الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف يمكننا التخلص من مخاوفنا؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وجعل الله ما تفعلون في ميزان حسناتكم، أرجو أن يتسع صدركم لمشكلتي، وتجيبوني باستفاضة حتى يرتاح بالي.

أنا سيدة عمري 31 سنة، وأم لطفلة عمرها 9 أشهر، هي كل حياتي، ولدي أخت مصابة بالوسواس القهري منذ 10 سنوات، وأنا كنت السند الوحيد لهذه الأخت، وحاولت مساعدتها بكل الطرق، وتعالجت دوائيا، لكن دون فائدة، كنت أحاول أن أجعلها تتخطى على الأقل نوبات الهلع والاكتئاب حتى تستمر حياتها، ورحمة بأبي، وإني الآن أتقطع ألما لأجلهما.

تزوجت وأنجبت، وكنت أعيش كالجميع بين أختي وبيتي، رغم أنني أعيش في مدينة أخرى، وكنت أتحمل ضغط أختي في لحظات ضعفها، وأحزن وأبكي ثم أنهض من جديد.

في إجازة العيد ذهبت إلى أهلي، وبقيت أسبوعين وكان تفكير أختي في هذه الفترة هو الخوف من الطائرة؛ لأنها كانت على وشك السفر، ولا أخفيكم أنا أيضا كنت أقلق منها، لكن ليس إلى درجة تمنعني من ركوبها، فأنا أركبها في السنة 6 أو 7 مرات، لكن هذه المرة أحسست بأنني أضعف، وأن الخوف يتسلل داخلي، وعشت أسبوعين من التوتر والخوف، لأنني كنت سأركب الطائرة، وأعود إلى بيتي، ناهيك عن الإحباط من حالة أختي المتدهورة، وركبت الطائرة وعدت إلى البيت، ولكنني لم أكن كالسابق، ليست لدي رغبة في فعل أي شيء.

بعد أيام بينما كانت طفلتي نائمة، قفزت هذه الفكرة في ذهني: ماذا لو قمت بأذية ابنتي عمدا؟ هلعت لهذه الفكرة، واتصلت لزوجي وبكيت كثيرا، وأدركت أنها فكرة وسواسية، وأن علي تجاهلها، لكن بسبب الرعب الذي سببته لي لم أستطع، وقاومت وساءت حالتي، وأدركت أنني وقعت في شرك المرض، حاولت التجاهل عبثا، وصرت أموت خوفا من البقاء وحدي، حتى اضطر زوجي لأخذ إجازة.

ذهبت إلى الرقاة، وقرأت القرآن والأذكار، لكن كنت منذ الصباح أشعر بالتوتر وانقباض الصدر والخوف من هجوم هذا الوسواس.

أقنعت نفسي أنها مجرد فكرة؛ لأنها أصابتني بعد الولادة مباشرة وصرفتها، وارتحت قليلا، لكن صار الوسواس يرغبني في أذيتها، وقد أكون مريضة بشيء ما يجعل رغباتي منحرفة، ويلح علي أن أجرب الضغط عليها، أو قرصها أو غيره حتى أقيس الرغبة، وأرعبتني هذه الخواطر أيضا، فقد أحسست مرة عند رؤية الوسادة أنني أرغب حقا في خنقها بها، فاستعذت وهربت.

أخيرا ذهبت إلى الطبيب، وشخص حالتي على أنها اكتئاب وقلق، أدى إلى ظهور هذه الهواجس، وأعطاني سولبيريد 50 حبتين في اليوم، وبرومازيبام ربع حبة في الصباح ونصف حبة في المساء، وفليوكسيتين حبة مساء، كل هذا لمدة شهر، على أن أعود إليه، وأخبرني أنها أفكار وليست رغبات، فارتحت لتشخيصه، وبدأت العلاج فعلا اليوم.

لكنني ما زلت خائفة أن تنتابني رغبة في أذية ابنتي؛ لأثبت شيئا ما لا أدري ما هو، خاصة أنني وضعت يدي عليها لأتأكد في مرة من المرات.

أرجوكم أخبروني الحقيقة مهما كانت مؤلمة، هل أنا خطر على ابنتي؟ وما رأيكم بعلاج الطبيب؟

وجزاكم الله كل الخير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رشا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

للإجابة على سؤالك الأخير، فلنشرح معًا - لفترة قصيرة - ما هو الوسواس القهري؟
الوسواس القهري هو فكرة تتسلل إلى الشخص، وتتكرر باستمرار، وعادةً تكون فكرة سخيفة، ويحاول مقاومتها الشخص بشتَّى الطرق، ولكنه لا يستطيع، ويُصابُ بالقلق والتوتر والانقباض، وأحيانًا يحاول أن يستجيب لها لتخفيف القلق والتوتُّر الناجمان من تكرار هذه الفكرة التي لا يستطيع مقاومتها أو طردها من مخيلته أو من أفكاره، وهذا بالضبط ما حدث معك.

فكرة أنكِ سوف تخنقين ابنتك تتكرر باستمرار، وتتردَّد عليك، ثم تقاومينها، فلا تستطيعين، ولذلك تحاولين الاستجابة لها بمحاولة لمس الوسادة (المخدة) - كما ذكرتِ - علَّ هذا الفعل يُهدأ قليلاً من التوتر والقلق.

على الإطلاق ليس لديك رغبة لتؤذي ابنتك، حب البنت والإشفاق عليها شيء غريزي عند كل أُمّ، كلَّ ما ينتابك الآن هي أفكار وسواسية مائة بالمائة، و-إن شاء الله- ليس عندك رغبة في إيذاء ابنتك، ولكن ضغط الوسواس القهري والقلق والضيق يدفعك لهذه الأشياء لكي تُخففي عن نفسك.

أولاً: العلاج الذي أعطاه لك الطبيب ووصفه مناسب جدًّا للوسواس، خاصة الفلوكستين Fluoxetine، الفلوكستين يُعالج الوسواس القهري والاكتئاب. البرومازبام Bromazepam، والسلبرايد Sulipride مُهدِّئين، ليسا علاجًا مباشرًا للوسواس، لكن مهدِّئان للقلق والتوتر، ويمكن بعد زوال القلق والتوتر التوقف عنهما والاستمرار في الفلوكستين.

الشيء الآخر: هناك علاجات نفسية يجب أن تُجمع مع العلاج الدوائي، خاصة علاج الأفكار الوسواسية الاضطرارية التي تتردد وتتكرر، يكون بالآتي:

• توقفي عن المقاومة، ولكن كلما تتردَّد هذه الأفكار فلتهتفي بصوتٍ داخلي، لكن قوي، وبحزم: (قف، قف، قف) وبعد فترة -إن شاء الله تعالى- تبدأ تتوقف هذه الأشياء.

• عليك بالانشغال عن هذه الوساوس، وليس الانشغال بها، بأن تفعلي أشياء عملية تُؤدي إلى الاسترخاء، مثل: التمارين البدنية البسطة، الأشياء اليدوية، أي أشياء يدوية تجعلك تنشغلين عن هذا الوسواس هي أشياء مفيدة، حتى ولو الحديث مع الناس والاختلاط بهم، فإن هذا يكون مفيدًا جدًّا.

وفَّقك الله وسدَّد خُطاك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً