الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الظروف منعتني من المجموع الذي يخولني للعمل كطبيبة وأشعر بالإحباط الشديد والفشل أفيدوني

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

سعادة الدكتور/ مأمون مبيض، كل عام وأنت بخير بمناسبة حلول الشهر الكريم، أكتب إليك استشارتي والتي أطلب فيها من الله ثم منكم مد يد العون والمساعدة، فليس لنا من بعد الله سوى كرمكم وجودكم.

أنا فتاة عمري (17) سنة، شهور قليلة وسوف أتوجه إلى الجامعة -بإذن الله- مشكلتي تكمن في معدلي الذي حصلت عليه في الصف الأول ثانوي وكان (94)، وعندما انتقلت إلى الصف الثاني ثانوي وتخصصت في الفرع العلمي قل معدلي كثيراً، وصار (82)، فسبب لي الإحباط الشديد والاكتئاب في تلك الفترة، وكان ذلك بسبب المشاكل الأسرية بين أبي وأمي، وبسبب الصدمة العاطفية، فقد أحببت شاباً، طلب خطبتي، ولكنني اكتشفت أن هذا الشاب في نفس الجامعة التي تدرس فيها أختي، وأختي كانت تتحدث عنه وتقول بأنها مغرمة به، فتركته ولم أذكر له السبب وساءت حالتي النفسية أكثر.

مرت السنوات وأنا أحاول أن أتكيف مع ظروفي العائلية، ولا أتفاجأ حينما أقرأ في الجريدة بأنني لن أتمكن من أن أحصل على القبول في التوظيف في مجال الطب البشري وطب الأسنان إلا بمعدل لا يقل عن (90)، فقد كان معدلي التراكمي بعد هذا الهبوط القوي قد وصل إلى (89.3)، تخرجت ولم يتبق سوى مادة واحدة لم أقدمها، فحسبت مجموعي التراكمي تبين لي بأنه لا يمكن أن يزيد من (98.6) أنا الآن ضائعة ومتعبة، بسبب تحطم حلمي، فأنا أميل إلى مادة الأحياء والكيمياء، وفي كل الفصول كان مجموعي في هاتين المادتين لا يقل عن (98)، أما مواد التاريخ واللغة العربية فقد كنت ضعيفة فيها، ومجموعي لا يزيد في هذه المواد عن (90).

لقد قلت ثقتي في نفسي، فأنا لا أريد الذهاب إلى بيت جدي، لأنهما حتما سوف يسألانني كم هي نسبتك؟ وأنا لا أريد أن أقول لهم لكي لا ينظروا لي بنظرة الشفقة، ونظرة الفتاة الكسولة، لأنني أعرفهم جيداً، وبنات خالاتي معدلاتهن عالية، أشعر بأنني فاشلة، ومصابة بالاكتئاب، ولكن لا يمكنني الذهاب إلى الطبيب لأخذ الأدوية، فأهلي لم يتقبلوا هذا الشيء، علماً أن والدي مصاب بهذا المرض، ولو كان الانتحار حلالاً لقتلت نفسي.

أنا الآن أريد أن أتقبل نفسي، ومجموعي، فأنا أحاول وبكل الطرق ولكنني لا أستطيع أن أتقبل مع الأسف، لأنني أعلم بأنه كان بإمكاني أن أحصل على الأقل على معدل لا يقل عن (93)، لو لم أتعرض لتلك المشاكل والظروف الصعبة، وحتى لو أنني تقبلت نفسي فلا أعرف لأي تخصص بديل أذهب، فأنا لا أحب القانون ولا الرياضيات، ولا أريد أن أصبح معلمة في حين درست اللغات.

أشعر إن مستقبلي غير واضح كالضباب، وأحيانا أقول بنفسي بأنه من الممكن أن يتم تعديل ميزانية الدولة فيتم تغيير هذا القرار، فهل أغامر وأدرس التخصص حتى لو لم يتم حينها القبول على توظيفي؟
فميزانية الدولة ضعيفة، وقللت رواتب الأطباء من (1000) دينار إلى (600)، فما هو رأيك دكتوري؟
فأنا لا أتخيل نفسي أدرس تخصصاً لا أحبه وأتوظف وظيفة لا أحبها مدى الحياة .

قد ترى أن مشكلتي ليس لها حل، ولكن أرجوك حاول أن تجد لي حلاً، لأنني في أزمة نفسية، ويجب علي دراسة للمادة التي كنت غائبة فيها بسبب مرضي، وأخيراً أنا شخصية عاطفية جداً، كيف أقلل هذه العاطفة وأتعامل معها بشكل أفضل؟

وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هدى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكراً لك على التواصل معنا بهذه الرسالة، ومبارك عليك شهر الخير، وتقبل الله منا ومنك.
ومن الواضح أنه وضع صعب تجدين نفسك فيه، ومما يزيد ألمك أنه من الواضح أنك ذكية وطموحة -ما شاء الله-، وكم أتمنى لو أستطيع أن أوفر لك ما تتمنين من إمكانية تحقيق طموحاتك بالشكل الذي تريدين، لا شك يتألم الإنسان عندما تقف بينه وبين طموحاته بضع الدرجات القليلة، طبعا أنت مأجورة -إن شاء الله- على تضحياتك من أجل والديك أو في موضوع الشاب وأختك.

سأقول لك شيئا تجدين صعوبة في تقبله الآن بسبب المشاعر والموقف الذي أنت فيه الآن، وما أريد قوله أنك لست بالفاشلة أبدا، وإنما هي مشاعر طبيعية يمكن أن تنتاب لأي إنسان في موقف مشابه للموقف الذي أنت فيه، وتاريخ نجاحاتك يبرهن على هذا، ولولا الظروف الأسرية الصعبة التي مررت فيها لكنت حققت الدرجات الأعلى.

واطمئني فإني لن أطلب منك زيارة الطبيب النفسي، فما تشعرين به ليس بالاكتئاب السريري الذي نعالجه بالعلاج النفسي أو الدواء، وإنما هي ردة فعل نفسية للموقف الذي أنت فيه.

عاجلا أو آجلا عليك مواجهة الحقيقة، نفسيا وأسريا واجتماعيا، وأنصحك أن لا تؤخري هذه المواجهة، لأن التجنّب لا يحل المشكلة، بل على العكس ستكبر في نفسك أكثر وأكثر، وسيصعب عليك مواجهة الناس أكثر، وأفضل من التجنب، المواجهة، فهي زوري بيت جدك، وقولي لهم، وحتى قبل أن يسألوك، أنك مع الأسف قصّرت عليك العلامات بضع علامات عما كنت تريدين، وستشعرين حينها بالثقة في نفسك وبالثقة الكبيرة في مواجهة نفسك والناس، وهذه ما تحتاجينه الآن لمواصلة الطريق والعمل على تحقيق أحلامك وطموحاتك.

وأنا معك تماما أنه لا ينصح عادة بأن يدرس الإنسان تخصصا لا يحبه ولا يميل إليه، وربما أمامك الآن عدة خيارات، وأذكرها هنا ليس على ترتيب الأولوية.

منها دخول الجامعة في تخصص قريب من الطب كالعلوم والأحياء (biology)، أو حتى الكيمياء، أو الطب الحيوي
(biomedical)، إن وجد عندكم في البحرين، مما يمكن في سنة قادمة أن تنقلي لكلية الطب، ووفق نظام الجامعة عندكم.

الخيار الثاني، عندكم في البحرين كلية الطب الملكية الأيرلندية (Irish Royal College)، حيث يمكنك دراسة الطب في هذه الكلية الخاصة، مع علمي بغلاء الأقساط.

الخيار الثالث أن تعيدي الثانوية، على أن تكون ظروف الاختبارات والنتائج أفضل وكما تتمنين، ويمكنك أن تجمعي بين الخيار الأول والثالث معا إذا أمكن هذه.

والسؤال الأخير في رسالتك حول رغبتك في التقليل من عاطفتك، إن العاطفة ليست شيئا سيئا، وإن كانت سمعتها بين الناس ليست بالسمعة الجيدة، إلا أن هذا خطأ، فالعاطفة جزء هام من حياتنا وله علاقة وثيقة بالذكاء العاطفي، أحد الذكاءات الهامة لنجاحنا في الحياة بالإضافة للذكاء المعرفي أو الذهني.

لاشك أنه سيأتي وقت، وتخرجين من حالة المشاعر السلبية هذه، وتستعيدين ثقتك في نفسك، الأمر الذي أنت الآن في أمسّ الحاجة، فاحرصي على أن تذكري نفسك بالإيجابيات الكثيرة التي تتحلين بها.

أرجو أن يكون في جوابي هذه ما يفيد، وأدعوه تعالى لك ليس فقط بالتوفيق والنجاح، وإنما بالتفوّق وتحقيق الطموحات.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً