الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصبحت أنفر من زوجي ولا أحبه.. فما سبب هذا النفور والبغض؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

صباح الخير أستاذي العزيز، وفقك الله وأسعدك بقدر ما تحاولون إسعادنا، والوصول بنا لأتم الصحة والعافية.

أنا فتاة متزوجة، عمري 23 سنة، لدي طفل، نشأت في أسرة صغيرة، لدي أخوان، الأكبر عمره 17 سنة، والأصغر 14 سنة.

مشكلتي يا أستاذي الفاضل في عدة فقرات:
1- الفقرة الأولى: أنا حساسة جدا، وأحمل هموم الناس فوق رأسي، وأكبر المواضيع مثلا هذه الفترة وأكثر شيء يشغل تفكيري هو أخي المراهق وتصرفاته، والناس يقولون بأن تصرفاته شيء طبيعي، بصراحة لم أستوعب أن إخوتي يكبرون، فقد اعتدت عليهم صغارا، وأحمل هم هذا وذاك، ولاحظت أنني في بعض المواضيع التي أهولها وأراها كبيرة الناس تراها صغيرة.

2- الفقرة الثانية: أنني أمر بمشاكل زوجية، وزوجي ليس بصفي، بل هو دائما ضدي، فأصبحت بشكل غريب لا أريد أن أسمع عن خبر زواج أحد من الناس، لأنني أبدأ بمقارنة زوجي بهم، وحياتي بحياة الآخرين، وطبعا كل هذا بسبب المشاكل مع زوجي، فأصبحت باردة جدا عاطفيا وجنسيا، وأصابني تجمد أشبه وصف لي بالحجر، لا أميل إليه بأي شيء، وأرى أنه غير جميل، وسيء، وأن كثيراً من الرجال أفضل منه وأجمل، مع أني كنت سابقا -قبل المشاكل- كنت أراه أفضل من في الكون وأجملهم، وأنه هدية من الله لي، ولا يلفت نظري كائن من كان غيره.

3- الفقرة الثالثة والأخيرة: أنا دائمة التفكير في المستقبل، ولا أعيش يومي أبدا، ولا أريد أن أكبر في العمر، إخوتي بدؤوا يكبرون، وهذا يؤرقني، ولا أدري لماذا لا أتقبل أنهم بدؤوا بالنضج وإنما أريدهم أن يضلوا صغارا؟

أعلم أن الموضوع سخيف جدا جدا، لكن لا أدري لماذا أتعب نفسي بالتفكير الدائم فيه؟

يا أستاذي كل هذه الأشياء أثرت على حياتي سلبا، فزوجي أصبح لا يطيق الجلوس معي بسبب عصبيتي وكآبتي وحزني الدائم، فقد أصبحت مملة بشكل لا يطاق، حتى أنا لا أطيق نفسي، وتزداد الكآبة لدي في فترة الليل، أحس بكآبة شديدة وكتمة في الصدر، ويزيد التفكير.

وأخيرا يا أستاذي: أريد حلا لحياتي، أريد العيش كباقي الناس، أعيش يومي وأسعد زوجي وطفلي، ولقد تناولت عدة أدوية: سيبرالكس لمدة 4 أشهر، بعد ذلك تركته، وأخذت epalon 25 إلى الآن، أتناوله ولم يفدني أبدا، علما بأني أنوي الحمل في الأشهر المقبلة، ولكن أخاف، لأن كل الأعراض السابقة تزيد جدا في فترة الحمل، حتى النوم لآياتي أبدا.

عندي سؤال أخير وهو للوالدة: وتود أن تسألك بخصوص أخي الكبير ذو 17 سنة، يكره أخي ذا 14 سنة، كل هذا الكره لم يأت إلا منذ شهرين، بعدما أصبح أخي الكبير يجالس ابن عمي السيئ وحرضه على أخي الأصغر وعلى أمي وأبي وزوجي، وأصبح يكرهنا، ويريد الانفصال عن أخي الأصغر في غرفة النوم، يريد غرفة وحده، ماذا نفعل معه؟ وكيف نبعده عن ابن عمي ونقربه لأخيه؟ فأمنية أمي أن يكون هو وأخوه على قلب واحد ويحبون بعضهم؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم عبد الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك -ابنتنا الكريمة- في موقعك، ونشكر لك الاهتمام والسؤال، ونسأل الله أن يوفقك ويصلح الأحوال، وأن يحقق لنا ولكم الاستقرار والتوافق والآمال، وأن يحسن أخلاقنا والأعمال.

لا تبك على اللبن المسكوب، ولا تحاولي عبور الجسر قبل الوصول إليه، وهذه قاعدة مهمة في الحياة؛ لأن اللبن المسكوب لا يعود، والتفكير في الأمور قبل أوانها وميقاتها إزعاج للنفس وحمل للهموم، فإذا نظرنا للوراء فللعبرة والاستفادة، ولكن ليس للتأسف والبكاء على الأطلال، " لو أني فعلت كذا كان كذا"، والصواب أن نقول: قدر الله وما شاء فعل، ثم ننطلق في إيجابية وحيوية نفعل الأسباب ثم نتوكل على الكريم الوهاب.

وينبغي أن تأخذ كل قضية حجمها وترتيبها، فلا تقدمي ما حقه التأخير، ولا تؤخري ما حقه التقديم، ولا تكبري ما هو صغير، فتجعلي من الحبة قبة، ولا تصغري ما حقه التكبير، وضعي الأمور في مواضعها، وتذكري قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: " عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له".

أما بالنسبة لزوجك: فأرجو أن لا تقارنيه بغيره؛ لأن المقارنة ظلم لزوجك، فأنت لا تعرفين من أحوال الآخرين إلا ما ظهر، والناس لا يظهرون إلا الجميل، وأنت تعرفين من زوجك ما ظهر وما بطن، وطوبى لمن انغمرت سيئاته في بحور حسناته، ومن الذي ما ساء قط ومن الذي له الحسنى فقط؟

وقد أسعدنا اهتمامك بأمر إخوانك، ونأمل أن يكبروا، وسوف يعقلون، ونتمنى أن تكوني صديقة لهم وقريبة منهم، وعلى الوالدة أن تتقبلهم وتحاورهم، وتعرف خصائص فئتهم العمرية، ومن الضروري العدل بينهم، لأن اختلال ميزان العدل يؤجج الصراع، وحرضوا الصغير على احترام الكبير، واطلبوا من الكبير أن يرحم الصغير، ومن المهم عدم الانزعاج الزائد من المشاحنات التي تحدث؛ فإنها جزء من طبيعة المرحلة، والمطلوب هو حسن إدارتها، وتفادي أسبابها قبل ذلك، والتذكير بمعاني الأخوة بعد ثوابت الدين، واجتهدوا في عزله عن أصدقاء السوء ولكن بطريقة غير مباشرة، ولن تنجحوا إلا إذا كنتم أصدقاء له، ووجد عندكم التقبل والارتياح.

وهذه وصيتنا لكم بتقوى الله، ثم بكثرة اللجوء إليه، مع ضرورة المحافظة على الأذكار، وقراءة آيات الرقية الشرعية، وحسن التوافق مع الزوج، وعدم إتاحة الفرصة للمشاعر السالبة حتى لا تشوش على جمال الحياة الزوجية، ولا تحملي نفسك ما لا تطيق، وتذكري أن الكون ملك لله ولن يحدث فيه إلا ما أراده الله.

وأرجو أن تستفيدي من أستاذنا ودكتورنا محمد -حفظه الله-، وأرجو ان يتعدل الوضع النفسي قبل الدخول إلى مرحلة الحمل التي سيكون في أشهرها الأولى الوحم، وتعوذي بالله من شيطان همه أن يحزن المؤمن، وابحثي عن الطمأنينة ولن تجديها إلا في ظلال قوله تعالى: ( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب).

وفقك الله وسدد خطاك، وأسعدك، وشكرا لك على اهتمامك وتواصلك.
____________________________________________________
انتهت إجابة الشيخ/ أحمد الفرجابي -مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
وتليها إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم -استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
______________________________________________________

لقد اطلعتُ على رسالتك بكل تفاصيلها، وقد أجابك الأخ الدكتور أحمد الفرجابي -حفظه الله- بما يفيدك، فأرجو أن تأخذي به، ومن الناحية النفسية أقول لك: أنه في الغالب أن توقعاتك عن الزواج كانت توقعاتٍ يشوبها شيء من عدم الواقعية، والفتيات في مثل عمرك -أي قبل الزواج- يأتيهنَّ الكثير من أحلام اليقظة حول الزواج، وتكون هذه الأفكار أفكارا غير دقيقة وغير صحيحة، وحين يأتي الزواج، وتعيش الفتاة الواقع، ربما تختلُّ موازينها وتقديرها للأمور ويُصبح سلبيًا جدًّا.

لكن أقول لك إن زواجك بخير، ويجب أن تفكري على هذا النمط، وقد أكرمك الله تعالى بالذرية، ويجب أن تكوني مُحبة لهذا الزوج، هذه المشاعر بما وصفتها بمشاعر الكراهية والبرود لا تقبليها، ارفضيها، حقّريها، تجاهليها، فالحق عز وجل وهب الإنسان القدرة على تصفية وعلى فلترة الأفكار، فَلْتَري هذه الأفكار، وقومي بتصفيتها، وما دامتْ هي أفكارا شريرة وخبيثة يجب ألا تقبليها، وتقرَّبي إلى زوجك، كوني زوجة مُحبة، كوني عطوفة، وموضوع الشكل وهذه الأمور: هذه حقيقة -مع احترامي الشديد- أمور واهية لا يُقاس بها الرجل أبدًا، الرجل يُقاس بصلاحه، بفضله، بكرمه، بإحسانه، بخلقه مع أهله، يقاس الرجل بمودته ومحبته ومسؤوليته.

وأنت في ذات الوقت يجب أن تكون لك الكياسة والفطنة بأن تُحرِّكي في زوجك المشاعر الإيجابية نحوك، هذا مهم جدًّا، الرجل غالبًا شديد الملاحظة حول زوجته، والمرأة قد لا تكون شديدة الملاحظة، إنما تتمسَّك بأمور سطحية تشغلها عن جوهر الأمور حول زوجها، لذا لا تستطيع أن تبني مشاعر إيجابية، أخافُ أن تكوني قد وقعتِ في هذا الأمر.

فيا أيتها الفاضلة الكريمة: راجعي نفسك، ارفضي هذا الفكر السلبي، ونظّمي وقتك، وعليك أن تكوني محبة جدًّا لزوجك ولبيتك، وحاولي أن تُريحي زوجك، ودائمًا الجئي لأسلوب (نحن)، لا تقولي له (أنت)، لا تقولي (لو أنا)، هذه مخاطبة فاشلة جدًّا في الحياة الزوجية، قولي : (نحن لو قمنا بكذا وكذا، نحن سوف نعمل كذا وكذا، نحن سوف ننجح في كذا وكذا) ... وهكذا، هذه هي الطريقة الصحيحة، وكوني فطنة، كوني ذكية، وأنا متأكد أنك سوف تستكشفين الكثير من الجماليات في زوجك، فعليك أن تحرصي عليه.

وبالنسبة لإخوانك: الأخ الأكبر يجب أن يُعطى شيئا من المسؤولية في البيت، ذكّري والدتك بذلك، هو يبحث عن الاعتبار، لذا تمرَّد على أخيه الأصغر، وأصبح يفرض عليه سلطة خاطئة، فأنتم أشعروه بوجوده، أشعروه أنه هو الأكبر، ويجب أن يُشارك في قرارات الأسرة، هذا يُعطيه اعتبارًا كبيرًا جدًّا، ويعطيه ثقة في نفسه، ويحمِّله المسؤولية، ممَّا يجعله لا يكون طائشًا في تصرفاته، بالرغم من أنه يمر بمرحلة عمرية حرجة، نعرف أنه سوف يتغيَّر -إن شاء الله تعالى- بعدها.

وهنا أريد أن نُعرِّج إلى أمرٍ آخر: لماذا لا نستفيد من زوجك العزيز ونجعله وسيلة تربوية أيضًا لإخوتك، هذا سوف يعطي زوجك الكثير من الاعتبار، ويعطيه الكثير من الشعور بالمسؤولية حيالكم كأسرة، اجعليه يوجِّه أخيك هذا، يأخذه معه للصلاة -على سبيل المثال- يذهب معه إلى المسجد، يُشاركه في أي أنشطة اجتماعية، زيارة الناس، الذهاب إلى الجنائز والعزاء، الذهاب إلى الاحتفالات والمناسبات، وهكذا، وبهذه الطريقة نكون قد كسبنا زوجك وقد كسبنا أخيك أيضًا.

أعتقد أن هذا الأسلوب سيكون أسلوبًا جيدًا، وأسأل الله لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً