الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مطلقة وأدعو على طليقي لأنه ظلمني فهل أنا آثمة؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا فتاة، أبلغ من العمر 24 سنة، مطلقة منذ قرابة سنة، تطلقت بعد زواج دام سنتين، ولم أرزق بأطفال منه، كان طليقي من أقاربنا، وكان عصبياً جدا لدرجة أنه لا يكاد يمر أسبوع إلا ويضربني، ويشتمني ويشتم أهلي، حتى وصلت به الوقاحة إلى أن يقوم بالبصق على وجهي، وقذفي في عرضي!

ولم يقف إلى هذا الحد بل كان يضربني أمام الناس، وفي السيارة، وحتى عند وجود الغبار على الطاولة، وإذا قمت بزيادة مسحوق الغسيل على الملابس، ومن أجل الخادمة، ومن أجل زوجات إخوانه، وكان يستهزئ بي أمام أمه وأخته ليثبت لهم أنه قوي، وكان يأخذ مالي ويقول أنه سيرجعه، ولكنه لا يرجعه لي، بالرغم أنه مقتدر ماليا، وتجرأ على أهلي في إحدى المرات، فعندما جاءت أمي لزيارتي قال لي: اجمعي ملابسك، واذهبي مع أمك، وإذا جاءت أمك مرة ثانية إلى بيتي سوف أضربها. يفعل كل هذا بسبب أنني تكلمت مع إحدى النساء التي يغازلها على الجوال.

صبرت عليه ولكن من دون جدوى، صبرت عليه رغم ما كان يفعله بي، لأنني كنت أحبه، صبرت على إهانته ولا أعلم هل يريدني أم لا؟ لأنه يأتيني كل يوم بوجه، ففي بعض الأحيان يفاجئني بالهدايا، والورود، والذهاب إلى المنتزهات، وفي بعض الأحيان يتحول إلى شيطان يدمر كل شيء أمامه.

في المقابل أنا لست بملاك، ففي بداية زواجي كنت أرتكب الأخطاء، والآن نادمة عليها، ولكن بعد فترة قصيرة أصبحت الزوجة مكسورة الجناح المطيعة، وفي إحدى المرات تكلمت على أخيه المتوفي بأنه سكير، ولكنه انتقم بعدها مني أشد انتقام.

الآن أشعر بالظلم، والقهر، والإهانة، والانكسار، وأشعر أنني كنت أغبى مخلوق على وجه الأرض؛ لأنني صبرت على هذا المسخ، ومنذ طلاقي وإلى الآن لا تمر دقيقة إلا وأدعو عليه أنا وأمي بسبب ما فعله بي.

السؤال سيدي الكريم: هل يجوز أن ندعو عليه بسبب ما فعله بي وبأهلي أم أني آثمة؟ والسؤال الثاني: هل طليقي ظلمني بكل ما فعله أم لا؟

وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أريج حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

1- اعلمي أختي الكريمة أن ما حصل لك إنما هو نوع من الابتلاء، فالله تعالى يبتلي عباده بما شاء، ولحكمة لا يعلمها إلا هو سبحانه، فهذا يبتليه بماله، وهذا بأولاده، وهذا بوالديه، وهذا بصحته، وذاك بزوجه قال تعالى: (نَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)، وقال نبينا الكريم -عليه الصلاة والسلام-: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط) فما عليك إلا الرضا بما نزل بك حتى يكتب لك الأجر.

2- ما حل بك من الظلم أمر مقدر عليك من قبل أن يخلقك الله، وكل ما يدور في هذا الكون يسير وفق قضاء الله وقدره قال تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)، وقال عليه الصلاة والسلام: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة) وما على المسلم إلا التسليم لقضاء الله وقدره.

3- لا تحزني، ولا تتندمي، فلعل الله صرف عنك شرا، وأبعد عنك سوء قال تعالى: (وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُم وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ).

4- عليك بالدعاء المأثور الذي قال فيه نبينا -عليه الصلاة والسلام-: (ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها، إلا أجره الله في مصيبته وأخلف الله له خيرا منها) فكوني على يقين أن الله سيعوضك خيرا منه.

5- يشرع للمظلوم أن يدعو على من ظلمه قال سبحانه: (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا)، وفي الحديث (واتق دعوة المظلم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)، وفي حديث آخر (ثلاث دعوات مستجابات وذكر منها دعوة المظلوم).

6- الدعاء على الظالم يجب أن يكون بقدر المظلمة، ولا يجوز أن تزيد عليها لأن الدعاء نوع من القصاص، والقصاص لا يجوز الاعتداء فيه.

7- الأفضل لك الصبر، واحتساب الأجر عند الله والعفو؛ لقوله تعالى: (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).

8- الأصل في علاقة الزوجين الإحسان والمعروف فإما إمساك بمعروف مع إكرام واحترام، وإما تسريح بإحسان مع عدم المساس بالكرامة كما قال تعالى: (إِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) ومهما فعلت فالضرب والإهانة في حقك ظلم واضح.

9- في حال تقدم لك خطيب تحري أن يكون صاحب دين وخلق، وصلي صلاة الاستخارة قبل الموافقة مع الدعاء بالدعاء المأثور.

أسأل الله تعالى أن يسعدك في حياتك، وأن يختار لك ما فيه الخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً