه الأضلاع الثلاثة كثيرًا لا تكون متوازية، بعض الناس مثلاً تتسلط عليهم أفكار كثيرة جدًّا، أفكار نافعة، أفكار إيجابية، أفكار سلبية، أفكار ذات طابع وسواسي، أفكار تحمل صيغة أحلام اليقظة، وهكذا.

فأنا أعتقد أن ضلع الأفكار لديك ملتهب ومُفرط الإحساس والنشاط مما أثَّر على مشاعرك وربما شيء من أفعالك، والحمد لله تعالى أنت جاهدت واجتهدت في أن تحِدِّي من حدة هذه الأفكار، وكما تنظرين -أيتها الفاضلة الكريمة- فإنها أفكار لا أقول أنها ليست ذات أهمية كبيرة، لكن قطعًا يجب ألا تأخذ أسبقية في تفكيرك، وتعاملي معها على هذا الأساس، أنه لا بد أن تُحددي أولوياتك في التفكير، لا بد أن تضعي الأمور في مواضعها الصحيحة، لا بد أن تضعي خططًا مستقبلية، أن تكون لك آمالاً وطموحات ومشاريع مستقبلية، هدف قريب المدى، هدف متوسط المدى، وهدف بعيد المدى، وتكوني حازمة وصارمة جدًّا مع نفسك في وضع الآليات الصحيحة التي توصلك لهذه الأهداف، وقطعًا انشغال فكرك بهذا النوع من التفكير سوف يجعل الفكر الوسواسي المتشعب حتى وإن كان يُسعدك في بعض الأحيان فسوف يُزاح حتى ولو نسبيًا، وهذا يُريحك كثيرًا.

إذًا استبدال الفكر بفكر أهم وأفضل وأكثر واقعية هو الحل لمثل حالتك، وأنا بالفعل أدعوك أن تذهبي وتقابلي أحد الأخوة الأطباء النفسيين، لأن دراسات كثيرة أشارت أن مثل حالتك هذه أيضًا تحتاج لأحد مضادات القلق والوساوس، وأنت تحتاجين لجرعة صغيرة جدًّا من أحد هذه الأدوية.

باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً