الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وفاة صديقتي أصابتني بنوبات هلع، فكيف الطريق إلى الشفاء؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا فتاة عمري 20 سنة، أصغر إخوتي، وزني 55 كلغ، وأدرس الطب، وأفكر في تغيير التخصص بسبب الوسواس الذي أشتكي منه، رغم تفوقي -ولله الحمد-، وقد كنت في السابق ذات شخصية إيجابية، مرحة جدا، أحظى باهتمام كبير من الأهل والأصدقاء.

منذ سنتين أصبت بنوبات هلع، حيث تأتيني كل شهرين تقريبا، ولمدة ربع ساعة، أو عشر دقائق وتختفي، ولكن منذ شهر تقريبا بدأت أتقرب إلى الله أكثر -بعد وفاة صديقتي وهي نائمة، رحمها الله وأسكنها فسيح جناته-، فأصبت بآلام في جسدي وعظامي، وآلام في المعدة، وتقيؤ، وحالة اكتئاب، ووسواس الموت، وإسهال، والتهاب في البول، وتنميل في أصابع اليد، وحرارة، وأحيانا برودة، فأصبحت أتحسس نبضات قلبي ويدي تحت أنفي؛ لأتأكد من أنني ما زلت أتنفس، كما أنني منذ سنوات أعاني من اختلال الأنية، ولكن نادرا جدا، -والحمد لله- أنني أتغلب عليه، وأنسى الموضوع بسرعة.

ذهبت إلى المستشفى، وأجريت عدة فحوصات، شملت نسبة الهيموجلوبين، وأمراض المناعة، وأمراض (الكونكتف تيشو)، وقائمة طويلة من الفحوصات، -والحمد لله- كلها سليمة، فقال طبيب الباطنية: ربما كانت بسبب المعدة، ووصف لي امبرازول، استمررت في استعماله، فزالت بعض الأعراض، وبقيت آلام العضلات والمفاصل، وبعدها أصبت بضيق التنفس، وأصبح الموت يطاردني.

ذهبت إلى المستشفى مرة أخرى، وأجريت تخطيط القلب ECG، لأنني بدأت أشك في إصابتي بعلة في القلب، وكان التخطيط سليما -ولله الحمد-، ولكن فيتامين دال كانت نسبته 14، فأعطاني الطبيب نقاط فيتامين دال، وأنا مستمرة في أخذها.

ولكنني أعاني من شبح الموت الذي أصبح يطاردني في أفكاري، وضيق التنفس الذي بدأت أشعر أن سببه نفسي، فأنا قد مررت بجميع العيادات والمستشفيات، وأجريت العديد من الفحوصات، وكلها سليمة، نسبة الأوكسجين لدي طبيعية -ولله الحمد-، ولا أمر بأي ضغوطات نفسية، ولا أستطيع الذهاب إلى طبيب نفسي.

أرجو منكم الإجابة، والدعاء لي بالشفاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هند حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في استشارات إسلام ويب.
وصفك لنوبة الهرع والهلع التي أصابتك هو وصف دقيق ومثالي، وكذلك وفاة صديقتك - عليها رحمة الله تعالى - كحدث حياتي كبير ولا يمكن تجاهله جعلت النوبات تشتدُّ وتتقارب عندك.

إذًا هنالك حالة نفسية معروفة في التشخيص، وهنالك أسباب عجَّلت وزادت وكثَفت من قوة هذه النوبات، وبعد ذلك بدأت تظهر عندك الأعراض النفسوجسدية خاصة المتعلقة بالجهاز الهضمي، وكما هو معروف فإن المكوّن الرئيسي لنوبات الهرع هو القلق، والقلق يؤدي إلى شيء من الشعور من اضطراب الأنِّيَّة، وكذلك يؤدي إلى الأعراض النفسوجسدية مثل النوع الذي اشتكيت منه.

أيتها الفاضلة الكريمة: أنت واضحة جدًّا حين ذكرت أنك بالفعل ترددت على الكثير من المستشفيات، وهذا هو التاريخ الطبيعي للكثير من مرضى نوبات الهرع، بمعنى أنهم يترددون ويذهبون إلى أطباء القلب وتخصصات أخرى مختلفة، لأن الأعراض الجسدية تكون مُهيمنة، فلا تلومي نفسك على هذا التردد بين الأطباء، لكن يجب أن تتوقفي عن ذلك تمامًا، ويجب أن تصلي إلى قناعة أن حالتك هي حالة نفسية من النوع البسيط، حتى وإن كانت مزعجة جدًّا، وأنت بنفس المستوى الذي جعلك تذهبين إلى الأطباء الآخرين يجب أن تذهبي إلى الطبيب النفسي، الطبيب النفسي متخصص في علم من العلوم الطبية، ولا فرق بينه وبين التخصصات الأخرى، بل على العكس تمامًا الطب النفسي الآن يُعتبر من أرقى ومن أفضل التخصصات التي أفادت البشرية، والناس الآن يُقدمون على العيادات والأطباء النفسيين بكل أريحية، ودون تردد ودون شعور بالوصمة الاجتماعية، والطبيب النفسي من أهم واجباته أن يحترم سرية وخصوصية المريض.

أيتها الفاضلة الكريمة: الذهاب إلى الطبيب النفسي أعتقد أنه سيكون أمرًا جيدًا، وسوف يبعث فيك الكثير من الطمأنينة.

خطوط العلاج عمومًا تنقسم إلى أربعة: هنالك العلاج الدوائي، وهنالك العلاج النفسي، وهنالك العلاج السلوكي، وهنالك العلاج الديني. العلاج الديني أو الإسلامي يعني أن تكوني أكثر توكلاً، أن تحرصي على أذكار الصباح والمساء، فهي حامية وواقية وحصنٌ حصين، وأن تحافظي على صلواتك في وقتها، وأن تُكثري أيضًا من زيارة أرحامك وكل ما يمكن أن يفيدك من تواصل اجتماعي، وهذا هو جوهر العلاج الاجتماعي، يعني: الإكثار من التواصل، الفعالية الاجتماعية، حتى على مستوى الأسرة.

أما من ناحية العلاج النفسي فيتمثل في تحقير فكرة الخوف تحقيرًا تامًا، وصرف الانتباه عنها، وعدم التردد على الأطباء، هذا مهم جدًّا، وأن تسعي لأن تعيشي حياة صحية من خلال النوم المبكر، وحسن توزيع الوقت، والتفكر والتأمُّل الإيجابي، وأن تجعلي لحياتك هدفا، وأرجو ألا تتركي دراسة الطب، فأنت - الحمد لله تعالى - ما دمت قد اخترت هذا التخصص فهو تخصص ممتاز وراقي جدًّا، والمخاوف يجب ألا تحِدُّ أبدًا من حماسك واندفاعك نحو هذا التخصص.

العلاج الأخير هو العلاج الدوائي، ومن أفضل الأدوية التي تُعالج هذه الحالات عقار يعرف تجاريًا باسم (سبرالكس Cipralex) ويعرف علميًا باسم (استالوبرام Escitalopram) والجرعة التي تحتاجينها صغيرة، هي أن تبدئي بنصف حبة (خمسة مليجرام) يوميًا لمدة شهرٍ، ثم تجعلينها عشرة مليجرام يوميًا لمدة أربعة أشهر، ثم خمسة مليجرام يوميًا لمدة شهرٍ، ثم خمسة مليجرام يومًا بعد يوم لمدة شهرٍ آخر، ثم تتوقفين عن تناول الدواء، ويمكن أيضًا أن يُدعم هذا الدواء بعقار آخر مضاد للقلق يعرف باسم (فلوناكسول Flunaxol) ويعرف علمياً باسم (فلوبنتكسول Flupenthixol)، وجرعته هي نصف مليجرام (حبة واحدة) صباحًا لمدة شهرين، ثم يتم التوقف عن تناوله.

باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وأسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً