الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

موقف المسلم من التوراة والإنجيل

السؤال

كانت تأتيني أفكار عن الدين الحق الذي يريد منا الله أن نكون عليه، فكنت أقول لنفسي: لمَ لا يكون الإنجيل هو كتاب الله أو التوراة؟ وعندما بحثت على النت وشاهدت مناظرات لأحمد ديدات وغيره من العلماء، فوجدت تناقضات في كتاب الإنجيل؛ اطمأن قلبي قليلا من ناحية الإنجيل، ولكني لا أعلم شيئا عن التوراة، فأنا أسألكم: كيف أطمئن من ناحية التوراة أيضا؟ وهل أكتفي بما أشاهده لأحمد ديدات وغيره من العلماء أم أشتري كتاب الإنجيل أو التوراة؛ لأشاهده وأقرأه بعيني؟ فيمكن أن يكون هؤلاء العلماء يفترون على الإنجيل أو التوراة بما ليس فيهما؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ abdelrahman حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحباً بك -أخي الحبيب- في استشارات إسلام ويب.

نسأل الله أن يرزقنا وإياك الإيمان الصادق، والعلم النافع والعمل الصالح. واعلم -أيها الحبيب- أن من أجل نعم الله تعالى على الإنسان المؤمن أن يشغله فيما ينفعه، ويجعل اهتمامه فيما يعنيه، فإذا صرف وقته وجهده في هذا الطريق عاد إليه ذلك النهج بالخير العميم، وحفظ به عمره ووقته ودينه.

ولذا فنصيحتنا لك أن توجه همتك نحو تعلم كتاب الله تعالى وما حواه هذا الكتاب العظيم من دلائل الإيمان، فإنه شفاء لما في الصدور كما أخبر الله تعالى عنه فقال: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين} فالله تعالى يشفي به صدور أناس كثيرين من أمراض الشبهات التي تختلج القلوب وتتخطفها، وفي هذا الكتاب العزيز من الدلائل والبراهين والحجج على صدق هذا الرسول الكريم فيما بلغه عن ربه ما يشفي كل عاقل منصف، فنصيحتنا لك أن تصرف همتك ووقتك في تحصيل هذا الإيمان من خلال هذا الكتاب العزيز، وهذا القرآن الذي بين أيدينا قد أنزله الله تعالى حاكما ومهيمنا على الكتب المتقدمة، كما قال الله في كتابه الكريم: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه}.

فإذا جاءت الكتب السابقة بشيء يكذبه هذا القرآن ويرده ويبطله فنعتقد جازمين أن ذلك باطل، وأن الله تعالى لم ينزله فيما أنزله على أنبيائه، فإن كتب الله يصدق بعضها بعضاً، كما قال الله تعالى: {وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقاً لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقاً لما بين يديه من التوراة}.

فهذا شأن كتب الله تعالى المنزلة على أنبياء الله، لا يكذب واحدٌ منها الآخر، وما وجد اليوم من الكتب المتقدمة من التوراة أو الإنجيل قد دخله التحريف والتبديل، وطالته أيدي الناس بأنواع من التحريفات، ولهذا المنهج الذي أمرنا باتباعه مع هذه الكتب أن نقسمها إلى ثلاثة أقسام:
1- فما جاء منها موافقاً للقرآن آمنا به وصدقناه.
2- وما جاء به مخالفاً للقرآن رددناه.
3- وما جاء فيها مما لم يوافقه القرآن أو يخالفه لا نصدقه ولا نكذبه.

والأمر الذي كلفنا الله تعالى به هو أن نؤمن بهذه الكتب إيماناً إجمالياً كما قال الله تعالى: {وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم}. فنحن نؤمن هكذا على جهة الإجمال والعموم بكل ما أنزله الله تعالى، ولكن ما جاء في هذه الكتب مما لم يرد في كتابنا تصديقاً له ولا تكذيباً لا نؤمن به ولا نرده؛ خشية أن نؤمن بما ليس بحق، أو نرد ما هو حق، وهذا المنهج فيه غاية الإنصاف والاحتياط خشية الوقوع في الخطأ والزلل.

نصيحتنا لك -أيها الحبيب- مجدداً أن تعرض عن الاشتغال بالشيء الذي لا تتقنه ولا تحسنه، ولا يعود عليك بكبير نفع، فإذا صدقت بأن القرآن كتاب الله، وأنه منزل من عند الله، وكان هذا الإيمان جازماً لما في هذا الكتاب من الدلائل على أنه من عند الله تعالى؛ فإن هذا يكفيك ويدلك بعد ذلك على باقي الطريق، وأن كل ما جاء مخالفاً لهذا القرآن فهو باطل مردود، وإلا فإن الإيمان بالقرآن لم يكن إيماناً حقيقياً.

واحذر -بارك الله فيك- من أن تفتح قلبك لأصحاب الشبهات والضلالات مع قلة علمك، وعدم تمكنك من رد هذه الشبهات؛ فإن الأمر خطير، قال الإمام الذهبي -رحمه الله تعالى-: أكثر أئمة السلف على التحذير يرون أن القلوب ضعيفة، والشبه خطافة.

والأحاديث في هذا المعنى قد وردت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد أوصى عليه الصلاة والسلام بالابتعاد عن الدجال إذا خرج، فقال عليه الصلاة والسلام: (من سمع بالدجال فلينأ عنه -أي فليبتعد- فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات أو لما يبعث به من الشبهات). رواه الإمام أحمد وأبو داود وصححه الألباني.

فالمنهج الحق الابتعاد عن فتح القلب للشبهات، لاسيما مع ضعف العلم الذي يرد به الإنسان هذه الشبهة، لكن إذا وقعت للإنسان شبهة، فينبغي له بعد ذلك أن يسأل أهل العلم؛ ليبينوا له الصواب، ويردوا عنه هذا الزيغ فيسلم ويشفي صدره بذلك، كما قال ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه-: (وإن أحدكم لن يزال بخير ما اتقى الله، وإذا شك في نفسه شيء سأل رجلا ً فشفاه منه). أخرجه البخاري.

نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد، إنه جواد كريم.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات