الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تعاني صديقتي من مشاكل نفسية، فكيف يمكنني مساعدتها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة لله وبركاته.

صديقتي وفي نفس الوقت هي قريبتي، عمرها 22 سنة، إنسانة مزاجية وعصبية، وتحب أن يمشي الكل على مزاجها، لا تتفهم رأي الطرف الآخر بالحوار، وإنما دائما تلجأ لتكسير أو تخريب أي شي عندما تغضب، أحيانا تغضب بدون سبب مقنع، مدمنة تكنولوجيا وإنترنت، وتحب البرمجة، لا تستمع لرأي أهلها بينما تستمع للغريب حتى لو كان خطأ، تحب التقليد لأقصى درجة، دائما ترى الجانب السوداوي من الحياة، تحب دائما أن تصنع المشاكل دائما، وعند سؤالها لماذا تتحجج بحجج واهية وغير مقنعة البتة؟ فإنها تلتزم الصمت، بالرغم من أن أهلها يقولون لها: سوف نعطيك ما تريدين، ولكن ما سبب هذه المشكلة؟

تتسلط على أختها الصغرى بداعي أنها تفرغ ما فيها، لا تحب مساعدة أهلها في المنزل، تحب الحيوانات، ودائما تريد حيوانا لتربيته، ولكن إذا جاءها الحيوان لا تطعمه بشكل جيد، ولا تهتم به.

دائما تحدث مشكلة، وخصوصا قبل المناسبات وأوقات الفرح، ولديها أخت أكبر منها، وتمتاز بالغيرة الشديدة خصوصا من الأولاد، وتغار من أختها الصغرى التي عمرها 10 سنوات.

وحريصة بشكل قوي على الصلاة والسنن وقراءة القرآن، ودقيقة جدا في شؤونها، فمثلا أنها قد تلغي خروجا لأجل شعرة طائرة، أو كحلا غير متطابق، وإن أخطأت أكثر من مرة ولا تعاقب، وعندما كانت مراهقة شاهدت مسلسلا فيه فتاة هربت من منزل أهلها، وقامت بتقليدها، وبعدها بفترة طويلة قامت بقص شعرها، وقالت بأنها كانت تريد أن تنتحر، ولكن اختارت قص شعرها بأنه أهون لها، وبأنها تريد حريتها، وتريد أن تكون ولدا، وبعدها قالت: أريد الذهاب لدكتور نفساني، وذهبت، ولكنها لم تنتظم في الذهاب إليه، ثم تركت الذهاب.

ووالدها إنسان متقاعد من قطاع مدني، هواياته تافهة، يحب الكرة، ولا يهتم بحال أبنائه وبناته، عندما يتقدم شخص لخطبتهن لا يوافق ولا يرفض، بل يسكت ويقول: إن شاء الله خيرا، ولا يخبر بناته أو زوجته أن فلانا خطب فلانة، فيمل الناس من الانتظار ويذهبون، والبنات لا يعلمن.

كما أنه لا يهتم لأولاده أيضا، ولا يتطلع لتزويجهم أبدا، تفكيره محدود، يفكر ماذا سيأكل اليوم؟ أو ماذا سيرسل بالواتساب أو تويتر؟ ولا يفكر بالأشياء المستقبلية، لا يتطلع لبناء بيت خاص له، فهو يسكن بالإيجار، ودائم الشجار، ويدعو على أبنائه وزوجته، وبعد فترة يبرر شجاره ذلك بأنه ينفس عن نفسه فلا يصاب بالسكري.

أرجو منكم المساعدة، حتى أستطيع أنا وأهلها التعامل معها بشكل جيد، ونحسن من تصرفاتها السيئة، وكيف يمكنهم أن يتعاملون مع والدهم؟

ولكم جزيل الشكر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أماني حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أشكر لك الثقة في إسلام ويب وعلى اهتمامك بأمر هذه الفتاة.
ممَّا ورد في رسالتك من حيث السمات والصفات والطباع التي تُعاني أو تظهر على هذه الفتاة:

أرى أنه في الغالب لديها مشكلة في شخصيتها، شخصيتها تحمل طابع ما نسميه (الانكباب أو الانغلاق على الذات)، فهي تنظر للأمور من منظارها، ولديها صعوبة في التعامل مع الآخرين، أو عدم تقبُّل الرأي الآخر، وهذا نشاهده لدى الأشخاص الذين يفتقرون إلى ما يُسمى بـ (الذكاء الوجداني)، أو (الذكاء العاطفي)، وهو من العلوم النفسية المستحدثة، كتب عنه (جولمان) كتابًا مشهورًا لأول مرة عام 1995.

والذكاء الوجداني لا يقل أهمية عن الذكاء الأكاديمي، لأن الذكاء الوجداني هو الوسيلة التي تجعلنا نتعامل مع أنفسنا ومع الآخرين بصورة إيجابية، وهذا يقودنا لأن نفهم ذواتنا بصورة صحيحة، أن نُقيِّمها بصورة مُنصفة، وأن نسعى لتطوير ذواتنا.

من يفتقد الذكاء العاطفي قطعًا يفوت عليه هذا الأمر، فأعتقد أن هذه الفتاة محتاجة لأن تطور من ذكائها العاطفي، دعيها تقرأ وتطلع على بعض الكتب التي كُتبتْ في هذا المجال، وأريدك أن تُركزي على الجوانب الإيجابية في حياتنا وسماتها، لأن ذلك سوف يُساعدها على تقليص السلبيات، فمثلاً هي حريصة على الصلاة والسُّنن وقراءة القرآن، إذًا لا بد أن نساعدها لتنفتح قليلاً وتُركِّز على فقه المعاملات مثلاً، وهذا سوف يفتح لها أبوابا وأفكارا وآفقا جديدة، من خلالها تستطيع أن تُحسِّن معاملتها مع الآخرين، وأن تكون صاحبة مبادرات إيجابية.

قطعًا موقف الوالد لا يخلو من السلبية -بالرغم من احترمنا الشديد له-، ولكن هذه المشكلة يمكن تخطِّيها وتجاوزها من خلال إبداء المزيد من الاحترام والتقدير والبر له، وهذا مهم جدًّا، فالآباء والأمهات يستشعرون واجباتهم إذا أقدم الأبناء والأمهات على احترامهم وتقديرهم، لأن التقدير والبر يفتح باب الحوارات الإيجابية بين الطرفين، ومن ثمَّ يستطيع الابن أو الابنة تعديل سلوك الوالد أو الوالدة.

وهذا أمرٌ مجرَّب وليس أمرا خياليا أو نظريا، فانصحيها في هذا السياق، وأعتقد أن ذلك سوف يُعطيها أهمية، لأنه أصبح لها مهمة عظيمة وواجب كبير، وهي: المساعدة في تعديل سلوك والدها.

الناس تتعلم من التجارب، والناس حين تُوكل لها مهام تشعر بقيمتها، وتُقيِّم نفسها بصورة صحيحة.

أيتها الفاضلة الكريمة: هذه الفتاة -حفظها الله- قالت أنها تريد الذهاب إلى طبيبٍ نفسي، وهذا دليل قاطع على ما تعانيه من ألم نفسي داخلي، تصرفاتها السلبية لا تُشكِّلُ محور إمتاع أو متعة بالنسبة لها، ومن الواضح أن الألم النفسي يسيطر عليها، خاصة أنها مدققة، ولديها أيضًا جوانب وسواسية من حيث الطِّباع، وهذا يؤدي في بعض الأحيان إلى الألم النفسي، فأعتقد أننا يجب أن نتحيَّن هذه الفرصة، ويجب أن نستغلها استغلالاً تامًا بأن نُشجعها على الذهاب للطبيب النفسي مرة أخرى.

باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً